رقم صامد في سجلات «كأس دبي العالمي» منذ 23 عاماً

«دبي ملينيوم».. «أعظـم حصــــان»

صورة

تناول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في كتاب «قصتي»، جانباً من العمل الرياضي الكبير لسموه خلال ممارسته رياضة الفروسية وركوب الخيل، والمشاركة في سباقات القدرة، وروى في أحد الفصول الذي حمل عنوان «أعظم حصان» قصة الجواد الأسطوري «دبي ملينيوم»، الذي سطّر العديد من الإنجازات والبطولات، من بينها انتصار الجواد في «كأس دبي العالمي» لعام 2000، برقم صامد منذ 23 عاماً لم يستطع أي حصان تحطيمه، حين فاز «دبي ملينيوم» بزمن قياسي بلغ دقيقة و59 ثانية و50 جزءاً من الثانية، بفارق ستة أطوال عن أقرب منافسيه.

ويفوح بين سطور كتاب «قصتي» مدى عشق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (فارس العرب) للخيل، ومعرفة سموه لأنسابها وأصلها وتاريخها ومسمياتها، إذ يتجلى عشقه للخيل في عشرات القصائد التي نظمها سموه.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن حياة «أعظم حصان» امتلكه: «كان عندي حصان هو أعظم حصان امتلكته في حياتي، كان اسمه صغيراً (يزار)، وجرت العادة أن نعطي المهر اسماً وهو صغير حتى نرى قدراته، ثم نغير الاسم بعد أن يثبت جدارته، لكن منذ أن وقعت عيني عليه مهراً صغيراً، عرفت أن فيه حصاناً عظيماً، والخيل العظيمة لها علامات، وكان هناك حصان واحد، واحد فقط امتلكته في حياتي، وكان مثالياً بكل خصائصه ومقاييسه».

ويطوف سموه في عوالم الخيل عبر تحديد العلامات التي تكشف عظمة الخيل، ويقول: «كان مثالياً بكل خصائصه ومقاييسه، بدا لي أفضل من الحقيقة منذ صغره، كانت مشيته مختلفة، تمنحه فرادة وتميزاً عن سواه، كان يركض قافزاً بوثبات طويلة، وبأسلوب مثير للإعجاب، حتى قبل أن يتكمل نضجه ونموه، كان يقوم بحركات التفافية تثير إعجاب كل من ينظر إليه، كانت مشيته تكفيني لأعرف أنه هو دون أن أراه، كانت له هيبة، بوقفته الشامخة، ولونه البني الداكن، أسميناه (يزار) صغيراً، ثم (دبي ملينيوم) كبيراً، أسطورة السباقات الذي ملك قلب».

وأضاف سموه: «كان (دبي ملينيوم) حصاناً يحب الفوز، ولكن على طريقته، كان يسابق بالطريقة التي يراها هو مناسبة دون الاستماع كثيراً لمن يمتطيه، كان مختلفاً، ينطلق منذ البداية بأقصى سرعته، ويستمر متفوقاً حتى النهاية، لم يكن يحب الفوز بفارق بسيط أبداً، كان يحب التباهي، كان يكسر عزيمة منافسيه بقوة منذ البداية، بل كان يلغي وجودهم، ويحط من قيمتهم بشدة، لدرجة تقعدهم عن الجري كالسابق مرة أخرى، لم يكن ينافس بطريقة الند للند، إنما كان يعشق الانفراد دائماً، كأنه يطلب من الأحصنة الأخرى اللحاق به، وكان ذلك يحطم قلوبها!

لكن الحصان العظيم لا يليق به إلا سباقات عظيمة، وبعد جولاته وصولاته على المضامير في أوروبا وأميركا، قررت أن أشركه في أعظم سباق عالمي (كأس دبي العالمي للخيول لعام 2000)، لأنه يستحق أن يكون بطلاً لكافة المضامير، مضامير العشب ومضامير الوحل، هو بطل استثنائي، ويستحق أن يكون بطل العالم».

