من خلال العمل وسيطاً للاتصال بين المستهلكين والشركات
«ماسنجر» يسعى إلى استخدام «المحادثات» للتفوّق على تطبيقات التراسل
منذ انضمام نائب رئيس «فيس بوك» لمنتجات التراسل، ديفيد ماركوس، إلى شركة «فيس بوك» في يونيو من العام الماضي، ارتفع عدد مستخدمي تطبيق «ماسنجر» من 300 مليون إلى 700 مليون مستخدم نشط شهرياً، إذ يحتل التطبيق حالياً المرتبة الثانية بين أكثر تطبيقات التراسل شعبية، ويلي «واتس آب» الذي تمتلكه «فيس بوك» أيضاً، وبلغ عدد مستخدميه 900 مليون مستخدم وفقاً لآخر الإحصاءات.
لكن طموحات ماركوس، الفرنسي المولد الذي عمل سابقاً رئيساً لوحدة «باي بال» في شركة «إي بال»، تتجاوز تأكيد مكانة «ماسنجر» بين تطبيقات التراسل إلى تحويله إلى بوابة لـ«الويب» عبر المحمول، واستبدال التطبيقات بالمحادثات، واعتماد التطبيق وسيطاً للاتصال بين المستهلكين والشركات، وبمعنى أدق استخدامه لمنافسة الكثير من تطبيقات الهواتف الذكية، وربما القضاء عليها.
وقال ماركوس: «الأمر الوحيد الذي يفعله الناس أكثر من استخدام الشبكات الاجتماعية هو التراسل، وأحب دائماً استعادة ما فعله الناس قبل التكنولوجيا، وكان لدينا قبل عصر الـ(ويب) المحادثات فقط»، وذلك حسب ما تضمنه تقرير لصحيفة «تلغراف» البريطانية.
وسبق أن أكد الرئيس التنفيذي لشركة «فيس بوك»، مارك زوكربيرغ، أهمية تطبيق «ماسنجر» لمستقبل الشركة، ووصف التطبيق خلال مؤتمر المطورين الأخير «إف 8»، في مارس الماضي، بأنه «أحد أسرع أفراد عائلة (فيس بوك) نمواً وأكثرها أهمية»، معرباً عن اعتقاد أن «لدى هذه الخدمة القدرة على ربط مئات الملايين من الأشخاص الجدد، وأن تصير أداة اتصال مهمة حقاً للعالم».
وفي الواقع لا يمكن التشكيك في شعبية تطبيقات التراسل الفوري عموماً، إذ يتجاوز عدد حسابات أكثر خمسة تطبيقات شعبية، وهي «واتس آب» و«ماسنجر» و«فايبر» و«وي شات» و«لاين»، ثلاثة مليارات حساب. كما تستعر منافسة ضارية في مجال تطبيقات التراسل بوجود أسماء مثل «كاكاو توك» من كوريا الجنوبية و«كيك» من كندا.
وتقدّر شركة «إي ماركتر» للأبحاث أن يستخدم أكثر من 1.4 مليار مستهلك تطبيقات التراسل للأجهزة المحمولة بنهاية العام الجاري، ما يمثل 75% تقريباً من مستخدمي الهواتف الذكية في العالم مقارنةً مع نسبة 32% فقط العام الماضي.
وبهدف التوسع خارج قاعدة مستخدمي «فيس بوك» التي تشمل حالياً 1.5 مليار مستخدم، أتاح «ماسنجر» الاشتراك برقم الهاتف دون الحاجة إلى امتلاك حساب في «فيس بوك». وقال ماركوس: «سمحنا للأشخاص الذين لا يمتلكون حسابات في (فيس بوك) بالحصول على (ماسنجر) باستخدام أرقام هاتفهم»، ويتفق ذلك مع الاستراتيجية التي يتبعها تطبيق «واتس آب» المملوك لشركة «فيس بوك».
ولا يطمح تطبيق «ماسنجر» إلى الانتشار فقط كوسيلة للتواصل بين العائلة والأصدقاء، بل يسعى ماركوس لجعل «ماسنجر» قناة للتواصل بين المستهلكين والعاملين في الشركات، مثل مسؤولي البيع في متاجر التجزئة ولحجز التذاكر ومراكز الاتصالات.
وفي أغسطس من العام الماضي، وبعد فترة وجيزة من التحاق ماركوس بالعمل في «فيس بوك»، قررت الشركة فصل تطبيق «ماسنجر» وتحويله إلى تطبيق مستقل، وأعلنت ضمن هذه الاستراتيجية عن ميزات جديدة مخصصة للأعمال باسم Businesses on Messenger، لتُتيح للمستخدمين التواصل مع الشركات والعلامات التجارية ضمن التطبيق كالحصول على معلومات إضافية بعد الشراء، أو الاستفسار عن مواعيد الشحن.
وفي حال تطبيق فكرة ماركوس بالتفكير في الوضع السائد قبل العصر الرقمي، فستكون تجربة استخدام «ماسنجر» لهذا الغرض أشبه بزيارة المتجر المحلي، وطلب الحصول على رداء مماثل لما اشتراه المستهلك قبل أسبوع مثلاً.
