يسهم في توفير رعاية صحية أفضل في المناطق النائية.. ويخفّض الوقت اللازم للأعمال الإدارية

«سواثيا سليت».. جهاز محمول ميسور الكلفة للفحوص الطبية

صورة

على الرغم من التقدم التقني الحالي والحاجة الماسة والمتواصلة لإجراء الفحوص الطبية، لاتزال الأجهزة المستخدمة في التشخيص باهظة الكلفة، ويصل سعر بعضها إلى عشرات الآلاف من الدولارات، ما يجعل من الصعب توفير ما يكفي منها للمناطق المحتاجة، فضلاً عن تعقيد الكثير منها، وحاجته إلى متخصصين من ذوي المهارات العالية، الأمر الذي دفع بعض الباحثين ورواد الأعمال لاستثمار انتشار الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، وتقدم أجهزة الاستشعار لتوفير أدوات طبية لتشخيص الأمراض بكلفة معقولة.

ويصدق ذلك على المتخصص في نظم المعلومات الطبية الحيوية في جامعة «ولاية أريزونا» الأميركية، الدكتور كناف كالو، الذي قرر العودة إلى وطنه الأول في الهند عام 2011، بسبب شعوره بالإحباط من قلة اهتمام المؤسسات الطبية بخفض تكاليف اختبارات التشخيص، وتراجع فرص الحصول على تمويل للأبحاث اللازمة، حسبما كتب زميله في «مركز روك لحوكمة الشركات» في جامعة «ستانفورد»، فيفيك وادوا، في موقع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.

وكان كالو لاحظ التشابه الكبير بين معظم الأجهزة الطبية في شاشات الحواسيب والدوائر الإلكترونية، إلى جانب تعقيدها الذي يُصعب على غير المتخصصين استخدامها، يُضاف إلى ذلك علمه بالكلفة الزهيدة لمعظم أدوات الاستشعار وتوافرها.

وبسبب ذلك كله، فكر كالو في إمكانية ربط أدوات الاستشعار بالحواسيب اللوحية المتوافرة لعرض معلومات التشخيص، ما يُمكن أن يُخفض من كلفة المعدات الطبية، كما سعى إلى إعادة تقديم بيانات الفحص ليتيسر فهمها على العاملين في الرعاية الصحية الحاصلين على تدريب أساسي، ولاسيما مع أدائهم مهام الأطباء في العديد من مناطق العالم التي تفتقر إلى العدد الكافي من الأطباء.

وخلال أقل من ثلاثة أشهر، نجح كالو وفريقه من المهندسين الهنود في التوصل إلى نموذجٍ أولي لجهاز أطلقوا عليه اسم «سواثيا سليت» Swasthya Slate، ما يعني «حاسب لوحي للصحة»، وبكلفة 11 ألف دولار.

واعتمد على حاسب لوحي متوافر تجارياً يعمل بنظام تشغيل «أندرويد»، وأضافوا إليه جهازاً لتخطيط كهربية القلب مزود بأربع وصلات، وميزان للحرارة أو ترمومتر طبي، ومقياس لجودة المياه، إضافة إلى أداة لمتابعة ضربات القلب.

وفي المرحلة التالية، أدخل الفريق بعض التحسينات بإضافة تخطيط لكهربية القلب مُزود بـ12 وصلة، وأدوات استشعار لقياس ضغط الدم، ومستوى السكر في الدم، ومستوى الهيموغلوبين في الدم، وقياس وجود البروتين والجلوكوز في البول.

وأرسل الفريق جهاز «سواثيا سليت» إلى 80 مختبراً طبياً في يونيو من عام 2012 للتحقق من صحة نتائجه، وبين الفحص دقة نتائج الجهاز بمستوى يُماثل ما تقدمه المعدات الطبية في المختبرات، إضافة إلى تفوقه من ناحية ملاءمة الاستخدام في المناطق الريفية والنائية؛ لأنه أُعد أصلاً ليناسب ظروفها القاسية.

وبحلول يناير 2013، طور فريق كالو «سواثيا سليت» ليُتيح إجراء 33 اختباراً طبياً مختلفاً، منها فحص وجود فيروس «إتش آي في» أو «العوز المناعي البشري» المُسبب لمرض الإيدز، والزهري، إضافة إلى فحص بروتين «التروبونين» المرتبط بالأزمات القلبية، وعداد للنبض، كما نجح الفريق في خفض كلفة التصنيع إلى 800 دولار فقط، فضلاً عن تطويرهم مجموعة من التطبيقات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي ليستخدمها العاملون في الرعاية الصحية.

