قطاع التكنولوجيا بلغ مرحلة حاسمة من الخبرة والموهبة

تصاعد ابتكارات شركات التكنولوجيا الصينية للمنافسة عالمياً

صورة

على مدى فترة طويلة، عُرفت الصين بمصانعها الضخمة التي تنتج الأجهزة والمكونات الإلكترونية لمصلحة بعض من أكبر الشركات في العالم، لكن نادراً ما صُنفت المنتجات التكنولوجية الصينية ضمن الفئة الأولى، وهو أمر يبدو في سبيله للتغيير مع تحدي شركات التكنولوجيا الصينية مثيلاتها في الدول الغربية، وانتقالها من مرحلة التقليد الناجح إلى الابتكار، وأيضاً دورها المتزايد في تحديد الاتجاهات الرائجة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية وأجهزة المحمول وخدمات الإنترنت.

ولأجل تحقيق هذه الغاية تُوظف الشركات الصينية بعضاً من المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركات التكنولوجيا الأميركية، وتطلق حملات تسويقية عالمية، لكنها لاتزال تواجه تحديات عدة منها تطوير برمجيات تحظى بقبول المستخدمين العالميين، وكذلك التعريف بمنتجاتها في أجزاء مختلفة من العالم يعتبرها المستهلكون أقل جودة من المنتجات الأخرى، إلى جانب زعم بعض الشركات الغربية بحصول الشركات الصينية على مزايا غير عادلة كالإعانات الحكومية والتحكم في سوق العملات والتمويل الرخيص.

وفي المقابل، يؤكد العديد من المديرين التنفيذيين في الصين وخارجها على أن قطاع التكنولوجيا في الصين بلغ مرحلة حاسمة من الخبرة والموهبة، تؤهله لإعادة تخطيط موازين القوة في صناعة التكنولوجيا العالمية خلال السنوات المقبلة، بحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

ومن بين أهم العوامل المساعدة في صعود صناعة التكنولوجيا في الصين تنامي الاستثمار في البحث والتطوير، ووفقاً لدراسة نشرها معهد «باتيل ميموريال» في الولايات المتحدة في شهر ديسمبر الماضي، فمن المرجح أن يصل الإنفاق الصيني على البحث والتطوير إلى 284 مليار دولار أميركي خلال عام 2014، بزيادة قدرها 22% عما كان عليه عام 2012.

في حين يُتوقع نمو الإنفاق في الولايات المتحدة على البحث والتطوير بنسبة 4% ليصل إلى 465 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، ومن المتوقع أن يتجاو الإنفاق الصيني في هذا المجال نظيره الأوروبي بحلول عام 2018، وأن يفوق مثيله في الولايات المتحدة في عام 2022.

وعلى سبيل المثال، ارتفع الإنفاق السنوي لشركة «هواوي»، التي تُعد أكبر مزود لمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم وتأتي إيراداتها في المرتبة الثانية بعد «إريكسون» السويدية، على البحث والتطوير 14 مرة خلال عقد واحد ليصل إلى 5.46 مليارات دولار في عام 2013 بالمقارنة مع 389 مليون دولار في عام 2003.

وحالياً تمتلك «هواوي» مركزاً للبحث والتطوير في مدينة شانغهاي يضم أكثر من 10 آلاف عامل، ومع انتشار الجيل الرابع من شبكات الاتصالات في العالم، تعمل الشركة الصينية على تقنية للجيل الخامس من الشبكات، يمكن أن تكون جاهزة بحلول عام 2020.

لكن التوسع العالمي لـ«هواوي» يُواجه ببعض الشكوك، فيزعم مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن الشركة تحصل على إعانات غير عادلة من الحكومة الصينية تسمح لها ببيع معداتها بأسعار منخفضة في أوروبا، الأمر الذي تنفيه الشركة.

وفي شهر أكتوبر الماضي كشفت شركة «تي دي سي» الدنماركية عن صفقة بقيمة 700 مليون دولار لاستبدال معداتها من شركة «إريكسون» بأخرى من إنتاج «هواوي»، وأشار الرئيس التنفيذي لشركة «تي دي سي»، كارستن ديلينج، إلى أن اختيار «هواوي» يرجع لخبرتها التقنية وليس أسعارها.

