الإعلانات الإلكترونية لم تنجح في تغطية التكاليف وتحقيق الأرباح
محدودية الإيرادات تدفع الصحف الغربـية إلى «المحتوى المدفوع»
«ذا نيويورك تايمز» تتيح للقارئ 10 مقالات مجاناً كل شهر ويتوجب الاشتراك للاطلاع على المزيد. غيتي
منذ سنوات، والنقاشات حول تأثير الإنترنت في الصحافة المطبوعة تكاد لا تتوقف، وكثيراً ما تتضمن الحديث حول تهديد الإنترنت للصحف بإتاحته الاطلاع مجاناً على المحتوى وسرعة نشره على نطاقٍ واسع، وضمن مقاومة الصحف للتغيير، سعت إلى تقديم نسخ رقمية من محتواها، إلى جانب منتجات إضافية تلائم جمهور الإنترنت، وكان الأمل أن يساعدها نشر الإعلانات في مواقعها على تغطية تكاليفها، وأيضاً في تحقيق أرباح تُعينها على الاستمرار.
لكن حتى الإعلانات لم تنجح إلى الآن في تحقيق هذه الغايات، ويتراجع الإقبال على نشر الإعلانات في مواقع الصحف وغيرها، نظراً لما تتيحه الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» وموقع «غوغل» من إمكانية توجيه الإعلانات لفئات محددة من الجمهور وفقاً لسماتها العمرية واهتماماتها وشبكة أصدقائها.
وفي مواجهة، ذلك يُقدم عدد متزايد من الصحف في الدول الغربية على البحث عن حلول لإيجاد مصادر أخرى للإيرادات، ومنها اتباع نماذج مختلفة للدفع مقابل المحتوى، أي أن يدفع الراغبون في قراءة المقالات على الإنترنت مقابلاً مادياً نظير القراءة.
ومن بين من تبنى هذا النموذج مدونة «ذا ديش» السياسية، التي تحظى بمليون قارئ شهرياً، التي أعلنت مطلع العام الجاري عن تقديمها بعض المحتوى مجاناً، مع إتاحة اشتراك بقيمة 20 دولاراً أميركياً في العام.
وحسب ما قال محرر المدونة، أندرو سوليفان، لموقع «بي بي سي»: «علينا في وسائل الإعلام أن نجد نموذجاً آخر لا يعتمد على الإعلانات، في الواقع إنها ليست مجدية من الناحية المالية على المدى الطويل».
ومن بين الصحف التي تتبع هذا النموذج «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، التي تتيح للقارئ 10 مقالات مجاناً كل شهر، وبعدها يتوجب عليه الاشتراك للاطلاع على المزيد، وأيضاً صحيفة «ذا تايمز» البريطانية، التي تُتيح مقدمة المقال، وتُوجه القراء الراغبين في استكماله إلى معلومات عن الرسوم المالية اللازمة لمشاهدة بقية المحتوى.
كما تتبع صحيفتا «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية و«فايننشال تايمز» البريطانية نموذجاً للدفع مقابل المحتوى يمزج بين إتاحة البعض منه بشكل مجاني، وبعضه مقابل التسجيل في الموقع، وبعضه الآخر مقابل دفع المال، وتقدم مواقع أخرى عروضاً لاشتراكات مُخفضة الثمن أو مجانية، أو تطرح حزماً تشمل الاشتراك في الموقع، إضافة إلى سلع وخدمات أخرى تابعة لها.
لكن نماذج الدفع مقابل الحصول على محتوى عبر الإنترنت لا تُرضي جميع القراء، كما لا يتفق مع شكلها الحالي بعض المعنيين بمجال الإنترنت، ومنهم مهندس علوم الحاسب البلجيكي، روبرت كايلي، الذي أسهم مع السير تيم بيرنرز لي في اختراع شبكة الإنترنت.
وأشار كايلي إلى أن فكرة «التعامل مع قيمة المعلومات» بدأت تتردد منذ 20 عاماً، وقبلها كان من المستحيل أن يقول أحد الأشخاص: «لقد بذلت جهدي لتنظيم هذه المعلومات لتكون المقالات جديدة ومتواكبة مع العصر، وأريد منك أن تدفع لي مقابلها، مثلاً سنتاً واحداً في كل مرة تنقر فيها على إحدى صفحاتي».
ويعتقد كايلي أن الاشتراكات الشهرية في مواقع الإنترنت مُكلفة ومقيدة للغاية، واقترح بدلاً منها نظام «دفع الاستحقاقات أولاً بأول» المعمول به مع الهواتف المحمولة، واعتبره نموذجاً رائعاً للمحتوى على شبكة الإنترنت، مضيفاً: «عندما تبعث رسالة نصية قصيرة (إس إم إس)، تدفع مبلغاً صغيراً من المال، ينبغي احتساب كل فعل منفرد على حدة».
وأشار إلى إمكانية أن يدفع متصفح الإنترنت سنتاً واحداً أو سنتين (الدولار 100 سنت) مقابل كل صفحة، من دون أن يُشعر مستخدم الإنترنت بذلك، وقال كايلي: «لا ينبغي أن أحتاج لدفع مبلغ كبير من المال بشكل مسبق».
واعتبر كايلي أننا «لسنا بحاجة لاختراع حل، لقد قام الهاتف بهذه المهمة بالفعل، ولدينا نظام في جميع أنحاء العالم يمكنه احتساب قيمة كل خطوة يجريها المتعامل».
من جانبه، اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة «زورا» لإدارة اشتراكات الصحف، تيان تزو، أن «النموذج الذي اقترحه كايلي لدفع سنتين مقابل المشاهدة قابل للتنفيذ، لكنه ليس بالضرورة أفضل نموذج»، وأشار إلى تنوع الخطط المتاحة للاتصالات اللاسلكية ما بين الدفع المسبق، وبعد الاستخدام، واشتراكات العائلة وعطلات نهاية الأسبوع، إلى جانب خطط غير محدودة وحزم شاملة.
وأضاف أن «المستخدمين لا يحبون الشعور بأنهم مقيدين، كأن يتحدثون في الهاتف ويشعرون بأن عليهم تركه جانباً».
ومع ذلك أكد تزو، الذي تتولى شركته في سان فرانسيسكو إدارة اشتراكات «نيوز إنترناشيونال»، الشركة الأم لصحيفة «تايمز» و«فايرفاكس»، التي تمتلك صحفاً عدة في أستراليا، أن «الإعلام على شبكة الإنترنت لا يمكن له أن يصمد من دون الاشتراكات».
وأقر بوجود قيمة كبيرة في النماذج التي تعتمد على إتاحة المزايا الأساسية مجاناً، وتحصيل الرسوم مقابل المحتوى والخدمات الإضافية، مثل «دروب بوكس» للتخزين السحابي، و«إيفرنوت» لتدوين الملاحظات، لكنه قال إنه «في نهاية المطاف ستحتاج هذه النماذج إلى أن يدفع مستخدموها، وهذا هو الأساس الاقتصادي الأفضل لمؤسستك».
وأشار تزو إلى مضي وقت الكسب المفاجئ، فلم تعد الإعلانات قادرة على تقديم مزيد من الأموال لدعم الصحافة.
وعموماً، وحتى الآن مازلنا نحصل على أغلب المحتوى المنشور على الإنترنت مجاناً، لكن هذا لا ينفي حاجة صناعة الصحف والنشر للبحث عن طريقة توازن بها بين عادات التصفح ورغبات القراء من جانب، وبين حاجتها لإيرادات تُعينها على الاستمرار والتطور، وهو الحل الذي يبدو بعيداً نوعاً ما.