أنجزت 47 صفقة استحواذ بقيمة 87.8 مليار درهم منذ عام 2014
صفقات «علي بابا» تثير مخاوف المستثمرين من «امبراطورية» يصعب التحكم فيها
«علي بابا» اشترت شركات متنوعة منها نادٍ لكرة القدم وسلسلة متاجر إلكترونيات واستديو لإنتاج الأفلام السينمائية. إي.بي.إيه
حققت شركة «علي بابا» الصينية للتجارة الإلكترونية مبيعات قياسية خلال «يوم العزاب» في وقتٍ سابق من نوفمبر الجاري، بلغت 14.3 مليار دولار. وطالما أرجع مؤسس «علي بابا» ورئيسها، جاك ما، نجاح الشركة إلى «النساء الصينيات المُسرفات» اللاتي يُحببن الشراء عبر الإنترنت.
لكن الواقع أن شراهة الشراء تشمل أيضاً «علي بابا» نفسها التي أنفقت مليارات الدولارات في استثمارات وصفقات استحواذ متنوعة، الأمر الذي أثار شكوك ومخاوف بعض المستثمرين، بحسب ما كتبت لي يوان في صحيفة «وول ستريت غورنال» الأميركية.
وتتركز تلك الشكوك والمخاوف مما اعتبره مستثمرون استراتيجية «علي بابا» الحالية لبناء امبراطورية واسعة ومُعقدة يصعب التحكم فيها، وهو نموذج لم يعد مفضلاً لدى أسواق المال.
استثمارات وصفقات
وعلى مدار العامين الماضيين، اشترت «علي بابا» شركات متنوعة، منها نادٍ لكرة القدم، وسلسلة متاجر إلكترونيات، واستديو لإنتاج الأفلام السينمائية.
ولم تكن تلك صفقات رخيصة؛ إذ إنه وفقاً لبيانات شركة «ديلوجيك» Dealogic لبرمجيات الخدمات المالية، فقد أنجزت «علي بابا» 47 صفقة استحواذ بقيمة 23.9 مليار دولار (نحو 87.8 مليار درهم) منذ عام 2014، وهو مبلغ يقارب 25 مليار دولار، جمعتها الشركة عند طرح أسهمها في سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة في سبتمبر من العام نفسه، وهو ما يُعتبر الطرح العام الأولي الأكبر في التاريخ.
ويتخوف بعض المستثمرين مما يرونه سعي «جاك ما» إلى بناء امبراطورية واسعة ومُعقدة، الأمر الذي يُصعّب التحكم فيها، أي اتباع نمط تكتل الشركات التي تعمل في مختلف المجالات، وهو نوع لم تعد تُفضله أسواق الأوراق المالية منذ فترة طويلة.
وتتجلى هذه الشكوك عند متابعة سعر سهم «علي بابا»، فعلى الرغم من تحسنه خلال الأسابيع الأخيرة، فإنه انخفض بنحو الثلث مُقارنةً مع سعره عند طرحه للمرة الأولى قبل ما يزيد على العام. ويرجع ذلك إلى مخاوف المستثمرين مما ستقود إليه الاستراتيجية الحالية لشركة «علي بابا»، إضافة إلى مخاوف أوسع من التباطؤ الاقتصادي العام في الصين.
صفقات ناجحة
وقد يسهل وصم استراتيجية «علي بابا» بالافتقار إلى الوضوح والمنطقية، لكن الواقع أن هذه الاتهامات قد تكون أمراً سابقاً لأوانه، إذ حققت ثلاث من أكبر الصفقات التي عقدتها «علي بابا» خلال العام الجاري هدفين رئيسين للشركة؛ فمن ناحية صدت مُنافسيها، ومن ناحية أخرى أضافت إلى سجلها الكثير في مجالات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية والهواتف المحمولة.
وفي فبراير 2014، استثمرت «علي بابا» 590 مليون دولار في شركة «ميزو تكنولوجي» Meizu Technology التي تُعد واحدةً من أكبر العلامات التجارية المُنتجة للأجهزة في الصين، ومنح هذا الاتفاق لشركة «علي بابا» موطئ قدم جديداً في قطاع الهواتف المحمولة، ووفر لها إمكانية مُواكبة شركة «شياومي» الصينية للهواتف الذكية التي تمتلك هي الأخرى نشاطاً ناجحاً في التجارة الإلكترونية.
وجاءت صفقة أخرى في أغسطس 2014 حين استثمرت «علي بابا» 4.5 مليارات دولار في حصة تقترب من 20% في شركة «سونينغ كوميرس غروب» Suning Commerce Group التي تمتلك مئات متاجر التجزئة لبيع الإلكترونيات في الصين، وتُعد واحدة من أكبر مُنافسي «علي بابا». وبموجب التحالف الجديد، انضمت شبكة «سونينغ» اللوجيستية إلى قسم الخدمات اللوجيستية التابع لشركة «علي بابا»، ما حسن موقفها في منافسة «جيه دي دوت كوم» للتجارة الإلكترونية التي تمتلك قسماً مُماثلاً.
