لزيادة عدد الملمّين باستخدام الحواسيب ومعرفة كيفية عمل الأجهزة والتطبيقات

«روبوتات» وألعاب لتدريس البرمجة في مرحلة رياض الأطفال

صورة

طالما كانت الحواسيب مجالاً للشباب، وبدأ مؤسسو شركات «أبل» و«غوغل» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت» أعمالهم خلال المراهقة أو فترة العشرينات من أعمارهم، لتحقق لهم لاحقاً نجاحاً كبيراً وثروات طائلة، لكن حتى بالقياس إلى هؤلاء، يبدو مستخدمو لغة «كيبو» للبرمجة أصغر كثيراً.

وصممت «كيبو» KIBO للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الرابعة والسابعة، وعوضاً عن ترتيب مجموعة من الثوابت والمتغيرات والعمليات في نسق منطقي، يرتب الأطفال مكعبات خشبية عليها ملصقات تعرض رموزاً، وتدفع الرموز «روبوت» مصنوعاً من البلاستيك للحركة.

فمثلاً يعني السهم المستقيم الحركة خطوة واحدة إلى الأمام، فيما يشير السهم المنحني إلى الحركة في الاتجاه الذي يشير إليه السهم، أما السهمان اللذان تتقابل أطرافهما فيعنيان تنفيذ الحركة السابقة مجدداً، وهو أمر مهم في تعريف المبتدئين بمفهوم التكرار.

وتوفر «كيبو» مجموعة من الوظائف الفرعية لمهام أكثر تعقيداً، مثل إصدار ضوء والانتظار حتى سماع التصفيق قبل البدء بالحركة. وعلى غرار التعليمات البرمجية التي يؤلفها المطورون الأكبر سناً، وتتضمن تعليمات للبدء والانتهاء، يحمل أحد المكعبات نقطة خضراء كبيرة، تشير إلى «البدء»، بينما تعني النقطة الحمراء الكبيرة على مكعب آخر «النهاية».

ومن أجل تنفيذ برنامج بواسطة «كيبو»، يحتاج الطفل إلى رفع الـ«روبوت» وتمريره على صف المكعبات، ليتسنى لـ«الروبوت» مسح الملصقات والرموز الشريطية «باركود»، ليبدأ بعدها بتنفيذ الحركات المختارة. وفي حين يمثل «كيبو» لعبة مسلية، يهدف في الوقت نفسه إلى زيادة عدد الأشخاص الملمين باستخدام الحواسيب.

وعلى الرغم من اعتبار الكثير من الأشخاص أنفسهم حالياً من أبناء العصر الرقمي وجيل الإنترنت، إلا أن الواقع يشير إلى أن الأغلبية منهم تجيد تشغيل الأجهزة والتطبيقات دون أن تعرف الكثير عن كيفية عملها.

ويرغب العديد من الآباء والمعلمين في تغيير ذلك من خلال تشجيع الأطفال على تعلم البرمجة في الوقت نفسه الذي يتعلمون فيه القراءة والكتابة ومبادئ الحساب كالجمع والطرح، كما اتجهت بعض الحكومات في دول مثل بريطانيا وإستونيا وفنلندا لجعل البرمجة جزءاً من المناهج الدراسية.

ويعد «كيبو»، الذي شاركت في تطويره، المتخصصة في علم النفس في جامعة «تافتس» الأميركية، الدكتورة ماريانا يوماسشي بيرز، نتيجة منطقية لهذه الأفكار، ويهدف إلى غرس ثقافة الحاسوب في الأطفال خلال مرحلة رياض الأطفال. وتشغل بيرز منصب الرئيس العلمي التنفيذي في شركة «كيندر لاب روبوتيكس» المسؤولة عن «كيبو».

ولا تستخدم الألعاب الأخرى الرامية إلى تعليم الأطفال الصغار المهارات الأساسية للبرمجة مكعبات خشبية، لكن تعتمد على تعليمات برمجية تظهر كأيقونات متنوعة الأشكال على شاشات الحواسيب اللوحية والهواتف الذكية والحواسيب الشخصية، وبدلاً من تمرير الـ«روبوتات» عليها تنقل التعليمات البرمجية لا سلكياً إلى الـ«روبوتات».

وتتوافر هذه الـ«روبوتات» بأحجام وأشكال متنوعة، ومنها «فورتكس» Vortex، و«داش» Dash، إضافة إلى «هاكبول» Hackaball، وهي كرة صنعت من المطاط والسيليكون بقطر 10 سنتيمترات، واشتركت في تطويرها شركتا «ميد باي ميني» و«ماب» في لندن.

وتشمل محتويات «هاكبول» مصابيح مختلفة الألوان، وأداة لاستشعار الحركة، ومكبر صوت، وسماعة، وتوجد جميعها داخل غلاف مرن من السيليكون لامتصاص الصدمات، ما يؤمن إلقاءها على الحوائط والأرضيات دون إتلاف محتوياتها. وتمثل الكرة صفحة خالية يمكن للمطور استخدامها في ما يحب.

