رهانها على التكنولوجيا الحيوية اختبار لقدرات رئيسها المُقبل
«سامسونغ» تستثمر 9 مليارات درهم في صناعة الأدوية البيولوجية
تجتهد مصانع تابعة لمجموعة شركات «سامسونغ» الكورية الجنوبية على مدار ساعات اليوم لإخراج منتجات تختلف كثيراً عما تشتهر به الشركة من الهواتف الذكية والإلكترونيات وأجهزة التلفزيون؛ إذ تُنتج أدوية للسرطان طورتها شركة «بريستول-مايرز سكويب» الأميركية للأدوية.وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، استثمرت «سامسونغ» 2.47 مليار دولار (نحو تسعة مليارات درهم) في تأسيس مصانع ومختبرات للأبحاث في مجال الأدوية البيولوجية أو الحيوية، في إشارة لافتة إلى رغبة الشركة في تجاوز وصفها واحدة من أهم مصنعي الإلكترونيات الاستهلاكية في العالم فقط.وتسعى «سامسونغ» لاستثمار خبرتها في صناعة الرقائق الإلكترونية والهواتف الذكية في تصنيع الأدوية البيولوجية لمصلحة أكبر شركات الأدوية في العالم، وتهدف للتحول إلى أكبر مُصنع تعاقدي في العالم للأدوية البيولوجية التي تعتمد على الخلايا الحية ومكونات الدم والأنسجة، خلافاً للأدوية التقليدية المُعتمدة على المواد الكيميائية.
|
مبيعات عالمية يُتوقع وصول المبيعات العالمية للأدوية البيولوجية إلى 278 مليار دولار بحلول عام 2020، مُقارنةً مع 184 مليار دولار عام 2015، وفقاً لبيانات شركة «إيفلويت» للأبحاث في العاصمة البريطانية لندن. وفي حين يُمثل ذلك ثلث مبيعات الأدوية التقليدية المُعتمدة على المركبات الكيميائية، إلا أن محللين يرون أنها تتمتع بهوامش أعلى للربح. وتُقدر «سامسونغ» بلوغ عائدات تصنيع الأدوية البيولوجية42 مليار دولار في عام 2020، مُقابل 28 مليار دولار عام 2015. |
اختبار أداءويُنظر إلى توجه «سامسونغ» إلى التكنولوجيا الحيوية، باعتباره «اختبار أداء» لوريث عرش «سامسونغ»، لي جاي ــ يونغ، البالغ من العمر 47 عاماً، إذ يُتابع محللون ومستثمرون قدرات «جاي ــ يونغ» على فتح مجالات عمل جديدة للمجموعة، على غرار ما فعله والده، لي كون-هي، مع أشباه الموصلات والهواتف المحمولة.
ويعتبر «جاي ــ يونغ»، الابن الذي يشغل منصب نائب رئيس «سامسونغ إلكترونيكس»، أن بمقدور مجال الأحياء سريع التطور المساعدة في تأمين النمو للمجموعة في ظل تراجع مبيعات الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية.
اهتمام واستثمار
ويتبين جانب من اهتمام «جاي ــ يونغ» بتصنيع المستحضرات الدوائية البيولوجية في توظيفه مستشارين متخصصين، وإرساله المقالات الأكاديمية إلى مساعديه، إضافة إلى عقده لقاءات مهمة مع مسؤولي الشركات المنتجة للأدوية البيولوجية في أوروبا والولايات المتحدة، حسبما نسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» إلى مصادر مُطلعة.
وتزيد «سامسونغ» استثماراتها في قطاع الأدوية الحيوية، إذ أنفقت خلال أربعة أعوام مليار دولار لتشييد مصنعين للأدوية البيولوجية، إضافة إلى مليار دولار للأبحاث والتطوير بهدف التوصل إلى بدائل حيوية، وهي إصدارات شبه مُماثلة أرخص سعراً من الأدوية الأصلية التي تطورها الشركات.
وفي نهاية نوفمبر 2015، كشفت «سامسونغ» عن خططها لتشييد مصنع ثالث سيكون الأكبر للمستحضرات الدوائية البيولوجية في العالم عند اكتماله في عام 2018.
وعلى الرغم من أن استثمارها في المصنع بمبلغ 740 مليون دولار يقل كثيراً عن إنفاقها 13.3 مليار دولار لتشييد مصنع لأشباه الموصلات، فإن المصنع الجديد سيجعل شركة «سامسونغ بيولوجيكس» Samsung BioLogics منشأة التصنيع التعاقدي للأدوية البيولوجية الأكبر في العالم من ناحية طاقة الإنتاج.
