تدريبهم يحسن قدراتهم المعرفية ويعزز شعورهم بالثقة الذاتية

دراسة: استخدام كبار السن لـ «الإعلام الاجتماعي» يُفيد صحتهم

صورة

في الوقت الذي يبدو فيه أثر الموجة الرقمية الحالية قد طال كل شيء تقريباً، تظل نسبة غير قليلة من كبار السن بمعزل عن التحول الرقمي الذي يمضي دون توقف، الأمر الذي يهدد بتعميق الفجوة الطبيعية بين الأجيال، فيتحدث كل منهم لغة مختلفة، ويتواصل بأساليبه الخاصة، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وابتكار أساليب جديدة لتعريف المسنين بالتقنيات الحديثة، خصوصاً مع مشكلة الشيخوخة في الكثير من المجتمعات.

ولا يعد استخدام كبار السن للتقنيات الحديثة وتوظيفها في حياتهم أمراً ضرورياً للتواصل مع عائلاتهم، لاسيما الشباب منهم فقط، وإنما قد يفيد صحتهم أيضاً. وتوصلت دراسة حديثة، أجريت على مدى عامين، إلى أن تدريب كبار السن على استخدام الشبكات الاجتماعية يحسن من قدراتهم المعرفية، ويعزز شعورهم بالثقة الذاتية، كما قد يكون له أثره النافع عموماً في صحتهم النفسية ورفاهيتهم الجسدية.

وشملت الدراسة 240 من كبار السن من منطقة «ماركي» في إيطاليا، ومنطقة جنوب غرب المملكة المتحدة، وتشتهر كلتاهما بطول أعمار السكان. ومثل نصف المشاركين مجموعة تحكم، وتلقوا فقط الرعاية الطبية المعتادة.

في المقابل، منح النصف الآخر من المشاركين حواسيب مصممة خصيصاً، ووصلات عريضة النطاق للاتصال بالإنترنت، إلى جانب تدريب على استخدام البريد الإلكتروني وبرنامج «سكايب» للمحادثات، وموقع «فيس بوك»، وغيرها من أدوات الإعلام الاجتماعي، ضمن برنامج يحمل اسم «إيزي بي سي» Easy PC طوّرته مجموعة بحثية في جامعة «إكستر» البريطانية، إلى جانب متابعة مختصين في كبار السن وصحتهم تقدمهم في علاقاتهم الاجتماعية ومعرفتهم باستخدام الحاسوب.

ومثلت الدراسة جزءاً من مشروع «إيغز 2.0» Ages 2.0 الذي موله الاتحاد الأوروبي، والرامي إلى التعرف إلى دور التقنيات الحديثة، خصوصاً الإنترنت والشبكات الاجتماعية في مساعدة كبار السن على الاتصال والاندماج، وتقييم تأثيرها في صحتهم ورفاهيتهم.

ولمس الباحثون تأثيراً إيجابياً لتدريب كبار السن على استخدام الحواسيب على شعورهم وقدراتهم العقلية. وأشار معظم من حصلوا على الحواسيب والتدريب اللازم إلى شعورهم بالعزلة بقدرٍ أقل، بفضل الاتصالات التي تمكنوا من إجرائها مع الأقارب والأصدقاء وآخرين ممن يشاركونهم الاهتمامات نفسها.

كما بينت النتائج أن كبار السن الذين بدأوا باستخدام الإعلام الاجتماعي أدوا على نحو أفضل في اختبارات لقياس القدرة المعرفية والهوية الشخصية. وأشار بعضهم إلى شعورهم بتحسن صحتهم النفسية والجسدية مقارنة بالفترة السابقة. في المقابل، تراجعت قدرات كبار السن في المجموعة الأخرى بشكل مطرد.

وينعكس أثر استخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية في حديث مارغريت كيوهان، وهي سيدة بريطانية في السبعين من عمرها وأم لستة أبناء وجدة لـ23 حفيداً. وقالت إنها ذُهلت للتحول الذي لاحظته في نفسها منذ بدأت باستخدام مواقع الإعلام الاجتماعي كجزء من الدراسة.

وأضافت كيوهان «لقد أعادت المتعة إلى حياتي مجدداً، لقد غيرت حياتي».

وأشارت كيوهان، التي تستخدم مقعداً متحركاً، إلى أنها في السابق بدأت تنسحب بعيداً إلى حياة ذات وتيرة أبطأ، بينما تشعر حالياً بالانتعاش. وتعيش كيوهان التي تُوفي زوجها، مايك، قبل ست سنوات في شقة تقع ضمن مجمع مبانٍ تُديره شركة «سومرست كير» Somerset Care غير الهادفة إلى الربح، والمعنية بتوفير الرعاية لكبار السن.