وخلال الاختبارات فضلت مجموعة من الأطفال استخدامها في لعبة «تروث أور دير»، ما يعني «الحقيقة أو الجرأة» بناء على اللون الذي يظهر عند رميها والتقاطها. وابتكرت مجموعة أخرى لعبة تعتمد على خروج اللاعب الذي يتسبب في أقل حركة للكرة، ما يدفعها لإصدار اهتزازات. واستخدم طفل آخر «هاكبول» في أمر أكثر واقعية، كمنبه يصدر ضوءاً وصوتاً.

وتعتمد ألعاب مثل «فورتكس» و«داش» و«هاكبول» على مجموعة متننوعة من لغات البرمجة التي تتولى تشفير التعليمات التي تتحكم فيها، ومنها «سكراتش» Scratch، و«بلوكي» Blockly، و«هوبسكوتش» Hopscotch، و«وي دو» WeDo.

ويعود البعض منها إلى شركات خاصة، مثل «وي دو» التابعة لشركة «ليغو»، بينما يتوافر بعضها للعموم، وتتفق جميعها على تجنب المحددات الصعبة والغامضة للجمل، مثل الأقواس والفصلات المنقوطة التي تزخر بها التعليمات البرمجية في لغات البرمجة التقليدية.

وتُعد لغة «سكراتش» الأقدم من بينها، وطورها ميتشل ريسنيك من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» في عام 2005، وخضعت للتعديل خلال العامين الماضيين، وصدرت نسخة مبسطة منها باسم «سكراتش جيه آر»، التي مثلت معبراً مهماً أمام الأطفال لتعلم البرمجة والانتقال من التحكم في الألعاب في العالم المادي إلى التحكم في فضاء إلكتروني افتراضي.

ويمكن استخدام «سكراتش» للتحكم في حركة الـ«روبوتات»، إضافة إلى الألعاب والرسوم المتحركة والتلاعب بالأجزاء المكونة للصور على الشاشة بدلاً عن تحريك أجسام على الأرض.

ويمكن لمستخدمي «سكراتش» الصغار تصميم شخصية رمزية باسم «سبرايت» على شكل قطة مبتسمة، وتحريكها ضمن مغامرات من نسج خيالهم.

كما يمكن الاختيار بين مجموعة من القوائم والمربعات الملونة تمثل وظائف فرعية مختلفة، ومن ثم تسحب على الشاشة اللمسية أو بواسطة الفأرة في الحواسيب المكتبية، لتجمع حسب الترتيب الذي يريده المستخدم الصغير. وتتضمن الوظائف الفرعية ما يتحكم في الحركة ومكانها وكيفيتها، وما يختص بالصوت، وأخرى بالشكل واللون، وتسيطر وظائف التحكم على جوانب، مثل التكرار لإعادة حركة معينة، فضلاً عن أخرى تتعلق بأوامر البداية والنهاية.

ووفرت «سكراتش جيه آر» مجموعة محددة من الوظائف الفرعية، واقتصرت على استخدام الأعداد الصحيحة الموجبة، نظراً لمواجهة الأطفال الصغار مشكلة في استيعاب مفهوم الأعداد السالبة.

وأثبت المنتج الجديد شعبية واسعة، وخلال 12 شهراً من إطلاقها، جرى تحميل مليون نسخة من «سكراتش جيه آر». وبالمثل تتيح لغة البرمجة «هوبسكوتش» وظائف فرعية محددة، وفي المقابل يمكن للمستخدمين المتقدمين تعديل التعليمات البرمجية في «بلوكي»، وهي لغة مفتوحة المصدر تماماً، وتحقق كلتاهما نتائج جيدة.

وتبدو كل هذه الخيارات مشجعة، لاسيما للمدافعين عن تعليم الأطفال الحاسوب في سن مبكرة، لكن يحتاج الأمر إلى الانتظار بعض الوقت قبل تحديد مدى فائدتها، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها التبشير بحوسبة ملائمة للأطفال.

وفي عام 1967، ابتكر الباحث في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، سيمور بابيرت، الذي درس لاحقاً لكل من يوماسشي وريسنيك، لغة برمجة باسم «لوغو» Logo، أتاحت التحكم في «روبوت» بشكل سلحفاة. وازدهرت «لوغو» بعض الوقت قبل أن تنزوي بعيداً عن المشهد.

ومن المحتمل أن فكرة «لوغو» سبقت عصرها إلى حد كبير، فخلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كانت الحواسيب أجهزة غريبة نادراً ما يتفاعل معها الأشخاص العاديون في أنشطة الحياة اليومية. وفي الوقت الراهن يكمن الخطر على مثل هذه المبادرات في جانب مناقض تماماً، إذ صارت الحواسيب أمراً مألوفاً، كما بات من الممكن الاعتماد عليها، وتبدو فكرة تعلم البرمجة لكثيرين غريبة كالقيام بمهمة ثلاجة الطعام أو غسالة الملابس.

تويتر