متخصصون يدعون إلى التدرب عليها مبكراً لارتباطها بمهارات أكثر أهمية كحل المشكلات والتحليل والإبداع
تعليم البرمجة يفتح أبواب المستقبل أمام الأطفال
تتضمن مناهج تعليم الأطفال الكتابة دون أن يعني ذلك بالضرورة أن يعمل جميعهم كتّاباً أو روائيين، كما تشمل الجبر دون أن يلزمهم ذلك بالعمل في مجال الرياضيات، وحالياً ينظر كثيرون إلى البرمجة بالطريقة ذاتها باعتبارها مهارة أساسية ينبغي للأطفال التدرب عليها في سن مبكرة لارتباطها بمهارات أكثر أهمية كالإبداع وحل المشكلات وتحليل النظم المعقدة.
وينادي متخصصون في التعليم في دول عدة، منها الولايات المتحدة الأميركية، بأهمية تدريس البرمجة للأطفال في المراحل الأولى من حياتهم كمهارة تؤهلهم للعمل في القرن الحادي والعشرين، وكجزء مما يُطلقون عليه «محو الأمية الإجرائية» Procedural Literacy.
وقال الأستاذ في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، ميتشيل ريسنيك: «عندما تتعلم البرمجة تبدأ التفكير في العمليات في العالم». ويُشارك ريسنيك في تطوير لغة «سكراتش» للبرمجة المناسبة للأطفال، التي يصل عدد مستخدميها إلى 6.2 ملايين طفل تبدأ أعمارهم من الخامسة.
ويرى ريسنيك أن البرمجة تُلائم الأطفال، سواء تعلق الأمر بفهمهم لكيفية عمل النظم المعقدة مثل الاقتصاد، أو سُبل معالجة مشكلة ما بطريقة تدريجية، كما لا تُمثل فقط سبيلاً لتدريب الأطفال على حل المشكلات، وإنما أيضاً وسيلة للتعبير عن أنفسهم، بحسب ما تضمن مقال كتبه كريستوفر ميمز في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
وقال المؤسس المشارك في مؤسسة «كود دوت أورغ» Code.org غير الهادفة للربح والمعنية بتدريس البرمجة، هادي بارتوفي، إن «الجانب المثير للاهتمام في علم الحاسوب يكمن في حاجته لمهارات التحليل وحل المشكلات والإبداع، كما يمثل أيضاً أمراً تأسيسياً ومهنياً». وأضاف: «لست على ثقة من وجود مجال آخر يجمع ذلك كله».
وتدعم نداءات المربين والمختصين بإتاحة تعليم البرمجة لجميع الأطفال بيانات «مكتب إحصاءات العمل» الأميركي، الذي توقع توافر مليون وظيفة شاغرة للمبرمجين في الولايات المتحدة بحلول عام 2020.
ويرى بارتوفي أن هذا التقدير قد يكون أقل من الواقع، مشيراً إلى أنه مع زيادة البرمجيات والعتاد الجديد، تتوافر المزيد من الوظائف في قطاع البرمجيات، نظراً لأن المنصات الجديدة مثل الهواتف الذكية والطائرات بدون طيار تُنشئ نظمها البرمجية الخاصة.
ولفت ميمز إلى إمكانية الذهاب إلى مدى أبعد، والقول إن الإقرار بتأثير الآلات في مختلف الوظائف في المستقبل، يعني الاعتراف بالبرمجة جزءاً من «الفنون المتحررة» Liberal Arts، ومهارة محورية ينبغي لكل طفل الحصول عليها. وتُعرف الفنون المتحررة باعتبارها المعارف الرئيسة اللازمة للمشاركة في الحياة المدنية، وتتضمن اللغة والمنطق، وما عُرف لاحقاً بعلمَي الفلك والرياضيات.
وأوضح بارتوفي أن المعلمين الذين يتلقون تدريباً مهنياً لدمج البرمجة في دروسهم لا يقتصرون على معلمي الرياضيات والتقنية، بل يأتي معلمو اللغة الانجليزية من بينهم. واعتبر ريسنيك أن البرمجة في إحدى صورها مجرد شكل آخر للكتابة، لكنها ترمي لإبداع قصص تفاعلية وديناميكية.
