تعرّف الأطفال إلى الخوارزميات بات يُواكب تعلّمهم حروف الهجاء ومبادئ الكتابة

تجارب مختلفة في تدريس علوم الكمبيوتر والبرمجة بالمدارس

صورة

مع انتشار استخدام أجهزة الكمبيوتر في مختلف مجالات الدراسة والعمل، صار تدريس علومها للتلاميذ من قبيل الضرورات لأسباب علمية واقتصادية، ولا يعني ذلك تعليم التلاميذ سبل الاستفادة منها لأغراض الدراسة فقط، بل يشمل تدريس مبادئ الحوسبة، والبرمجة، إذ صار تعرف الأطفال إلى الخوارزميات في بعض المدارس يُواكب تعلمهم لحروف الهجاء ومبادئ الكتابة.

وحدثّت نيوزيلندا أخيراً مناهج المدارس الثانوية لتتضمن علوم الكمبيوتر، وهو ما قامت به كذلك بعض الولايات الألمانية، وتجريه حالياً أستراليا والدانمارك.

ويأتي الاهتمام بتعليم البرمجة ضمن الاهتمام العام بها الذي يتجاوز الدراسة المنتظمة في المدارس والجامعات، فيتلقى ما يزيد على 24 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم دروساً مجانية في البرمجة عبر موقع «كود أكاديمي» التعليمي، فضلاً عن توجه غير المتخصصين لتطوير تطبيقاتهم الخاصة.

وبحسب ما تضمن تقرير نشرته مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، فقد مر تدريس علوم الكمبيوتر في المدارس بمراحل مختلفة، فبدأ للمرة الأولى، مادة اختيارية، غالباً للطلاب الكبار في بعض المدارس الأوروبية والأميركية خلال سبعينات القرن الـ 20، وحينها كانت إمكانات الكمبيوتر محدودة وتعتمد على إدخال التعليمات بلغات متخصصة، فلزم حينها التركيز على تدريس البرمجة.

وشهد تعليم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس تحولاً في عقد الثمانينات مع ظهور التطبيقات الجاهزة، وواجهات المستخدم الرسومية، فكان الاتجاه إلى تدريس كيفية استخدام الكمبيوتر في برامج معالجة الكلمات، وإنشاء العروض التقديمية ونحو ذلك، وأدى ذلك إلى تعرف التلاميذ إلى القليل بشأن كيفية عمل الكمبيوتر.

وعلى سبيل المثال، واجه منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في انجلترا انتقادات، مثل التي وجهها رئيس مجلس إدارة شركة «غوغل» الأميركية، إريك شميدت، في محاضرة له عام 2011، قائلاً إن «المنهج يُركز على تعليم كيفية استخدام البرمجيات، لكنه لا يُقدم فهماً واضحاً لكيفية صناعتها»، معتبراً أن ذلك يُهدد الإرث العظيم لإنجلترا في مجال الحوسبة.

وحالياً، عاد الاتجاه مجدداً نحو البرمجة لسببين، أولهما انتشار التكنولوجيا الرقمية في كل مكان، ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بحاجة التعليم المتوازن لتأسيس الطلاب في هذه المادة كما هي الحال في مواد أخرى مثل الأحياء والكيمياء والفيزياء.

ويكمن السبب الثاني في شكاوى أصحاب العمل من نقص أعداد المبرمجين المهرة، وهو ما يتضح في حصولهم على رواتب مرتفعة. ويُهدد قلة عدد الأشخاص الحاصلين على المهارات الأساسية، فرص تأسيس مشروعات تقنية.

ويُواصل أرباب الأعمال، الشكوى من نقص العاملين المتمتعين بهذه المهارات، وهو ما يصل إلى أسماع الساسة، وكانت الانتقادات العلنية كالتي وجهها شميدت سبباً في حث الحكومة البريطانية على التحرك.

وفضلاً عن الإجراءات والخطط الرسمية، فإنه كثيراً ما تسبق تحركات المتحمسين مثل المنظمات غير الربحية، الإجراءات الحكومية، إذ قدم تيم بيل من جامعة «كانتربري» في نيوزيلندا، مجموعة من الأنشطة لتدريس مفاهيم البرمجة تستعين بالبطاقات والطباشير الملون.

