وسط تزايد الإقبال على الهواتف الذكية الأغلى والأقل سعراً.. وتراجع المتوسطة

نجاح «أبل» و«شياومي» يعكس انعدام المساواة في الدخول

الأشهر الماضية شهدت تصاعداً في الطلب على الهواتف الذكية الراقية والأغلى سعراً مثل «آي فون». أرشيفية

ربما تشهد شركتا «أبل» الأميركية، و«شياومي» الصينية التي يُشار إليها كثيراً باسم «أبل الصينية»، بعضاً من أفضل أيامهما في ما يتعلق برواج المنتجات والأرباح، وهو وضع يختلف كثيراً عن مُعظم الشركات المُنافسة في صناعة الهواتف الذكية.

وبالنسبة لـ«شياومي»، فقد صارت في ديسمبر 2014 أغلى الشركات الناشئة في العالم، بقيمة 46 مليار دولار، أما «أبل» فقد حققت أرباحاً وُصفت بـ«التاريخية» خلال الربع الأخير من عام 2014، الذي شمل أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر.

وأرجع مُحللون النجاح الباهر لشركة «أبل» إلى عوامل مختلفة، تضمنت إقبال المستهلكين على الشاشات ذات الحجم الأكبر، كحال هاتف «آي فون 6 بلس»، وكفاءة الرئيس التنفيذي، تيم كوك، في إدارة الشركة؛ لكن ربما يكون هناك سبب أكبر يكمن وراء نجاح كل من «شياومي» و«أبل»، يعكس تنامي انعدام المساواة بين الدخول في العالم، حسبما تناول الكاتب كريستوفر ميمز في مقال نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

وشهدت الأشهر الماضية تصاعد الطلب على الهواتف الذكية الراقية والأغلى سعراً، مثل «آي فون»، وكذلك على الهواتف الأقل سعراً، مع تراجع سوق الهواتف الذكية ذات الأسعار المتوسطة، وفي الواقع، أضر هذا الاتجاه بمختلف الشركات، باستثناء «أبل» و«شياومي» وشركتين أخريين.

وكان واضحاً تراجع أسعار الهواتف الذكية العاملة بنظام تشغيل «أندرويد»، وهو أمر يخضع بطبيعة الحال للعرض والطلب، إلا أنه يرجع أيضاً إلى انخفاض أسعار مُكونات الهواتف الذكية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي أمكن لشركات مثل «شياومي» و«كولباد غروب» و«فيفو» وعدد كبير من الشركات الصينية غير المعروفة إطلاق علاماتها التجارية، وتسويق منتجاتها في العالم النامي، وتدفع جميعها بالأسعار إلى مستويات أقل، طالما كانت منتجاتها جيدة بدرجة تفي باحتياجات معظم الجمهور المستهدف.

وتُعد «شياومي» من أبرع اللاعبين في هذا المجال بمبيعاتها التي تقتصر على الإنترنت فقط، والنطاق الضيق لمنتجاتها الذي أتاح لها بيع الهواتف بأقل الأسعار، حسبما قال المُحلل في شركة «أيه آي بي ريسيرش»، نيك سبنسر؛ يُضاف إلى ذلك، تكوين الشركة مجتمعاً على الإنترنت من المُستخدمين المتحمسين، ما يُمثل أداة فاعلة للتسويق والدعاية.

ودفع نجاح «شياومي» مُنافسيها إلى اتخاذ خطوات متباينة، فمثلاً قررت شركة «سامسونغ» الكورية الجنوبية، التي تراجعت أرباحها المالية خلال الربع الأخير بنسبة 62% مُقارنة مع العام السابق، الاتجاه إلى بيع هواتف ذكية رخيصة على غرار «شياومي»؛ وفي المُقابل، قررت «هواوي» الصينية اتباع النهج المعاكس بالتركيز على الطرازات الراقية والأغلى سعراً من الهواتف الذكية.

لكن مجرد تزايد الإقبال على الهواتف الأغلى والأقل سعراً لا يُفسر ما حققته «أبل» خلال الربع الأخير، ومكاسبها التي بلغت 18 مليار دولار، وهو إنجاز مهم بالنظر إلى نجاحها في بيع عدد ضخم من الهواتف الذكية، وبسعر يفوق الأسعار السابقة لهواتف «آي فون»، ويُشبه هذا المسار السلع الفاخرة الكمالية أو سلع الرفاهية التي تُباع بأسعار مرتفعة، ومع ذلك تحظى بالإقبال.

