الـ «بيزنس كاردز» تنقل رسائل قوية.. وتؤسس لتعارف قد يُؤدي إلى مشروعات جديدة وعلاقات أقوى

«بطاقات الأعمال» تواصل ازدهارها في العصر الرقمي

على الرغم من أن عادة تقديم مستطيلات ورقية إلى آخرين تبدو عتيقة الطراز في العصر الرقمي إلا أنها في سبيلها للاستمرار. أرشيفية

تتفاوت «بطاقات الأعمال»، أو ما يعرف بـ«بيزنس كاردز»، كثيراً من ناحية الشكل والتصميم والمحتويات والجاذبية، كما تختلف طريقة تبادلها بين تمريرها بشكلٍ عادي، وصولاً إلى طريقة أكثر عنايةً بالتفاصيل في اليابان، لكنها عموماً تحتفظ بمكانتها في عالم الأعمال، بداية للتعارف الذي قد يُؤدي إلى مشروعات جديدة وعلاقة أقوى.

وقد يبدو استمرار «بطاقات الأعمال» غريباً، بالنظر إلى العصر الحالي الذي يتخلى فيه عديدون عن الأوراق لمصلحة الوسائط الإلكترونية، لاسيما الهواتف الذكية، إذ يُمكن الاعتماد على تطبيق بسيط لتبادل نسخ إلكترونية مع الآخرين بسهولة، ومن دون الحاجة إلى تقديم مستطيل صغير من الورق السميك يحمل بيانات شخصية.

وفي الواقع، فإن ما جرى كان العكس تماماً، وواصلت «بطاقات الأعمال» حضورها، بل وازدادت أهمية تميز البطاقة وسط اتساع نطاق الاجتماعات والارتباطات. وأخفقت إلى حد كبير المحاولات الرامية لإعادة تقديم «بطاقات الأعمال» في العصر الرقمي، حتى في أوساط شركات التكنولوجيا في «وادي السيليكون» يبدأ كثيرون تعارفهم بتبادل بطاقات ورقية بدلاً من تمرير الهواتف الذكية.

 

تاريخ وتصاميم

وُجدت بطاقات الأعمال بشكلٍ أو بآخر منذ فترة طويلة، وابتكر الصينيون بطاقات الدعوة في القرن الـ15 لتقديم إشعار بالرغبة في الزيارة، وقدم التجار الأوروبيون في القرن الـ17 بطاقات التجارة التي كانت بمثابة إعلانات مُصغرة عن أنشطتهم.

وتنقل «بطاقات الأعمال» رسائل قوية، إذ يرى أحد المديرين من ذوي الخبرة ألا شيء يُمكنه إثارة الكثير من النقاش في اجتماعات مجالس الإدارات أكثر من تصميم بطاقة الأعمال الخاصة بالشركة، ولذلك سعت الكثير من الشركات للاستفادة من بطاقاتها في لفت الانتباه لعملها.

وعلى سبيل المثال، يُقدم موظفو شركة «ليغو» أشكالاً بلاستيكية مُصغرة نُقشت عليها بيانات الاتصال الخاصة بهم، وتتخذ بطاقات الأعمال في مطاعم «ماكدونالدز» شكل حصة من البطاطس المقلية، وقدم متجر «بون فيفانت» البرازيلي للجبن بطاقة أعمال تُستخدم أيضاً مبشرة للجبن.وفي إحدى المرات قدم محامٍ كندي، متخصص في قضايا الطلاق، بطاقته بطريقة يُمكن قطعها إلى نصفين لتقديم نصف لكل من الزوجين المتنازعين. وتزخر بطاقة مؤسس شركة «جيانجسو» للموارد المتجددة، المليونير الصيني جوانج بياو شن، بألقاب عدة منها: «بطل الصين في الإنقاذ من الزلازل»، و«أبرز رجال الإحسان في الصين»، وأهم خبرائها في الحفاظ على البيئة، فضلاً عن لقب «الرجل الأكثر تأثيراً في الصين».

 

تواصل ومشاعر

يُذكّر ازدهار بطاقات الأعمال في العصر الرقمي، بوجود الكثير من الأمور الثابتة في عالم الأعمال التي لا تتأثر كثيراً بتغير الزمن والاهتمامات، ومنها مثلاً كيفية الإجابة عن السؤال الدائم والضروري عند الالتقاء بشخصٍ جديد، والخاص بمدى إمكانية الوثوق به؛ فبينما تتزايد قدرة أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات على القيام بالكثير من مهام البشر، وأحياناً على نحوٍ أسرع وأكثر كفاءة، فإنها تبقى عاجزة عن النظر إلى عيون الأشخاص وتحديد طبيعتهم، وتحويل التعارف الأولي إلى علاقات دائمة.

