أوديغارد.. فتى الملاعق الذهبية الذي نجى من «صفقة العلاقات العامة»

لطالما ترسخت في ذاكرة جماهير كرة القدم أن النشأة الفقيرة هي وحدها من تصنع نجومية اللاعبين لحاجتهم الماسة لرفع أسرهم من تحت خط الفقر إلى أعلى نقطة من عالم الرفاهية والترف والبذخ والاضواء، ورغم كون أنها حقيقة جزئية خاصة وأن الفقر يدفع اللاعبين في أرضية الملعب لتقديم أفضل ما لديهم أملاً في الحصول على عقود من الأندية الكبيرة إلا أنه في المقابل هناك لاعبين صعدوا سلم النجومية رغم أنهم ولدوا وفي فمهم ملاعق ذهبية على غرار قائد فريق أرسنال الإنجليزي مارتين أوديغارد.

كانت 5 ألف جنيه إسترليني تمثل مبلغاً كبيراً للغاية في عام 2005 خاصة إذ ما كان قد تم دفعه كمساهمة من أجل تطوير ملعب الحي في مدينة درامن النرويجية، وهو ما يعكس مستوى الترف الذي نشأ فيه أوديغارد، إذ دفع والده وحوالي عشرة آباء آخرين مبلغا قدره 50 ألف جنيه إسترليني لتطوير الملعب، الذي يقع على بُعد بضع مئات من الأمتار من الفيلا الفخمة التي تعيش فيها العائلة.

وأشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى أن الملعب كان مصنوعا من الحصى كما هو الحال مع معظم الملاعب الأخرى في هذا الجزء من النرويج إذ صمم ليكون قويا ومتينا حتى يستمر في حالة جيدة لفترة طويلة، لكنه في المقابل كان لا يساعد اللاعبين على التحكم في الكرة.

ولم يكن المال يمثل أي عائقاً لعائلة أوديغارد، التي تمتلك سلسلة من متاجر الملابس الراقية، وكان والده هانز لاعباً سابقاً، لكن كانت لديه طموحات أكبر لابنه مارتن الذي كان ومنذ السادسة من عمره قادرا على تسديد الكرة بسرعة 40 ميلا في الساعة، ويتمتع بمهارات غير عادية، وربما لم يكن يتوقع هانز آنذاك أن العشب الاصطناعي الذي ساهم في دفع ثمنه سيساعد نجله على الوصول إلى قمة لعبة كرة القدم على المستوى الاحترافي ويرتدي حالياً شارة قيادة «المدفعجية.

ورغم النشأة المترفة فإنه هذا لا يعني أن طريق أوديغارد كان مفروشا بالورود إذ أن النقطة الأكثر إثارة للاهتمام في قصة أوديغارد هي الطريقة التي تغلب بها على الشدائد والصعاب، فمنذ اللحظة التي تمكن فيها أوديغارد من ركل الكرة تقريبا، كانت كل العوامل تشير إلى أنه سيكون لاعبا كبيرا في يوم من الأيام، بمعنى أنه إذا قام الجميع بواجبهم على النحو الأمثل فستكون هذه هي النتيجة الطبيعية والمنطقية في نهاية المطاف لكنه واجه صعوبات مختلفة.

بدأت الصعوبات حينما انتقل لنادي ريال مدريد، مقابل 2.3 مليون جنيه إسترليني وهو في سن السادسة عشر من عمره مع وجود عدد من البنود المحددة ومن بينها وظيفة لوالده هانز في أكاديمية الناشئين بالنادي وهو ما جعل مدرب الفريق كارلو أنشيلوتي، هذه الصفقة في وقت لاحق بأنها «صفقة علاقات عامة».

وأمام استبعاد أنشيلوتي لللاعب الشاب غادر الأخير على سبيل الإعارة إلى هيرينفين وفيتيسه في الدوري الهولندي الممتاز، وقدم موسما رائعا مع ريال سوسيداد، وحينما عاد بمعنويات وعالية وأمالاً كبير إلى «الميرينغي» واجه ذات الصعوبة، وكانت الصدمة الكبيرة حينما قال أنشيلوتي: «لقد أخبرت أوديغارد أن هناك ثمانية لاعبين في مركزه».

وفي ذروة الصعوبات لعب الحظ دورا محورياً في مسيرة أوديغارد إذ أن المشاكل المالية التي تعرض لها ريال مدريد بسبب تفشي فيروس كورونا اضطرته لبيع اللاعب في صيف عام 2021، ولولا أثار «الجائحة» تلك لكان من الممكن أن يهدر أوديغارد أفضل سنوات مسيرته الكروية وهو يجلس على مقاعد البدلاء في ريال مدريد ويشاهد لوكا مودريتش وتوني كروس وفيدي فالفيردي وهم يلعبون.

لقد كان الانتقال لصفوف أرسنال بمثابة الضوء في آخر النفق الذي دخله أوديغارد إذ لم يكن النادي اللندني بنفس الضعف الذي كان عليه طوال العقد الماضي، بل كان هناك مشروع واضح للبناء والتطور بإشراف مايكل ارتيتا، وبالفعل تم تكوين خط وسط مذهل.

 وتعطي الطريقة التي يلعب بها أوديغارد انطباعاً بأنه يلعب من أجل الاستمتاع في المقام الأول والأخير، وأن الطريقة التي ينزلق بها على الملعب كما لو كان يسير على عجلات متحركة، وأنه يلعبه بكل هدوء وثقة دون أي توتر حتى عندما يستلم الكرة في أصعب المواقف ومن حوله عدد كبير من لاعبي الفريق المنافس.

 ومن بين الأسباب التي تجعل أوديغارد قادرا على مساعدة اللاعبين الشباب بأرسنال على التركيز والابتعاد عن التأثيرات السلبية للأضواء والشهرة أنه هو نفسه قد مر بهذه الظروف من قبل وهو في سن صغيرة.

ويحمل أوديغارد حالياً شارة قيادة منتخب النرويج ونادي آرسنال كما أنه بجوار كيفن دي بروين وبرونو فرنانديز في فئة أفضل لاعبي خط الوسط في الدوري الإنجليزي الممتاز وقد يبدو أنه شيء غير معقول إلى حد ما، لكن بالنسبة لعائلة أوديغارد فإن هذا هو ما خططوا له بالضبط منذ البداية.

 

تويتر