استفادت من تسجيل مستخدمين أفكارهم وآراءهم ومشاعرهم في ما ينشرونه

دراسة: تغريدات «تويتر» تكشف تأثير الطقس في الحالة المزاجية

صورة

طالما أشار الباحثون في علم النفس إلى العلاقة بين حالة الطقس والحالة المزاجية للأشخاص، والتأثير الفسيولوجي لظروف الطقس، فمثلاً يستجيب الجسم البشري لضوء الشمس بإنتاج «السيروتونين»، وهو ناقل عصبي يرتبط بعلاقة قوية بالشعور بالسعادة، كما تزيد احتمالات تعرض البعض للاكتئاب خلال فصل الشتاء في ما يعرف بالاضطرابات العاطفية الموسمية.

ومع ذلك أخفقت محاولات كثيرة سعت لتحديد ارتباطات واضحة بين الطقس والحالة المزاجية، وتنوعت الدراسات السابقة بين ما أظهر ارتباطات متناقضة، وأخرى لم تخلص إلى أي علاقة بين الطقس والحالة المزاجية.

وغالباً ما اعتمدت على استطلاعات الرأي التي يعيبها كلفتها المرتفعة، إلى جانب عدم سماحها بإجراء دراسات واسعة النطاق.

لذلك يمكن أن توفر مواقع الإعلام الاجتماعي مصدراً ثرياً للبحث في تأثير الطقس في الحالة المزاجية مع إقبال كثير من المستخدمين على تسجيل أفكارهم وآرائهم ومشاعرهم في ما ينشرونه. وهو ما سعى للاستفادة منه فريق يتألف من ثلاثة باحثين من جامعتي «ستانفورد» و«كارنيجي ميلون» الأميركيتين، و«بيكنغ» الصينية.

واتجه فريق البحث إلى تغريدات نُشرت في موقع التدوين المُصغر «تويتر»، وتضمنت الموقع الجغرافي للمستخدمين، للبحث عن إشارات عن الحالة المزاجية ودراسة مدى ارتباطها بحالة الطقس.

وخلصوا إلى اتصال بعض الحالات النفسية على نحوٍ واضح وغير متوقع في بعض الأحيان بظروف الطقس، وما يطرأ عليها من تغيرات.

واعتمد الباحثون على قاعدة بيانات من التغريدات، التي تتضمن الموقع الجغرافي وتعود لـ32 منطقة حضرية رئيسة في الولايات المتحدة الأميركية، منها نيويورك ودالاس وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس وشيكاغو وفيلادلفيا، وغيرها.

وحصل عليها الباحثون من قاعدة بيانات تتألف من 10% من جميع التغريدات التي نشرها مستخدمو «تويتر» في عامي 2010 و2011.

واستبعد فريق البحث جميع التغريدات التي تتطرق إلى أحداث دولية أو أميركية، مثل زلزال هايتي ووفاة المغني مايكل جاكسون، نظراً لأن الأشخاص قد يعبرون عن مشاعر قوية ترتبط بهذه الأحداث، دون أن تكون لها صلة بحالة الطقس، وبالتالي أتاح استبعاد هذه التغريدات الفرصة لدراسة الارتباطات الخفية بين الحالة المزاجية وظروف الطقس.

وكانت الخطوة التالية تصنيف التغريدات بحسب أربعة أبعاد مختلفة تعبر عن الحالة المزاجية، وتشمل: الغضب والعداء، والإجهاد والسكون، والاكتئاب والوهن، وأخيراً الخمول والانتعاش. ثم استعان الباحثون بخوارزمية للتعلم الآلي للتوصل إلى العلاقة بين الحالة المزاجية وحالة الطقس، استناداً إلى قاعدة بيانات تُوفرها «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي» في الولايات المتحدة، وتُسجل متوسط درجة الحرارة يومياً، والتغيرات اليومية في درجات الحرارة، والمعدل اليومي لسقوط الأمطار أو الثلوج، وعمق الثلوج، والمقدار الإجمالي اليومي لقوة أشعة الشمس ونحو ذلك. وانتهت الدراسة إلى نتائج لافتة للانتباه، فوجد الباحثون أنه في حين لا ترتبط درجات الحرارة بالحالة المزاجية، فإن لتغيرات درجات الحرارة تأثيرها. ويُصبح الأشخاص أسعد مع تحول درجات الحرارة نحو البرودة، لكنهم يشعرون بعدم الراحة بالتزامن مع التراجع الحاد في درجات الحرارة.

كما بينت النتائج تأثير درجات الحرارة الأعلى في زيادة غضب الأشخاص، مقابل ارتباط تساقط الثلوج بالحالات المزاجية السلبية.

وتطرقت الدراسة إلى تتبع الأنماط الزمنية للحالات المزاجية، وتبين اتباع أغلب الحالات المزاجية لنمط أسبوعيٍ واحد يبلغ ذروته في عطلات نهاية الأسبوع، فعادة يكون الناس أقل غضباً واكتئاباً وخمولاً في أيام نهاية الأسبوع، إلا أن حالات الإرهاق تسير على وتيرة مختلفة، فيبلغ منحنى التعب ذروته قبل عطلة نهاية الأسبوع بيوم.

وبعكس المتوقع من زيادة ميل الأشخاص للشعور بالانتعاش بالتزامن مع الطقس البارد، أشارت نتائج الدراسة إلى عكس ذلك، فترتبط برودة الطقس بالميل إلى الخمول، بينما يكون الناس أكثر انتعاشاً مع ارتفاع درجة حرارة الجو.

ومع تقديم الدراسة نتائج مثيرة للانتباه، لفت الباحثون إلى بعض المحاذير المهمة، منها أن الارتباطات بين الحالات المزاجية والطقس لا تمثل علاقات سببية. وعلى سبيل المثال، تُظهِر البيانات ارتباط الثلوج بالحالات المزاجية السلبية، لكن لم يتضح ما إذا كان ذلك بفعل حالة الطقس، أم نتيجةً لأمور أخرى تسبب فيها سقوط الثلوج كزيادة الاختناقات المرورية وحوادث الطرق.

كما تتضمن المحاذير سؤالاً أكبر يتعلق بمدى الثقة في تعبير الحالة المزاجية المستنتجة من تغريدات «تويتر» عن المشاعر الحقيقية للأشخاص، فمن المؤكد ميل البعض لإخفاء مشاعرهم الحقيقية في «تويتر» أو تعمد إظهار شخصية تختلف عما هم عليه في الحقيقة.

وأكد الباحثون إدراكهم هذه المخاطر المحتملة وسعيهم البحث عن سبل أفضل لتجنبها مستقبلاً. وفي كل الأحوال، تلفت الدراسة إلى توفير تغريدات «تويتر»، التي تتضمن الموقع الجغرافي للمستخدمين مصدراً قيّماً للمعلومات، يفتح المجال لطرح العديد من الأسئلة، ويحتاج المزيد من الدراسات.

ومثلاً يسمح منهج الدراسة بإمكانية المقارنة بين اختلافات تأثير الطقس في الحالة النفسية في أجزاء مختلفة من العالم، وما إذا كان لزيادة درجات الحرارة في الدائرة القطبية التأثير نفسه لارتفاعها في المناطق الاستوائية، ودور التنوع الثقافي واختلاف الفئات العمرية في النتائج، إلى جانب العديد من الأسئلة التي يُثيرها تيار تغريدات «تويتر» المتدفق.

 

تويتر