وحالياً، تحتل «سامسونغ بيولوجيكس» المرتبة الثالثة في العالم بعد كلٍ من «لونزا غروب» السويسرية و«بورنجير إنجلهايم» الألمانية.
سمات مشتركة
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «سامسونغ بيولوجيكس»، كيم تاي-هان، إن «سامسونغ» تأمل إعادة تشكيل صناعة الأدوية من خلال توفير خيار التعهيد الخارجي لمُنتجي الأدوية، مثلما أتاح التصنيع التعاقدي لمجال أشباه الموصلات خفض التكاليف.وتعتمد سرعة «سامسونغ» في تخصيص مواردها لمجال تصنيع الأدوية البيولوجية على إيمان «جاي ــ يونغ» الابن ومساعديه بالسمات المُشتركة بين صناعة أشباه الموصلات والمستحضرات الدوائية البيولوجية؛ إذ يحتاج كلٌ منهما إلى الكثير من رؤوس الأموال، ويعود بالنفع على الشركات التي تستثمر مبالغ طائلة. وتقول شركة «سامسونغ» إن كلا المجالين يتطلبان غرف إنتاج نظيفة ومُحكمة الإغلاق، إضافة إلى التركيز على نطاق الإنتاج والسرعة والكفاءة.
«سامسونغ بيولوجيكس»
واعتمد ازدهار مجموعة «سامسونغ إلكترونيكس»، أشهر أقسام «سامسونغ»، على تحسينها عملية تصنيع الشاشات المُسطحة وأشباه الموصلات، وتسير «سامسونغ بيولوجيكس» بدقة على النهج نفسه.
ويقع المصنع الثاني للشركة قريباً من أهم مطارات كوريا الجنوبية، وستصل طاقته الإنتاجية إلى 150 ألف لتر، وسيبدأ خلال العام الجاري 2016 في زيادة الإنتاج، نظراً لسعيه نيل تصريح «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية.
وقال كيم: «بحلول عام 2020 نأمل أن نُعتبر الرائد الجديد في تصنيع المستحضرات الدوائية البيولوجية»، لافتاً إلى أن هدف «سامسونغ» يتمثل في تحقيق إيرادات تبلغ أربعة تريليونات وون، أي ما يُعادل 3.5 مليارات دولار، وأرباح تشغيلية تبلغ ملياري دولار من قطاع التكنولوجيا الحيوية في عام 2025.
تحديات التصنيع
ومع ذلك، تُواجه هذه الغايات الطموحة لشركة «سامسونغ بيولوجيكس» بعض التحديات؛ إذ تحتاج إلى إجادة عملية تصنيع تفوق دقتها ومُتطلباتها أشباه الموصلات؛ إذ يُمكن لجزيئات الغبار أن تضر بالإنتاج. ويلزم الأدوية البيولوجية توفير غرف مُعقمة وخالية من البكتيريا للتوافق مع توجيهات «إدارة الغذاء والدواء».
وقال كيم إن «سامسونغ بيولوجيكس» تُشيد مصانعها بمُعدل يفوق مُنافسيها، وسيكون عليها إثبات توفيرها خياراً أفضل من مُنافسيها. وفي عام 2013 وقعت الشركة اتفاقاً لـ10 أعوام مع شركة «بريستو - مايرز سكويب» الأميركية، وآخر مع «روش» السويسرية.
وليس بعيداً، تعمل شركة «سامسونغ بيوبيس» Samsung Bioepis التابعة للمجموعة على تطوير بدائل حيوية لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي. ولدى الشركة ستة منتجات قيد التطوير. ووافقت في عام 2013 على الطرح التجاري لبدائل حيوية، بالتعاون مع شركتي «ميرك» و«بيوجين» الأميركيتين.
طرح عام
وفي سبيل تمويل خطط نمو «سامسونغ بيوبيس»، فإنها تتطلع إلى طرح عام لأسهمها في سوق «ناسداك» للأوراق المالية في مدينة نيويورك مطلع عام 2016، وتأمل تحقيق ما يصل إلى مليار دولار، ليكون بذلك الطرح العام الأول لشركة «سامسونغ» خارج كوريا الجنوبية، طوال تاريخها الذي يمتد لـ77 عاماً. وتتطلع «سامسونغ بيولجيكس» أيضاً إلى الخطوة ذاتها. وقال المُحلل في شركة «كيوبو سيكيوريتز» للخدمات المالية في العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، بايك جوانج-جي، إن نجاح «سامسونغ» في مجال المستحضرات الدوائية البيولوجية يفوق أهمية مُختلف مجالات الأعمال الأخرى. وأضاف: «من أجل خلافة سلسة، فإن لي جاي-يونغ يحتاج إلى إثبات نفسه».