وإذا ما بدت الفكرة صعبة التطبيق في ظل تزايد اعتماد العالم على خدمات الـ«ويب»، فتُوجد بالفعل أمثلة سابقة ناجحة، مثل تطبيق «ويشين» Weixin الذي أطلقته شركة «تينسنت» الصينية في عام 2011 كتطبيق بسيط للتراسل، ويعرف على الصعيد العالمي باسم «وي شات».
وتوسعت أغراض «وي شات» من التراسل إلى مجالات أخرى، فيتيح طلب سيارات أجرة وحجز تذاكر الطيران ومواعيد الأطباء والتسوق لمواد البقالة، ودفع فواتير الخدمات والمرافق، وتحويل الأموال، ويصل عدد مستخدميه إلى 600 مليون مستخدم نشط شهرياً.
كما يسمح «وي شات» للمطورين الخارجيين بتقديم تطبيقات تعمل فقط ضمن التطبيق، وبالتالي نشأت شركات جديدة تماماً تعتمد في عملها على الوجود ضمن «وي شات». وفي سبتمبر الماضي نال تطبيق «لاي» Laiye لخدمات المساعد الشخصي في «وي شات» أربعة ملايين دولار كتمويل أساسي، بعد مضي شهرين فقط على انطلاقه، كما جذب تطبيق «كول أتشيكن» Call a Chicken لتوصيل الأطعمة تمويلاً بقيمة 1.6 مليون دولار.
ومع ذلك، قال ماركوس، إن نماذج العمل الآسيوية قد لا تلائم بالضرورة تطبيق «ماسنجر» الذي يستهدف أصلاً السوق في العالم الغربي. وأوضح أن لدى أميركا الشمالية وأوروبا بالفعل خدمات ناجحة تُماثل التطبيقات التي تتوافر ضمن «وي شات»، وأضاف: «حين انطلق في الصين لم يكن لديك وسيلة لطلب سيارات الأجرة باستثناء التكامل مع (وي شات)، وهنا لدينا (هايلو) و(أوبر)، ومُختلف أنواع التطبيقات».
وتشير مخططات «ماسنجر» إلى انتفاء الحاجة إلى تطوير أو استخدام تطبيقات جديدة، بل يمكن التخلص من التطبيقات تماماً. وبدلاً منها يمكن التحدث إلى الشركات عبر خدمة الدردشة، وقال ماركوس: «تسلسل الحديث أفضل كثيراً من تطبيق». وسيحتفظ «ماسنجر» بهوية الأطراف، وتاريخ المحادثة وسياقها السابق لتستأنف على نحو منطقي بعد آخر رسالة.
وتُعد محاولة إزاحة التطبيقات والتفوق عليها طموحاً بالغ الجرأة بالنظر إلى الازدهار الحالي لاقتصاد التطبيقات، أو على الأقل ما يبدو من نجاحها. وفي الوقت الراهن يتوافر 2.6 مليون تطبيق في «آب ستور» لتطبيقات «آي أو إس» و«غوغل بلاي» لتطبيقات نظام «أندرويد»، وشهد العام الماضي 140 مليار تنزيل، ويتوقع أن يراوح حجم سوق تطبيقات المحمول في عام 2017 بين 77 و150 مليار دولار.
لكن يبدو وراء هذه الأرقام ما يشير إلى وضعٍ مختلف، وذكر تقرير أصدرته شركة «غارتنر» للأبحاث في مارس الماضي، أن استخدام التطبيقات سيبلغ مرحلة من الاستقرار، في ظل شعور الكثير من مستخدمي الهواتف الذكية بالإرهاق، ورغبتهم في التوقف عن زيادة مستويات استخدامهم للتطبيقات.
وقال مُدير الأبحاث في «غارتنر»، بريان بلاو: «بعد ثمانية أعوام من البحث عن تطبيقات الهواتف الذكية وتنزيلها واستخدامها، نضجت سلوكيات الاستخدام لدى المستهلكين»، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني أن مستخدمي الهواتف الذكية فقدوا اهتمامهم بالتطبيقات، بل يلفت إلى حاجتهم إلى الاقتناع بفائدة التطبيق.
ويتفق ماركوس مع هذا الرأي، ويعتقد أن التطبيقات تجدي نفعاً فقط حين تُستخدم بانتظام، وتساءل عما يدفع المستخدم إلى تكديس هاتفه بتطبيقات لشركات يشتري منها مرة أو مرتين على الأكثر في كل عام، في حين يمكنه التواصل معها عبر تطبيق «ماسنجر». وبالفعل اختبر تطبيق «ماسنجر» خدمة الدردشة مع عدد من متاجر التجزئة الأميركية، منها موقع «إيفرلين» Everlane على الإنترنت والمُتخصص في الملابس، ويُخطط لتوفيرها لعدد من متاجر التجزئة وشركات الطيران، وإتاحتها في المملكة المتحدة في الربع الأول من عام 2016. كما يجري اختبار تطبيق «ماسنجر» مع شركة «كيه إل إم» الهولندية للطيران، فبمجرد حجز التذكرة تصل بيانات التأكيد عبر «ماسنجر»، ما يتيح للمسافر طلب تغيير الموعد أو الإلغاء، كما يتلقى تنبيهات مباشرة لتأكيد وصوله إلى المطار أو الصعود على متن الطائرة.