وفي الواقع يتصل جانب كبير من العمل ببناء الروابط الاجتماعية، والاشتراك مع المنافسين والحلفاء في أمور مثل تناول الطعام ولعب الرياضة، وكلما تنامى الاعتماد على التقنيات الجديدة لإنجاز الأمور المادية والقابلة للقياس، تعين على البشر التركيز أكثر على التواصل المباشر والأمور المتصلة بالمشاعر.

وتتزايد أهمية هذه الجوانب بالنظر إلى ترابط أجزاء العالم، وأهمية بناء التصورات والأفكار عن الأشخاص والموضوعات، ويُواجه المديرون حاجة مستمرة إلى تأسيس علاقات مع أشخاص ينتمون إلى ثقافات متعددة، وأحياناً ما يُمضي مديرو المؤسسات العالمية ثلاثة أسابيع من كل أربعة في السفر، كما يتوجب عليهم استغلال الاجتماعات المباشرة لتعزيز الروابط التي أسسوها أولاً عبر الهاتف أو الإنترنت.

ويُضاعف ذلك كله من فوائد «بطاقات الأعمال»، لاسيما في قارة آسيا التي تُمثل فيها نوعاً من الولع، ويتفق الصينيون مع اليابانيين في معاملتها كأشياء شبه مقدسة. ويُقدم بعض رجال الأعمال في آسيا بطاقات أعمال مصنوعة من الذهب عيار 24 قيراطاً، كما يحمل أحياناً الأطفال في دور الحضانة بطاقات لا تتضمن فقط تفاصيل الاتصال بهم، ولكن تشمل وظائف آبائهم وربما أجدادهم أيضاً. وتُمثل «بطاقات الأعمال» أدوات مادية للتذكير بالالتقاء الفعلي بالأشخاص، وليس مجرد الإطلاع على ملفاتهم الشخصية في الشبكات الاجتماعية والبحث عنهم عبر «غوغل». ويُساعد البحث السريع عبر «بطاقات الأعمال» في استعادة ذكريات المقابلات على نحوٍ لا توفره أبداً النظر إلى القوائم الإلكترونية للأسماء، وهي ذكريات قد تدفع إلى الابتسام أو العكس.

 

تسلسل هرمي

وأحياناً ما يرمي البعض إلى توصيل رسائل ضمنية من خلال «بطاقات الأعمال». ويستخدم رئيس القسم الدولي في متاجر التجزئة الأميركية «وول مارت»، ديفيد تشيسرايت، بطاقات صغيرة مصنوعة من الورق المُعاد تدويره، وتحمل اسم «ديف» ربما في محاولة لإظهار أن «وول مارت»، على الأقل من ناحية الروح، يُشبه متجراً صغيراً مألوفاً.

وتُثبت «بطاقات الأعمال» استمرار مبدأ آخر في عالم الأعمال يتعلق بأهمية التسلسل الهرمي. ويدعو مستشارو الإدارة مثل غاري هامل، من «كلية لندن للأعمال»، إلى الإدارة ذات المستوى الواحد، واتبعت شركات منها، «زابوس» لتجارة الأحذية عبر الإنترنت، نظام «هولاكراسي» Holacracy الذي يُوزع الإدارة، واتخاذ القرارات على فرق تنظم نفسها ذاتياً، عوضاً عن تركيز السلطة في أعلى سلم الإدارة.

ومع ذلك، تعرض «بطاقات الأعمال» اتجاهاً مغايراً يجعل من المسمى الوظيفي للشخص جزءاً أساسياً من تحديد هويته، وبذلك لا يكون تبادل البطاقات وسيلة لإطلاق محادثات مُثيرة للاهتمام وحسب، وإنما أيضاً وسيلة لتصنيف الأشخاص بشكلٍ صحيح وفق التسلسل الهرمي، ما يعفي من الإحراج الناتج عن سؤالهم عن لقبهم الرسمي.

وفي حين يُولع مجال الأعمال والشركات بالابتكار الثوري الذي يهدم القواعد القائمة ويُطلق سوقاً جديدة، ففي الواقع توجد أشياء كثيرة لا تحتاج إلى اختراع جديد أو تغيير جذري. ويبقى تناول العشاء مع شخص سبيلاً أفضل لمعرفته أكثر من محادثته عبر «سكايب»، ولايزال تبادل «بطاقات الأعمال» طريقة جيدة لبدء علاقات دائمة.

وعلى الرغم من أن عادة تقديم مستطيلات ورقية إلى آخرين تبدو عتيقة الطراز في العصر الرقمي، إلا أنها في سبيلها للاستمرار.

تويتر