ومنها ما يُطبق في مدارس بريطانية، مثل تثبيت التلاميذ أرقاماً مطبوعة على خطوط متشابكة على الأرض تُحددها شرائط لاصقة باللون الأبيض، وعندما يلتقي تلميذان يتجه من يحمل العدد الأكبر يميناً، في حين يتجه زميله إلى اليسار، وبعدها يصطف التلاميذ في حين تكون الأرقام مُرتبة تصاعدياً، وبحسب ما قالت المعلمة كلير لوتريت، فإن الهدف يكمن في بيان كيفية تصنيف الكمبيوتر للبيانات.

وتُنظم مثل هذه التجربة ضمن الترويج لمبادرة «ساعة البرمجة» التي أطلقتها مؤسسة «كود.أورج» غير الهادفة للربح، التي تسعى إلى إثارة الاهتمام ببرمجة الكمبيوترأو Coding كما يُطلق عليها المهتمون بالمجال الرقمي. وتتكرر مثل هذه الأنشطة في فصول المدارس البريطانية بعدما صارت علوم الكمبيوتر جزءاً من المناهج الدراسية للمدارس الابتدائية ابتداءً من سبتمبر الماضي. كما طور مختبر وسائط الإعلام «ميديا لاب» في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» لغة برمجة بسيطة باسم «سكراتش» التي تُتيح للصغار تطوير ألعاب كمبيوتر ورسوماً متحركة من خلال التحكم في مربعات على الشاشة، فيما يمكن تشبيهها بلعبة «ليغو» افتراضية.

وفي الولايات المتحدة، التي تُدرس فيها علوم الكمبيوتر، جزءاً من المناهج الدراسية العادية في عُشر المدارس الثانوية، أنتجت «رابطة معلمي علوم الحاسب» أدلة تعليمية، وتوفر الدعم للعديد من المجموعات الأجنبية بما فيها المجموعة التي ألفت المناهج الجديدة في بريطانيا.

ومع ذلك، يُواجه تدريس علوم الكمبيوتر بعض الصعوبات، ترجع إحداها إلى كونها مادة حديثة، فلا يتوافر لدى المعلمين ومصممي المناهج سوى القليل من البحوث التربوية لإرشادهم، بحسب بيتر بدويزر من «الجامعة التقنية» في مدينة ميونيخ الألمانية.

وحول ذلك يُطرح العديد من الأسئلة منها ما يتطرق إلى الطريقة الفضلى لشرح مفهوم مجرد مثل «الاستدعاء الذاتي» لغير المتخصصين، ويُشير المفهوم اختصاراً إلى طريقة في حل مشكلة ما تعتمد على حلول لأمثلة أصغر للمشكلة نفسها. وكذلك التساؤل حول لغات البرمجة التي ينبغي البدء بتدريسها، وكيفية التدريس لمجموعات تتفاوت قدرات أفرادها، بين مطوري تطبيقات تعلموا ذاتياً، وآخرين يواجهون صعوبات في العثور على زر التشغيل. وإضافة إلى ذلك، لم تُحسم لغاية الآن بعض الأمور الأساسية مثل كيفية تحقيق التوازن الصحيح بين تمرين الطلاب على المفاهيم، على غرار لعبة تصنيف الأرقام في الفصول الدراسية، وبين كتابة البرامج.

واعتبر المتخصص في تعليم الحوسبة في جامعة «كنت» البريطانية، مايكل كولينج، أن تنفيذ بعض البرمجة أمر أساسي، لدوره في تحفيز التلاميذ، ومساعدتهم على اكتشاف ما إذا كانت الخوارزميات تعمل أم لا.

ويقود ذلك إلى التساؤل حول ما إذا كان ينبغي أن يبدأ التلاميذ بالبرمجة وتُؤجل المفاهيم إلى مرحلة تالية أم العكس. وتختلف الإجابة عن ذلك وفق ما يحتاجه اقتصاد كل بلد.

وفي جميع الحالات وأياً كان الجانب الذي سيُركز عليه تعليم الكمبيوتر، فإنه يتطلب معلمين مؤهلين وهو ما يتفاوت من مكانٍ إلى آخر، إذ يتوافر لدى ولاية بافاريا الألمانية ما يزيد على 700 مُعلم مُدرب في علوم الحاسب، وتختلف الحال بين خريجي تخصصات مثل علوم الكمبيوتر والرياضيات، ودارسي العلوم الإنسانية والاجتماعية الذين سيحتاجون إلى كثير من الدعم.

 

تويتر