يُبرز أثر العرض والطلب في قطاعات مختلفة كساحات انتظار السيارات وملاعب الغولف

أسلوب «التسعير الديناميكي» ينتقل من متاجر الإنترنت إلى الأعمال التقليدية

عدد متزايد من الشركات يقوم بتغيير أسعار منتجاته وخدماته باختلاف أوقات اليوم. غيتي

يتجه عدد متزايد من الشركات إلى تغيير أسعار منتجاتها وخدماتها باختلاف أوقات اليوم، ومن ساعة إلى أخرى، وذلك بفضل حصولها على قدرٍ هائل من البيانات حول عادات الشراء، وغيرها، واستخدام برمجيات فعّالة، وهي مُمارسة تُعرف باسم «التسعير الديناميكي» أو المُتغير. واعتادت متاجر البيع عبر الإنترنت وشركات الطيران والفنادق استخدام هذه الطرق لسنوات، لكن أخيراً يتنامى انتشارها في العالم الحقيقي وفي الأعمال التقليدية، الأمر الذي يُبرز أثر العرض والطلب في قطاعات مختلفة من ساحات انتظار السيارات إلى رسوم ملاعب الغولف.

 وعلى سبيل المثال، تُغير طرقٌ سريعة في مدينة دالاس الأميركية أسعار رسوم المرور كل خمس دقائق اعتماداً على حركة المرور. وتستخدم متاجر «كولز» البطاقات الإلكترونية للأسعار على السلع في مئات من متاجرها ليختلف السعر بين أوقات الزحام، وتلك التي تشهد إقبالاً ضعيفاً من المستهلكين. كما يُعدل أكثر من 250 منتجعاً للتزلج في أميركا الشمالية أسعار التذاكر يومياً بناءً على عدد التذاكر التي بيعت بالفعل.

وأكد خبراء في الاقتصاد أن هذا الأسلوب ينتهي بدفع المستهلكين أكثر، فضلاً عن تأثير التسعير المُتغير في تحديد الأشخاص الذين يحصلون على البضائع خلال فترات ارتفاع الطلب، ويُميّز أولئك المستعدين لدفع مقابل أكبر. وفي الوقت نفسه يُقدم خصومات للمتسوقين الذين يُمكنهم الشراء في أوقات انخفاض الأسعار. ويُسلط التغير السريع في الأسعار الضوء على طريقة أخرى تُعيد بها التكنولوجيا تشكيل الاقتصاد الحديث. وعلى مدى فترة طويلة اعتمدت الشركات الأسعار سبيلاً لتثبيت الطلب من خلال تقديم العروض الصباحية المُخفضة ونحو ذلك. لكن التغييرات كانت ثابتة وقليلة الحدوث، وتعتمد على الحدس عوضاً عن البيانات الفعلية وتحليلها.

وفي ظل تحول المزيد من التعاملات إلى الإنترنت، تجمع الشركات الكثير من البيانات حول عادات شراء المستهلكين وأسعار منافسيها، وتستخدم تلك البيانات إلى جانب مُتغيرات أخرى مثل توقعات حالة الطقس من أجل تعديل الأسعار باستمرار. وبطبيعة الحال يُمكن لشركات الإنترنت تعديل أسعارها بسهولة تفوق غيرها. وفي ثمانينات القرن الـ20 ابتكرت شركات الطيران نظماً لـ«التسعير الديناميكي» أكثر تطوراً، وتبعتها الفنادق وشركات تأجير السيارات في التسعينات. وفي عام 1999 اختبرت شركة «كوكاكولا» رفع أسعار المشروبات التي تُباع من خلال آلات البيع خلال الأيام ذات الطقس الحار، لكنها تراجعت بعد ردود فعل غاضبة من المستهلكين.

وأخيراً، اتجهت فرق رياضية وموسيقية وشركة «سي وورلد باركس آند إنترتيمنت» للمدن الترفيهية لتعديل أسعارها بناءً على حجم الطلب. ويُمكن لشركات مشاركة السيارات مثل «أوبر» و«ليفت» رفع أسعارها مرات عدة بين لحظة وأخرى تليها، استناداً إلى عدد الركاب الباحثين عن سيارات، وعدد السائقين في الطرقات. وقد ترتفع الأسعار إلى 500 دولار للرحلة خلال أوقات الازدحام مثل ليلة رأس السنة. ومن بين أحدث الوافدين على تقنيات «التسعير الديناميكي» قطاع التجزئة، وبدأت شركات تجارة التجزئة عبر الإنترنت مثل «أمازون» قبل فترة طويلة تعديل الأسعار بناءً على حجم الطلب وعوامل أخرى. وحالياً تستخدم متاجر «كولز» Kohl’s بطاقات الأسعار الإلكترونية على السلع من أجل رفع الأسعار وخفضها عن بُعد، خلال العروض قصيرة الأجل بحسب الطلب المُتوقع، كما قال الرئيس التنفيذي لشركة «ألتير» لتصنيع الشارات الإلكترونية، سونيت ساكسينا. ويُجرب موزع لشركة «تويوتا موتور» للسيارات في أميركا الشمالية استخدام البطاقات الإلكترونية لتغيير الأسعار بناءً على حجم المنافسة عبر الإنترنت، بحسب ما قال ساكسينا.