وتابع سموه: «أشرقت شمس 25 مارس 2000، في كأس دبي العالمي للخيول، يوم طال انتظاره، بعد عدد من الاجتماعات الصباحية السريعة، قمت بجولة تفقدية بعد الظهيرة، وحانت اللحظة الحاسمة، واكتظ المضمار الذي بدا كلؤلؤة مضيئة في أرض دبي بشعارات الآلاف من المتابعين المتحمسين، كان الكثيرون يترقبون مشاركة (دبي ملينيوم) في كأس دبي العالمي للخيول للمرة الأولى».


محمد بن راشد:

• «منذ أن وقعت عيني عليه مهراً صغيراً، عرفت أن فيه حصاناً عظيماً».

• «كان يسابق بالطريقة التي يراها هو مناسبة دون الاستماع كثيراً لمن يمتطيه».

• «منذ صغره، كانت مشيته مختلفة، تمنحه فرادة وتميزاً عن سواه».


حصل «دبي ملينيوم» على تصنيف «تايم فور» البالغ 140 رطلاً، وهو ثامن أعلى تصنيف يمنح لحصان منذ تأسيس المنظمة، نظراً لنتائجه وانتصاراته التسعة في مشاركاته الـ10 بعالم السباقات بين عامي 1998 و2000.

وجاءت بداية «دبي ملينيوم» نحو الانتصارات، بعمر السنتين، في أداء رفيع كسب خلاله سباقاً للفئة «المبتدئة» على مسافة الميل (1600 متر) عشبي، على مضمار «بارموث» البريطاني بفارق خمسة أطوال، بعدما اتجه الفارس فرانكي ديتوري لإراحته في المراحل الأخيرة.

انتقل «دبي ملينيوم» إلى إسطبل المدرب سعيد بن سرور، وخاض مشاركته الأولى في عمر الثلاث سنوات أوائل مايو 1999، حين اكتسح المهر منافسيه بفارق تسعة أطوال في سباق ضمن الفئة «المشروطة» جري على مضمار «دونكاستر»، ثم عاد سريعاً بعد أسبوعين ليسطر أول انتصار له في سباق رئيس، حين اندفع من خلف الصفوف ليربح سباق «بريدومنيت ستيكس» على مضمار «غودوود» البريطاني، بفارق ثلاثة أطوال ونصف الطول.

وأتيحت للمهر فرصة المشاركة في «الديربي الإنجليزي»، غير أن الأمور لم تمض لمصلحته في ذلك اليوم، وكانت الخسارة الوحيدة في مسيرته المتوهجة، قبل أن يستعيد المهر مستواه المعهود بفوزه في سباق «بري بوجين أدام» لخيول الفئة الثانية «جروب2»، متبوعاً باقتناصه انتصاره الأول في سباقات الفئة الأولى «جروب1» الأعلى تصنيفاً عالمياً بفوزه في سباق «بري جاك لو مروا» على مضمار «دوفيل» في فرنسا، حيث تفوق على رفيقه في «غودولفين»، والفائز سلفاً في الفئة الأولى، المهر «سليكلي».

أنهى «دبي ملينيوم» حملة مشاركته في ذلك الموسم بانتصارٍ عريض بفارق ستة أطوال في سباق «كوين إليزابيث الثانية ستيكس» لخيول الفئة الأولى «جروب1» في مضمار «أسكوت»، ثم سافر إلى دبي لقضاء فصل الشتاء، حيث تعاظمت الآمال بأن إنجازه الأعظم لم يتحقق بعد، لتمنح للجواد مع بداية الألفية الجديدة استهلال تحضيراته لـ«كأس دبي العالمي» بفوزٍ كاسح في ظهوره الأول بمضمار «ند الشبا» نحو فوز سهل بفارق أربعة أطوال ونصف الطول في سباق «تحدي آل مكتوم»، ما هيأه للمنافسة في أغنى سباق للخيول في العالم بعد بضعة أسابيع، والانتقال إلى الأمسية الكبيرة «كأس دبي العالمي» الذي قدم فيه كعادته أداءً مثيراً للإعجاب، بعد أن اعتلى الصدارة منذ البداية، والابتعاد عن منافسيه في المسار المستقيم، ليكسب في نهاية المطاف لقبه في «كأس دبي العالمي» بفارق ستة أطوال عن صاحب المركز الثاني الجواد «بيهرنس»، في أداء مذهل، كسر فيه الزمن القياسي بنحو نصف ثانية.

