سهولة الاتصال تغرق صناديق البريد بالرسائل الإعلانية والشخصية

رسائل البريد الإلكتروني تهدّد الإنتاجية وبيئة العمل

الأشخاص الذين يتوقفون عن استخدام البريد الإلكتروني في العمل يشعرون بقدرٍ أقل من الضغط. أرشيفية

من الصعب إنكار أن اتصال البشر بعضهم بعضاً حالياً، صار أسهل كثيراً من الناحية التقنية، بغض النظر عن آثاره الاجتماعية والثقافية، فلا تلزم كتابة خطاب، ثم وضع طابع البريد لإرساله والانتظار ليصل في غضون أيام أو أسابيع بحسب المسافة وقد لا يصل، كما لا يقلق كثيرون من المكالمات الهاتفية الدولية، بسبب تراجع الأسعار وتطبيقات التراسل الفوري.

وفي كثيرٍ من الأحيان، لا تُكلف الرسالة عبر البريد الإلكتروني أو الشبكات الاجتماعية وتطبيقات، مثل «واتس آب»، سوى الأجهزة التي نستخدمها والإنترنت، ومع مزايا سهولة الاتصال، تسبب ذلك في إغراق صناديق البريد الإلكتروني لدى عدد غير قليل من الأشخاص بقدر هائل من الرسائل الإعلانية، وحتى رسائل شخصية وخاصة بالعمل، من دون أن تكون لها أهمية كبيرة، إلى درجة يمكن القول معها إن البريد الإلكتروني تحول إلى الشكل الأكثر غزواً للأشخاص من بين أشكال الاتصالات، وأصبح يهدد الانتاجية وبيئة العمل في كثير من الأحيان.

وبحسب دراسة أجرتها، أخيراً، شركة «راديكاتي غروب» للتكنولوجيا وأبحاث السوق في ولاية كاليفورنيا الأميركية، أرسل الناس في مختلف أنحاء العالم 182 مليار رسالة بالبريد الإلكتروني في كل يوم من عام 2013، وهو ما يصل بعدد الرسائل السنوية إلى 67 تريليون رسالة (التريليون يساوي 1000 مليار).

ويُمثل الرقم زيادة على العام السابق، إذ بلغ عدد رسائل البريد الإلكتروني اليومية 144 ملياراً ما يعني 52 تريليون رسالة في عام 2012، كما زاد عدد حسابات البريد الإلكتروني لتصل في عام 2013 إلى 3.9 مليارات حساب، بالمقارنة مع 3.3 مليارات في العام السابق، ومن المتوقع أن يرتفع عددها بنسبة 6%، في كل سنة من السنوات الأربع المقبلة، لتبلغ 4.9 مليارات حساب في عام 2017، وربما لن تمضي فترة طويلة حتى يجري الحديث عن أعداد رسائل البريد الإلكتروني، وفق وحدة «كوادريليون» أو مليون مليار!

ويُشير كلايف تومسون، مؤلف كتاب جديد بعنوان: «أذكى مما تظن.. كيف تغير التكنولوجيا عقولنا للأفضل»، إلى أنه إذا ما سهلّت على الناس فعل شيء، فسيقومون بفعل المزيد منه. لكن الأمر لا يقتصر على مشكلات فردية في إدارة صندوق الوارد في حساب البريد الإلكتروني الشخصي، فاعتماده على نطاقٍ واسعٍ في بيئات العمل أثر فيها بشكل كبير.

وبحسب أستاذة المعلوماتية، بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، جلوريا مارك، أظهرت الدراسات أن رسائل البريد الإلكتروني تؤدي إلى بيئة عمل غير منتجة وتعاني القلق. وتدرس مارك تأثيرات البريد الإلكتروني في أماكن العمل منذ عام 2004، وتوصلت أبحاثها إلى أن الأشخاص الذين يتوقفون عن استخدام البريد الإلكتروني في العمل يشعرون بقدرٍ أقل من الضغط، ويكونون أكثر قدرة على التركيز والإنتاجية.

وهو ما يتفق معه تومسون، فيرى أن البريد الإلكتروني في العمل عائق أساسي عن الكفاءة، فيشعر أشخاص بحاجتهم إلى إدراج 10 آخرين ضمن مستقبلي رسالتهم فقط، ليعلموهم أنهم منتجون، لتكون النتيجة أن تقل إنتاجية هؤلاء العشرة لحاجتهم إلى إدارة البريد الإلكتروني.