وتستعين شركة «إي ليكليرك» E.Leclerc الفرنسية لتجارة التجزئة ببطاقات الأسعار الإلكترونية فيما يقرب من ثلث متاجرها، وتنجز أكثر من 5000 عملية تغيير في الأسعار أسبوعياً، ما يُعادل تقريباً 10 أضعاف عدد التغييرات قبل استخدام البطاقات، بحسب ما قال مستشار التكنولوجيا في الشركة، ميشال لتي. وتختبر متاجر «كروجر» للبقالة الشارات الإلكترونية في أحد متاجرها في ولاية كنتاكي الأميركية. وتُساعد شركة «درينك إكستشينغ» Drink Exchange للبرمجيات 15 مقهى في الولايات المتحدة على تغيير أسعار المشروبات مع كل بيع. وفي كلٍ من الصين وأميركا اللاتينية والمملكة المتحدة تُحدد دور العرض السينمائي أسعاراً أعلى للأفلام الرائجة تفوق أخرى لم تُحقق نجاحاً كبيراً. وقالت سلسلة «إيه إم سي إنترتينمنت» لدور العرض في الولايات المتحدة إنها تختبر اعتماد أسلوب مُماثل لتسعير التذاكر.

وأشار المُدير المشارك في مبادرة تحليلات المستهلكين في «جامعة بنسلفانيا» الأميركية، بيتر فادر، إلى فرص انتشار «التسعير الديناميكي» بقوله: «هذا ليس صرعة عابرة». وقال إن «(أمازون) جعلت منه قاعدة، ومن ثم صار لزاماً على المتاجر التقليدية البحث عن سبيل لمعرفة كيفية القيام بذلك». ويصب هذا الاتجاه في مصلحة الأعمال، ويساعد الشركات على تحصيل مقابل أكبر للسلع التي تحظى بمعدل مرتفع للطلب، وكذلك يفيدها في التخلص من عبء السلع الفائضة. كما يُمكن للتسعير المُتغير التأثير في السلوك. ومن بين أسباب إقدام «أوبر» و«ليفت» على زيادة الأسعار خلال أوقات الذروة جذب السائقين بالقيادة خلال هذه الأوقات. ويُوظف مسؤولو إدارة الطرق السريعة التسعير المُتغير في تنظيم حركة المرور. وخلال العامين الماضيين أتاحت وحدة «سينترا» التابعة لشركة «فيروفيال» طرقاً عدة في منطقة دالاس يمكنها تغيير أجر المرور كل خمس دقائق، بهدف المحافظة على سرعات تتجاوز 50 ميلاً في الساعة. وطبقت حديقة حيوان «إنديانابوليس» في ولاية إنديانا الأميركية أسلوب «التسعير الدينامكي» بناء على المبيعات المُسبقة والطلب المُتوقع. وتُقدم مثلاً خصومات خلال إجازات نهايات الأسبوع في الطقس البارد خلال شهر فبراير، وترفع الأسعار بعد حجز مجموعات من طلاب المدارس عشرات التذاكر.

وزاردت عائدات حديقة «إنديانابوليس» من رسوم التذاكر بنسبة 12% بعدما اعتمدت العام الماضي «التسعير المُتغير». وقالت الحديقة إن «من بين أسباب استخدامها هذا الطريقة في التسعير رغبتها في الحد من الازدحام بعدما افتتحت العام الماضي مركزاً جديداً لحيوان الغاب». وتستفيد من هذه الاستراتيجية، إذ يأتي حالياً ثلثا أعداد الزوار خلال أيام الأسبوع العادية مُقارنةً مع نسبة 57% في عام 2013. أما شركة «غوجو» التي تُوفر خدمات الإنترنت خلال الرحلات الجوية فتُغير السعر ليراوح بين ثمانية و40 دولاراً بناءً على عوامل تشمل الرحلة واليوم والوقت، لأهداف منها الحد من عدد المستخدمين والمحافظة على ارتفاع السرعة.

لكن هذا الأسلوب لا يروق دائماً للمستخدمين، كحال أندرو سوليفان، الذي يعمل مديراً للمنتجات في أحد مصانع كاليفورنيا. وقال إنه دفع أخيراً 34 دولاراً نظير خدمة الإنترنت في إحدى رحلات الطيران. ووصف سوليفان الأمر بالمزعج للمستهلك: «لا تحصل على أي قيمة إضافية حين تدفع ضعف سعر السلعة نفسها».

وأشار فادر من جامعة بنسلفانيا إلى رفض المستهلكين لـ«التسعير الديناميكي» مع بداية تطبيقه. وقبل خمسة أعوام واجهت فرق دوري البيسبول انتقادات حين بدأت تغيير أسعار التذاكر وفقاً لعوامل مثل التاريخ والخصم وتوقعات حالة الطقس والمقاعد الباقية. وقال فادر إن «ذلك تغير حالياً، وتُطبق جميع الفرق هذا الأسلوب في غياب لافت لردود الفعل المُعارضة».

تويتر