وأسهم في نجاح «أبل» تمييزها لنفسها عن عددٍ كبير من الهواتف المتاحة بنظام «أندرويد»، من خلال محافظتها على عزلة تطبيقات نظام «آي أو إس» المتنوعة، التي أحياناً ما تُنفذ بشكل يفوق تطبيقات «أندرويد» من حيث الجودة، الأمر الذي يدفع المستهلكين إلى دفع سعر يبلغ في المتوسط ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما يتطلبه اقتناء هاتف «أندرويد» يُضاهي مُنتجها.

وتحظى «أبل» بشعبية واسعة في الصين، بحيث تُمثل العلامة التجارية الفاخرة التي تُقدم كهدايا مُتفوقة على أسماء مثل «لويس فيتون» و«شانيل» و«غوتشي»، حسبما كشف عنه استطلاع حديث أجرته مجلة «هورن ريبورت» المعنية بمتابعة السلع الفاخرة في الصين.

وشيئاً فشيئاً، يتزايد الشبه بين سوق الهواتف الذكية ومُختلف السلع الاستهلاكية الأخرى، وعموماً يُظهِر الاقتصاد الأميركي الثنائي أو القائم على طبقتين طريقة استجابة المنتجين والمصنعين، باختلاف مجالاتهم من العقارات إلى البقالة، لتراجع الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، وذلك باختيارهم الاتجاه إلى المنتجات مرتفعة الثمن المُخصصة لأعلى السوق، أو إلى المنتجات الأقل سعراً في مجال عملهم.

ويحدث الأمر نفسه في قطاع الهواتف المحمولة، مع الفارق ببيعها في مختلف أنحاء العالم، دون أن يكون هذا الانقسام نتيجة لما يجري في الولايات المتحدة.

وحتى الآن لا تبيع «شياومي» منتجاتها خارج قارة آسيا، لكن كما أدى نمو طبقة من الأثرياء على مستوى العالم إلى زيادة الطلب على الهواتف الأرقى التي تصنعها «أبل»، زاد تنامي الطبقة المتوسطة من الإقبال على هواتف تُنتجها «شياومي» ومثيلاتها.

يُشار في ذلك إلى الطبيعة النسبية لمصطلح «الطبقة الوسطى»، وبحسب تقديرات مجلة «فورين بوليسي» في عام 2012، يتطلب الانضمام إلى نسبة 1% الأغنى في العالم ربح 34 ألف دولار سنوياً، ومما يظهر بيع «شياومي» لهواتف مرتفعة السعر مُقارنة بمتوسط دخول السكان، هاتفها «ريدمي» أفضل منتجاتها من ناحية المبيعات، إذ بيع الهاتف بسعر 100 دولار في الهند، حيث يبلغ متوسط دخل مواطنيها 600 دولار سنوياً.

ويعني ذلك أن الهواتف الذكية الأقل سعراً تحظى بالقبول لدى أفقر المواطنين الأميركيين وأغنى مواطني البلدان النامية، مُقارنة بالوضع السابق في كل منهما، مع الأخذ في الحسبان ما يراه كثيرٌ من الاقتصاديين بارتباط مصائر الطرفين، وأسهم التعهيد الخارجي والاستعانة بمصادر خارجية لأداء وظائف داخل الولايات المتحدة، إلى جانب التحول الآلي لبعض الوظائف، إلى تقليل رواتب الطبقة الوسطى الأميركية، وإن أسهم في ارتفاعها في أماكن أخرى.

وهكذا، فإن تحول الهواتف الذكية إلى سلع أساسية، بسبب تزايد الإقبال عليها، وما تبعه من بروز اتجاهات في أسعارها، أوضح تمايز سُوقين مختلفتين لها؛ السوق الفاخرة وسواها، وكما هو متوقع، يعكس توزيع المكاسب بين هاتين السوقين توزيع الثروات بين مُلاك السلع في كلٍ منهما.

ويُقدر المُحلل هوراس ديديو حصول «أبل» على نحو 90% من جميع أرباح سوق المحمول خلال الربع الأخير من العام الماضي، ووفقاً للخبير الاقتصادي الأسترالي جاستن ولفرز، يُسيطر أصحاب نسبة الـ10% الأعلى دخلاً على 87% من الثروات في العالم.

وبحسب ميمز، ففي حال تواصلت الاتجاهات الحالية في الاقتصاد الكُلي، فسيحدث أمران، أولهما استمرار «أبل» في تحقيق عائدات كبيرة، والثاني، فيتمثل في استمرار تراجع متوسط أسعار البيع للهواتف التي تستخدم نظام «أندرويد»، بالتزامن مع المنافسة الشرسة بين المُصنعين لتوفير أعلى قيمة نظير أقل سعر.

تويتر