ودفع الوضع العديد من الشركات الناشئة إلى محاولة تقديم بدائل تتغلب على مشكلات البريد الإلكتروني، كتصفية الرسائل الواردة المهمة بصورة أفضل، إلا أنه غالباً ما يستحوذ عليها مزودو خدمات البريد الإلكتروني قبل أن تتحول إلى منتجات رائجة؛ ففي العام الماضي اشترت «ياهو» شركة «إكسبوني»، مقابل 48 مليون دولار، وفي عام 2012، استحوذت «غوغل» على «سبارو»، التي وفرت تطبيقات ذكية لإدارة البريد الإلكتروني مقابل 25 مليون دولار، وانضم مؤسسوها إلى فريق عمل بريد «جيميل».

ومع الاعتراف بدور التقنية في تنظيم طوفان رسائل البريد الإلكتروني، تقع المسؤولية الأولى على عاتق البشر في تنظيم استخدامهم لإمكانات التراسل السهلة والمجانية، ورأى مؤسس «سكوير وان»، برانكو سيرني، التي تقدم نفسها كوسيلة للحصول على بريد إلكتروني خالٍ من الضغوط، أن التقنية يمكن أن تساعد على حل مشكلات المتلقي مع البريد الإلكتروني، مثل ما تقوم به شركته من التصنيف المُسبق وتمييز الرسائل المهمة، لكن بإمكان الوعي البشري فقط منع المرسلين من إغراقنا برسائلهم البريدية.

وأشار سيرني إلى اختلاف البريد التقليدي عن الإلكتروني؛ ففي الماضي دأب الناس على التفكير في ما سيكتبونه قبل إرساله، بينما حالياً يكون الإرسال أولاً، ثم يأتي التفكير في مرحلة لاحقة.

يُذكر أنه في وقتٍ سابق من شهر يناير الجاري، أثار إعلان لشركة «غوغل» عن ميزة جديدة في البريد الإلكتروني «جيميل»، مخاوف عدد غير قليل من المستخدمين، وكانت قد أعلنت عن خاصية تتيح لأي شخص إرسال رسالة بريدية لآخر، من دون أن يلزمه بمعرفة عنوان بريده الإلكتروني، طالما امتلك الطرفان بريد «جيميل»، وحساباً في الشبكة الاجتماعية «غوغل بلس».

وقالت «غوغل» إن الخاصية ستفيد أولئك الأشخاص، الذين يعرفون بعضهم من دون أن يتبادلوا عناوين البريد الإلكتروني.

وإلى جانب خدمات البريد الإلكتروني والآراء المختلفة بشأنها، يحاول بعض الأشخاص التوصل إلى منهجهم الخاص، سواء بتنظيم الرسائل الواردة، أو تخصيص وقت للتعامل مع المهم منها، واتبع رئيس تمكين الأعمال الاجتماعية في شركة «آي بي إم»، لويس سواريز، سبيلاً أكثر صرامة، ففي عام 2008، قرر التوقف عن استخدام بريده الإلكتروني، مع أنه لايزال يتفقده يومياً، وهي مهمة تستغرق منه دقيقتين فقط، وتكون معظم الرسائل تنبيهات بمقابلات داخلية أو محادثات شخصية.

وحول الجانب الأكبر من اتصالاته إلى المنصات العامة والاجتماعية، وعند تلقيه رسائل بالبريد الإلكتروني من أشخاص جدد لا يعرفون عدم حبه هذه الطريقة في التواصل، يبحث عن عنوانهم في الشبكات الاجتماعية، ثم يرد في منصة عامة سواءً كانت «تويتر»، أو «غوغل بلس»، أو «لينكد إن»، أو «كونكشن» الشبكة الاجتماعية الداخلية في «آي بي إم»، والفكرة أنه يرى كلما صار الجزء الأكبر من اتصالاته في العلن، سيستغرق ذلك منه وقتاً أقل.

وقال سواريز إن هذا الأسلوب أتاح له التعامل مع رسائل عدة في الوقت نفسه، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، صار صندوق الوارد لديه أقل بنسبة 98%، حتى أنه نادراً ما يستخدم الآن البريد الإلكتروني.

لكن بالنسبة لآخرين فإنهم يفضلون خياراً آخر أسهل في التعامل مع فيضان رسائل البريد الإلكتروني، بحذفها جميعاً دفعة واحدة، وهو ما أشار له نيك بيلتون، في مقاله المنشور بصحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، فروى أنه وجد في صندوق الوارد أكثر من 46 ألف رسالة يوم الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي، وفي أول أيام عمله في العام الجديد تخلص منها جميعاً، ليجرب شعور الحصول على بريد إلكتروني خالٍ تماماً.

 

تويتر