وفي مثال آخر، افتتحت شركة «جلوري جلوبال سوليوشنز» في المملكة المتحدة التي تنتج آلات النقود المستخدمة في المصارف، مركزاً للبحث في شانغهاي عام 2011، ويطور المهندسون الصينيون في المركز تكنولوجيا استشعار متقدمة تتعرف إلى الخصائص الأمنية المدمجة في الأوراق النقدية لاكتشاف الفواتير المزيفة، وغيرها من الأفكار الجديدة. لكن الرئيس التنفيذي لشركة «جلوبال جلوري» أشار إلى المخاطرة المحيطة بالاستعانة بمهندسين صينيين قد يغادروا الشركة ليُمثلوا منافسين محليين لها.

وبالإضافة إلى ذلك، تدخل الصين شيئاً فشيئاً إلى حقول تكنولوجية متطورة، مثل إنتاج رقاقات الهواتف المحمولة، وعلى الرغم من أن الشركات الأميركية المنافسة في هذا المجال مثل «كوالكوم» و«إنفيديا» لاتزال متقدمة، إلا أن الشركات الصينية مثل «فوتشو روكشيب إلكترونيكس» و«ألوينير تكنولوجي» توسع من انتشارها في سوق متنامية للرقاقات المستخدمة في الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية منخفضة الكلفة، وكانت الحكومة الصينية قد أعلنت الشهر الماضي عن خططها لإنفاق ما يقرب من خمسة مليارات دولار لإيجاد التمويل في استثمارات صناعة الرقاقات الإلكترونية.

وعلى صعيد المنتجات الاستهلاكية، نجح عدد قليل من العلامات التجارية الصينية في التحول لأسماء معروفة في المنازل على الصعيد العالمي، ونجحت العام الماضي شركة «لينوفو» لصناعة الحواسيب في تجاوز «هيوليت باكارد» أو «إتش بي» كأكبر مصنع للحواسيب في العالم من حيث عدد الوحدات المباعة.

ويُمثل ذلك سابقة جديدة تُضاف إلى توسعها العالمي في مجال الهواتف الذكية، وفي الربع الثالث من العام الماضي صُنفت «لينوفو» في المركز الثالث في مبيعات الهواتف الذكية عالمياً بعد كلٍ من «سامسونغ» الكورية الجنوبية و«أبل» الأميركية، وفقاً لشركة «جارتنر» للأبحاث.

كما كونت «لينوفو» عام 2010 فريقاً من مطوري تطبيقات المحمول، وفي منتصف العام الماضي أطلقت تطبيق «كويزي» الذي يعمل مع نظاميّ «آي أو إس» من «أبل»، و«أندرويد» من «غوغل»، ويتيح إرسال الصور ومقاطع الفيديو دون الحاجة لتوافر اتصال بالإنترنت، وخلال الأشهر الأربعة الأولى التي تلت إطلاقه جذب ما يزيد على 30 مليون مستخدم، بحسب بيانات الشركة. ومع النجاح الواضح للشركات الصينية في مجال العتاد، تواجه كحال غيرها من الشركات الآسيوية الأخرى تحدياً مهماً يتعلق بتطوير برمجيات وواجهات استخدام تحظى بقبول الجمهور العالمي، وهو ما نجحت فيه شركة «تينسنت» التي تمتلك تطبيق المحادثة «وي شات».

وسيطرت الشركة منذ أواخر عام 2010 على سوق تطبيقات الرسائل في الصين، وكان أغلب مستخدميها النشطين حينها، البالغ عددهم 272 مليوناً، من الصين، لكن «تينسنت» أنفقت العام الماضي 200 مليون دولار على حملة للدعاية الخارجية للتطبيق في أسواق عدة تضمنت الهند وجنوب إفريقيا وإسبانيا وإيطاليا. وبحسب الشركة، فحصل «وي شات» على أكثر من 100 مليون تحميل من خارج الصين.

وإلى جانب التوسع العالمي للشركات الصينية الكبيرة مثل «هواوي» و«لينوفو» تبرز في المشهد الشركات الناشئة، وفي كثير من الأحيان تُبشر الأفكار الجديدة في الصين مبكراً بصعود اتجاهات معينة في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى سبيل المثال حين فكر رائد الأعمال الصيني تانغ يان قبل سنوات عدة في تطوير تطبيق للمواعدة يربط الغرباء ضمن مساحة جغرافية محددة، اكتشف قلة توافر هذه الميزة في التطبيقات الرئيسة في الولايات المتحدة.

تويتر