أما في أكتوبر 2014، فقد تقدمت «علي بابا» لشراء نحو أربعة أخماس موقع «يوكو تودو» Youku Tudou لعرض مقاطع الفيديو، وقدرت قيمته بمبلغ 4.6 مليارات دولار، لكنها لم تمتلكه بعد. ويُمثل مستخدمو الموقع، الذين يتجاوز عددهم 500 مليون مستخدم شهرياً، قاعدة محتملة لمشترين في منصات «علي بابا» للتجارة الإلكترونية، كما يُمنحها مكانة تُضاهي شركة «تينسنت» صاحبة الحضور اللافت في مجال الفيديو على الإنترنت.
بيانات ضخمة
لكن الفائدة الحقيقية والأكبر من وراء هذه الصفقات تتجاوز التقدم في المنافسة، وتكمن في ثروة هائلة من البيانات الضخمة؛ إذ تُتيح هذه الاتفاقات لشركة «علي بابا» تكوين صورة شاملة عن المستخدم الذي يشتري من متجرها «تاوباو» للشركات الصغيرة، ويدفع من خلال منصة «علي باي» للدفع الإلكتروني التابعة لها، ويُشاهد مقاطع الفيديو في «توكو تودو»، كما قالت الأستاذة المساعدة في التسويق في «كلية الصين وأوروبا لإدارة الأعمال» في مدينة شنغهاي، لين تشين، ويُضاف إلى ذلك الاستفادة من منشورات خدمة «ويبو» للإعلام الاجتماعي التي تمتلك «علي بابا» حصةً فيها.
وأضافت تشين أن بمقدور «علي بابا» استثمار مثل هذه البيانات لتحديد ما إذا كانت سمات المستخدم تُؤهله للحصول على قروض أكثر من خلال شركة «آنت فايننشال سيرفيسز» للخدمات المالية والتابعة لها. وتابعت أن مثل هذا الوضع يُمكن أن يحدث في الصين وحدها، مُبررةً ذلك بأن اللوائح المنظمة للخصوصية على الإنترنت ليست شاملة أو مكتملة بعد.
ويُمكن لاستثمار «علي بابا» في موقع «توكو تودو» أن يمنحها باباً للزيارات عبر الأجهزة المحمولة، وهو ما ينقصها مُقارنةً مع شركة «تينسنت» التي تمتلك تطبيق «وي شات» للتراسل الفوري، الذي يحظى بعدد 650 مليون مستخدم نشط شهرياً.
صفقات دفاعية
ولا يقتصر نشاط الشراء على «علي بابا»، بل تشترك معها شركات صينية أخرى، منها «تينسنت» التي أنفقت خلال العامين الماضيين 16.9 مليار دولار في 67 صفقة، بحسب شركة «ديلوجيك».
ويرى هايتاو دونغ، الذي يُدير محفظة استثمارية في شركة «إيفر برايت» لإدارة الأصول في هونغ كونغ، أن الكثير من هذه الصفقات كانت دفاعية، واستهدفت استباق حصول المنافسين على شركات جيدة، مشيراً إلى أن صندوقه الاستثماري لا يمتلك حالياً حصصاً في «علي بابا».
وتعتقد «علي بابا» وغيرها بالفرص التي تُتيحها الاستثمارات في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والاتصالات والترفيه والخدمات المالية، نظراً لأن هذه القطاعات في الصين لم تُحقق بعد المستوى نفسه من الرسوخ والاستقرار، كما هي الحال في الولايات المتحدة.
ووصف رئيس شركة «بي دي إيه» للاستشارات في الصين، دنكان كلارك، عمليات استحواذ الشركات الصينية باتباعها عقلية الاستيلاء على الأرض في الوقت الراهن. وعمل كلارك سابقاً مستشاراً لشركة «علي بابا»، كما ألف عنها كتاباً من المنتظر صدوره خلال الربيع المُقبل.
ويُشكك العديد من المطلعين على قطاع الإنترنت في الصين في قدرة «علي بابا» على استيعاب الكثير من الشركات الجديدة والموظفين الجدد. وربما يدعم ذلك الأداء المُخيب للآمال لتطبيقي «ويبو» و«مومو» للمواعدة، كما لم تُحقق شركة «علي بابا بيكتشرز غروب» لإنتاج الأفلام، التي يجري تداول أسهمها في هونغ كونغ، أية أرباح.
وخلال مُقابلة حديثة أجراها «جاك ما» مع صحيفة في العاصمة الصينية بكين، عدّ متصفح الـ«ويب» للهاتف المحمول «يو سي ويب» UCWeb وخدمة «جاودي» Gaode للخرائط من أمثلة عمليات الاستحواذ الناجحة لشركة «علي بابا».
ونفى سعي «علي بابا» لتأسيس امبراطورية، قائلاً: «يتعين على الامبراطوريات السرقة والقهر، عليها الهجوم مُسبقاً والقتال بصلابة»، وتساءل عن عدد الامبراطوريات التي نالت نهايات جيدة.