وأظهر اختبار الأجهزة في أنحاء مختلفة من الهند نتائج إيجابية، فمثلاً في منطقة موكاتسار Muktsar في ولاية البنجاب الهندية، أسهم استخدام «سواثيا سليت» في ارتفاع عدد زيارات السيدات الحوامل في مرحلة ما قبل الولادة من 0.8 إلى 4.1 زيارة لكل أم.

وأتاح الجهاز، بفضل مستشعرات قياس ضغط الدم ومستوى البروتين في الدم، الكشف عن حالات «ما قبل الإكلامبسيا» Preeclampsia أو ما يُعرف بتسمم الحمل، والتي تتسبب في 15% من وفيات الأمهات في الهند. وخلال العام السابق على استخدام الأجهزة، خضعت 250 سيدة فقط للفحص، وتأكد إصابة 10 منهن، إلا أنه نظراً لتأخر الكشف عن الإصابة، توفيت ثماني سيدات.

واختلف الوضع كثيراً مع استخدام «سواثيا سليت» لإجراء الفحوص؛ إذ جرى فحص 1000 سيدة خلال الأشهر الثلاث الأخيرة من الحمل، واكتُشف إصابة 12 سيدة بتسمم الحمل، ومع توفير الرعاية الطبية الملائمة، لم تُسجل أي وفيات بينهن.

وبدأت الحكومة الهندية في مارس من العام الجاري تجربة لاستخدام 4250 جهاز «سواثيا سليت» في ست مناطق في ولاية غامو وكشمير التي يسكنها 2.5 مليون شخص، وفي السابق كان إجراء اختبارات ما قبل الولادة يستغرق 14 يوماً تتنقل خلالها السيدات بين عيادات طبية عدة، بينما قلل الجهاز وقت التشخيص إلى 45 دقيقة فقط في عيادة واحدة.

وأسهم استخدام الأجهزة في تقليل نسبة الوقت الذي يُخصصه العاملون في الرعاية الصحية للأعمال الإدارية وتسجيل بيانات الاختبارات، وملء الاستمارات من 54% من يوم العمل إلى 8% فقط، فضلاً عن توفير الرعاية الطبية لمئات الأشخاص الذين حُرموا منها سابقاً.

وفي ما يتعلق بكلفة «سواثيا سليت»، يعتقد كالو بإمكانية تخفيضها إلى أقل من 150 دولاراً عند إنتاجه على نطاقٍ واسع، ويُمكن لهذا أن يُحدث فارقاً ملموساً في الدول النامية التي يبلغ معدل توافر الأطباء فيها واحد لكل 50 ألف نسمة، وهو معدل يقل كثيراً عما توصي به «منظمة الصحة العالمية» من توفير طبيب لكل 1000 شخص.

ويبدو من المفهوم أهمية جهاز كهذا للدول النامية، نظراً لضعف إمكاناتها الاقتصادية وانتشار الأمراض، لكن الواقع أن «سواثيا سليت» قد يكون مهماً أيضاً للدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، إذ سُيتيح للأطباء تشخيص الحالات المرضية وتقديم النصائح للمرضى ضمن ما يُعرف باسم «الطب عن بعد» من خلال وسائل اتصال مثل «سكايب» و«فيس تايم».

ومن الممكن أن يُسهِم إجراء المرضى للفحوص الطبية في منازلهم وتحميل البيانات لاحقاً إلى خدمات سحابية على الإنترنت في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقليل كلفتها، كما أن المتابعة المستمرة للبيانات من خلال التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قد تسمح بالكشف المبكر عن الأمراض وتجنب بعضها، خصوصاً تلك المرتبطة بأسلوب الحياة مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ولم ينجح «سواثيا سليت» بعد في نيل موافقة «هيئة الغذاء والدواء» الأميركية، وربما لا ينجح في ذلك مستقبلاً، إذ تتسبب البيروقراطية وتأجيل مواعيد اختبار الأجهزة الطبية المعتمدة على المستشعرات في تثبيط الابتكار الطبي في الولايات المتحدة، إلا أن جهاز «سواثيا سليت» قد يصل يوماً إلى الأسواق الأميركية، بعدما يعمل مع عشرات الملايين من الأشخاص خارجها، وستكون النتائج التي يُحققها أفضل دفاع عنه.

تويتر