عاد «دبي ملينيوم» إلى بريطانيا ربيع عام 2000، لينجح بأسلوبه المعتاد في قيادة المنافسة منذ البداية وحتى خط النهاية، في اكتساح منافسيه في سباق «برينس أوف ويلز ستيكس» لخيول «جروب1» في مهرجان رويال أسكوت، حيث فاز بما لا يقل عن ستة أطوال.


دبي ملينيوم في سطور:

- الميلاد: 20-03-1996.

- النسل: سيكينغ ذا غولد.

- عدد السباقات التي شارك فيها: 10.

- عدد الانتصارات: 9.


«داء العشب» يدفع «الاســــتثنائي» لخسارة سباقه مع المرض

أصيب «دبي ملينيوم» في 22 أبريل 2001 بوعكة صحية، وفي اليوم التالي خضع لعملية جراحية، بسبب تعرضه لنوبة مغص، وعلى أثر العملية حدثت مضاعفات، وفي 24 أبريل تم تشخيصه بـ«داء العشب» الحاد.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «هذه الجملة هي آخر ما ترغب في سماعه، فهذا المرض هو حكم الإعدام! حفنة من العشب كانت كفيلة بالقضاء عليه، يصيب (داء العشب) الأعصاب التي تتحكم بالجهاز العصبي للخيول، فلا يستطيع جسده المقاومة».

وأضاف: «في 25 أبريل سافرت من دبي إلى نيو ماركت للبحث فيما يمكننا فعله، إلا أن حالته تدهورت بعد أيام، وأجريت له عملية ثالثة يوم الأحد 29 أبريل، وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها مع فريق من أفضل الأطباء، فقد كان واضحاً أنه ما من حل لمشكلته، اضطررت لاتخاذ أقسى قرار يمكن أن يتخذه مالك خيل، أقسى قرار يمكن أن يأخذه محب وصديق للخيل مثلي، أقسى قرار يمكن أن تأخذه وأنت تعرف أنك تملك أعظم حصان في العالم، قرار مؤلم بإنهاء حياته، ووضع حد لمعاناته الشديدة».

وتابع سموه: «بعد العملية الثالثة، أعطيت أوامري بأن يتركوه ليموت في هدوء، لم يفق (دبي ملينيوم) من غيبوبته تلك بعد العملية، ومازلت لم أفق من أجمل حلم عشته مع أجمل صديق وأعظم حصان في العالم».


«اترك له حرية التصرف ودعه يجري في السباق كما يحلو له»

أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى التعليمات الأخيرة التي وجهت للفارس فرانكي ديتوري، بقوله: «جاءني فرانكي لأخذ التعليمات النهائية، قلت له باختصار، لا تقاتل الحصان، إذا أراد الانطلاق، لا تردعه ولا تقاوم اندفاعه، حاول التماشي مع طاقته».