وعلى الرغم من الحماسة لتدريس البرمجة، تبدو المدارس الحكومية في الولايات المتحدة بطيئة بعض الشيء في اللحاق بالركب، ولا توفر أغلبيتها دروساً للبرمجة، وهو ما اعتبره بارتوفي العقبة الأكبر أمام التقدم في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، تتوافر أمام الأمهات والآباء الراغبين في تعليم أطفالهم البرمجة في المنزل خيارات مختلفة. وبدأ مُؤلف كتاب «علم أطفالك البرمجة»، بريسون باين، تدريس ولديه حين كان أحدهما في الثانية من العمر، والآخر في الرابعة. ويُقارن باين منهجه بطريقة المربي والعازف الياباني شينيشي سوزوكي Suzuki في تعليم العزف على الآلات الموسيقية، مثل الكمان، التي يتعلم فيها الآباء جنباً إلى جنب مع أطفالهم.
كما تلعب الحواسيب اللوحية دوراً أساسياً في تعلم الأطفال البرمجة حتى قبل تعلمهم القراءة، باعتبارها منصة طبيعية لا تتطلب إجادة الأطفال التعامل مع الفأرة ولوحة المفاتيح. وقالت رئيسة مجموعة «كود إن ذا سكولز» Code in the Schools غير الهادفة للربح، غريتشن لوغراند، أن الأطفال يستوعبون بسهولة دروس برمجة الألعاب، مثل «لايت بوت»، وتركز المؤسسة عملها على الفتيات والأقليات.
وأشار ميمز إلى اتفاق الآراء بشأن الطريقة الأفضل لتدريس الأطفال الصغار من خلال تشجيعهم على تطوير الألعاب، أو تقديم تدريبات التعلم كشكل من اللعب. وتُدرس لوغراند الأطفال مبادئ البرمجة الثنائية بالاعتماد على مجموعة من بطاقات اللعب المعدلة، ويتبادل الأطفال من مستخدمي لغة «سكراتش» الرسوم المتحركة والقصص والتعليمات البرمجية ضمن محيط واسع للعب الخيالي على الإنترنت، كما تُمثل الألعاب القائمة على كتب الأطفال الشعبية عنصراً أساسياً.
وقال بارتوفي إن برنامج «كود استديو» Codestudio التعليمي على الإنترنت الذي تُتيحه «كود دوت أورغ» يستخدمه بالفعل تلميذ واحد من بين كل 10 تلاميذ للمدارس الابتدائية في الولايات المتحدة، ومنهم 43% من الإناث و47% من الأفارقة الأميركيين و«الهيسبانيك» الذين تمتد جذورهم إلى إسبانيا أو أميركا اللاتينية. وأضاف بارتوفي أنه في حال أقبل 1% فقط من طلاب المدارس المتوسطة على التخصص في دراسة علوم الحاسوب، فسيتجاوز عددهم ثلاثة أضعاف النساء المتخصصات في هذا المجال.
ويُقدم الطفل الأميركي دونوفان روميرو-براثويت، الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، نموذجاً على تعلم الأطفال للبرمجة في سن مبكرة، وربما كان من العوامل المساعدة عمل والديه في مجال تصميم ألعاب الفيديو. وطور دونوفان لعبة «غن مان تاكو ترك» Gunman Taco Truck التي تتطلب من اللاعب التحرك سريعاً في عربة لبيع «التاكو» في مختلف أرجاء الولايات المتحدة، مع محاربة الحيوانات التي تتحور بتأثير تداعيات حرب نووية، وفي الوقت نفسه تحويلها إلى حشوة لذيذة لشطائر «التاكو»، والاستمرار في الرحلة إلى مدينة وينيبيغ الكندية.
ودرس دونوفان البرمجة على يد والده في المنزل، ونالت لعبته تصريحاً من ناشر للألعاب على أنظمة «ماك» و«آي أو إس» و«أندرويد»، وربما تجد سبيلها إلى منصات الألعاب، كما ينشغل حالياً بدراسة التصميم والتجزئة لإنتاج قمصان تحمل شعارات اللعبة.