وفي حين يعيش بعض أفراد عائلة كيوهان خارج بريطانيا، يتيح لها الإنترنت التواصل معهم، ومن بين أصدقائها في موقع «فيس بوك» ابنها الذي يعيش في منطقة الخليج، وعشرات من أقاربها الأصغر سناً.

وقال توماس مورتون، من قسم علم النفس في جامعة «إكستر»، إن «البشر حيوانات اجتماعية، لذا ليس مفاجئاً أن يتحسن أداؤهم عندما يتمكنون من التواصل مع الآخرين». وأضاف مورتون، الذي يُشرف على مشروع «إيغز 2.0» في المملكة المتحدة، أن «ما قد يكون مفاجئا هو مدى أهمية الاتصالات الاجتماعية للصحة المعرفية والجسدية».

وتوصلت الدراسة إلى أن نحو ثلاثة أرباع المشاركين ممن تلقوا الحواسيب والتدريب اللازم وجدوا استخدام البريد الإلكتروني وبرنامج «سكايب» مفيداً، بينما وجدت نسبة تقل عن نصفهم موقع «فيس بوك» جديراً بالاهتمام. ورأت كيوهان فيه وسيلة فعالة لمتابعة أخبار أحفادها عن قرب، وبالتالي نهيهم إذا ما قاموا بأشياء لا ترضيها.

وأشارت إيما جرين، التي تعمل في شركة «سومرست كير» وساعدت كيوهان وغيرها في التدريب على استخدام الحواسيب، إلى ملاحظتها تغييرات جذرية في المشاركين من كبار السن. وأعطت مثالاً بسيدة سُرت لاستطاعتها مشاركة صديق إيطالي اصطحبها في جولة على الإنترنت في العاصمة الإيطالية روما بواسطة «غوغل إيرث». وتحدثت عن مشارك آخر من محبي التخييم، استطاعت التواصل معه عبر «سكايب» أثناء قضائها عطلة في مقاطعة كورنوال الساحلية، ما مكنه من الانضمام لمجموعتها في المخيم، ومثلت التجربة لحظةً مميزة بالنسبة له.

وتواجه العديد من المجتمعات مشكلة شيخوخة السكان، وفي مختلف أنحاء اتحاد الأوروبي، يُتوقع ارتفاع عدد السكان بعمر 65 أو أكثر من 17% في عام 2010 إلى نحو 30% من مجموع السكان في عام 2060.

وتُبين بيانات من «مكتب الإحصاءات الوطني» في بريطانيا ارتفاع عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 ويستخدمون الإنترنت من 9% في عام 2006 إلى 37% في عام 2013.

ومع ذلك، قال رئيس «منتدى منطقة جنوب غرب للشيخوخة»، توني واتس، إنه «لايزال يوجد الكثير مما يتعين القيام به». ويهتم المنتدى، كغيره من تسعة منتديات مماثلة في بريطانيا، بنقل آراء ووجهات نظر كبار السن إلى الجهات الحكومبة والمؤسسات الخاصة، والتركيز على تحسين رفاهية واستقلالية كبار السن.

وأضاف واتس أن «الفجوة الرقمية بين الأجيال تُواجه خطر التحول إلى هوةٍ رقمية تدع الكثير من كبار السن على الجانب الآخر من الثورة التي غيرت الطريقة التي يرتبط ويتواصل بها المجتمع». ولفت إلى أهمية تغيير أساليب تعريف كبار السن بالتقنيات، وإعطائهم مبرراً يدفعهم لتعلم استخدام الإنترنت، والبدء بتعريفهم بوسائل تؤثر في حياتهم بشكلٍ فوري يُشجعهم على التعلم.

وقال واتس «لقد كانت العقبات الأساسية أمام كبار السن الكلفة والتعقيد والخوف والأهمية.. يخبرني العديد من الأشخاص بأنهم مضوا في حياتهم بشكل جيد تماماً حتى الآن دون حواسيب، فلماذا يحتاجون إلى تعلمها الآن».

وتابع واتس «اعتقادي أننا بحاجة للابتعاد عن مفهوم الحواسيب واستخدام الحواسيب اللوحية بدلا منها، لأنها بديهية ويسهل استخدامها، إضافة إلى التركيز على تطبيقات مثل (سكايب) التي تُبين للأشخاص بشكل فوري إمكانية أن يُحسن استخامهم للإنترنت من نوعية حياتهم».

 

تويتر