وأضاف: «لقد كان (دبي ملينيوم) مختلفاً عن بقية الخيول، كان على الخيال أن يترك له حرية التصرف، وألا يقوم بشيء، بل يدعه يجري في السباق كما يحلو له، لقد كانت سرعته الطبيعية أكبر بكثير من سرعة الخيول الأخرى، ومن دون بذل جهد إضافي، لم تكن الخيول قادرة على مجاراته في تلك السرعة، كان فرانكي يقول دائماً إنه يخشى امتطاء (دبي ملينيوم)، ليس لأنه حصان خطر، بل لأنه قوي، وكان فرانكي يقول إنه لم يرَ في حياته حصاناً بهذه القوة، ولم تكن هذه قوة بلا عقل، فقد كان (دبي ملينيوم) يعلم تماماً ما الذي يقوم به، كان يعلم أن عليه الركض من هذه النقطة إلى تلك وبأقصى سرعته، ولن يتمكن أحد أن يوقفه أو يكبح جماحه، لقد كانت قوته فريدة من نوعها، قوة لن تتكرر أبداً».

انتصار وإنجاز

انتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى سرد تفاصيل السباق، وقال: «انطلق (دبي ملينيوم) بشكل جيد من بوابته، وبدأت الجياد تطيع خيالتها بالتهدئة بعد الانطلاقة السريعة، لكن (دبي ملينيوم) بدا منزعجاً من ذلك، ورأيت فرانكي وهو يحاول التخفيف من هجوم (ملينيوم) الضاري، إلا أن (ملينيوم) لم يكترث لذلك، وبدت محاولات فرانكي يائسة للتخفيف من سرعته، كان يحاول الجلوس في أبعد نقطة على ظهر الجواد في الخلف، والاتكاء بكل وزنه على فم (ملينيوم) للتخفيف من اندفاعه، لكن (ملينيوم) واصل انطلاقه كالصاعقة في المقدمة، غير عابئ بمحاولات التخفيف من سرعته، بدأت أسمع تعليقات الناس من حولي عن السرعة المذهلة التي انطلق بها (ملينيوم)، فقد بدأ يجري كأن النار تشتعل في جسده، بدأوا بلوم فرانكي على الخسارة التي سيتسبب بها للحصان، وارتفعت أصواتهم وهم يرددون: ماذا يظن نفسه فاعلاً؟».

وأضاف سموه: «كنت أرى (ملينيوم) يتصرف كأن المضمار لعبته، لكني تساءلت في نفسي: ماذا يمكن لانطلاقة صاروخية كهذه أن تعني للسباق! كلما تقدمنا في السباق، راودني هذا السؤال من جديد، ماذا كان يفعل؟ لماذا كان فرانكي يمتطي الحصان بهذه السرعة؟ بهذه السرعة الجنونية، لن يتمكن الحصان من مواصلة السباق، وبكل تأكيد ستلحقه الجياد الأخرى وتسبقه، وكان مرافقو أخي الشيخ مكتوم يصيحون بأعلى صوتهم: هذا الخيّال الغبي سيكون السبب في خسارتنا للسباق! لن يتمكن أي حصان - مهما كانت قدرته - من الحفاظ على هذه السرعة حتى نهاية السباق!».

وتابع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بقوله: «سمع مكتوم هذه التعليقات، وأدار برأسه نحوي، ونظر إليّ نظرة خاطفة، قبل أن يعود لمتابعة هذا العرض المذهل، فقد كان مثلي تماماً، مؤمناً بقدرات (ملينيوم)، فعلى الرغم من أن أداء (ملينيوم) كان ينافي المنطق والعقل، إلا أنني كنت متيقناً بأنه سيفوز، لقد كان يعي تماماً الذي يفعله، لأنه حصان ليس كبقية الخيول،

هذا الحصان ذكي جداً، لدرجة أنني عندما جلست معه في الإسطبل الليلة السابقة، وأخبرته بمدى أهمية هذا السباق بالنسبة إليّ، كان كأنه يهزّ رأسه موافقاً، أكاد أجزم أن هذا الفرس يفهم ما نقوله، أما حين لا يوافق على ما أقول، فكان يقوم برفع رأسه فتتحرك خصلة شعره الأمامية في الهواء، هو حصاني وصديقي الأقرب إلى قلبي وأنا أعرفه».

تويتر