زواره تستوقفهم حضارته التي تعود بهم إلى زمن البكوا

«فهمي بيك».. شارع الخلافة العثمانية بغزة الأكثر ازدحاماً في رمضان

صورة

من بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، إلى مدينة رفح الموجودة على الحدود المصرية جنوباً، يمتد طريق طويل إلى أكثر من 40 كيلومتراً، ولكن المتنقل بين تلك المنطقتين قاطعاً تلك المسافة لا يمكن إلا أن تطأ قدمه شارع فهمي بيك الواصل بين محافظات غزة الخمس، ومخيمات اللاجئين السبعة.

المارّون عبر هذا الشارع بشكل دائم تستوقفهم حضارته العريقة التي تحلق بهم إلى زمن البكوات، ليشتمّوا عبق تاريخه الذي ينثر شذاه في أرجاء البلدة القديمة في غزة هاشم، لتكون بوابتها وعنوانها العريق، فيما تجذبهم البضائع المعروضة على جنبات الطريق في جميع المحال التي يحتضنها الشارع، والتي تلبي كل احتياجاته اليومية والضرورية.

«فهمي بيك» هو شارع ضيق أقرب للزقاق إلا أنه يحمل بين جنباته قصصاً متعمقة في تاريخ مدينة غزة، فعلى امتداد أمتارها المعدودة ترتسم خارطة المكان التاريخي الذي تقع فيه بين ساحة الجد الثاني للنبي محمد صلى الله عليه وسلم «هاشم بن عبد مناف» وبين قبره، فعلى الرغم من مضي مئات السنوات إلا أن المكان بقي كما هو، لم يتغير شيء، سوى أنه ازداد تزاحماً، وكثر مرتادوه من العابرين والمتسوقين والباحثين عن عبق الماضي بين جنباته.

مظاهر رمضانية

فهمي بيك الحسيني

أُطلق على الشارع التاريخي هذا الاسم نسبة إلى فهمي بيك الحسيني المولود في غزة سنة 1886م في زمن الخلافة العثمانية، والذي يعد من الشخصيات الوطنية والقانونية المشهورة في فلسطين، وعلى الرغم من تعاقب الحضارات والعصور إلا أن مسار الشارع بقي على حاله.

درس القانونَ في إسطنبول، وعاد إلى وطنه فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى.

يعجّ شارع فهمي بيك على مدار الوقت بالمارة والباعة، ولكن في شهر رمضان يتحول إلى سوق ومزار مركزيين لكل سكان القطاع، ليعكس من المظاهر التاريخية ما يكفي ليأخذ المارّة في رحلة قصيرة متوغلة في القدم إلى زمن الخلافة العثمانية، ليبقى من ذلك الزمانِ إلى الآن الوجهة الأولى والأهم للسكان الغزيين.

«الإمارات اليوم» جالت شارعِ فهمي بيك، متجولة بين جنباتِ هذا الشارعِ القصيرِ في طولِه، العميقِ في تاريخِه، فللوهلة الأولى يبدو لك أن كرنفالاً ضخماً يسير على طول الشارع، فالأصوات المتناثرة هنا وهناك تشد سمعك لترى ما يدور حولك، لترى أناساً يحملون بأيديهم بعضاً مما اشتهته الأنفس.

ويصف الحاج الثمانيني أبوياسر الوحيدي أجواء رمضان في رحاب شارع فهمي بيك، قائلاً: «في شهر الصيام يقفل الشارع من الجهة الشمالية، أمام السيارات والمركبات، حيث يعج بالمارة من الصغار والكبار، فيما يتزين بالفوانيس الرمضانيةِ، ويعرض أصحاب المحال بضاعتهم لجذب المتسوقين».

ويضيف «في الماضي كان أكثر ما يميّز هذا الشارع بائع القطايف والعوامة، وبائع العرقسوس والخروب، أما اليوم تعددت محال بيع الحلويات الشرقية إلى جانب القطايف، وتنوعت محال المكسرات والعصائر، وانتشرت كذلك بقالات المواد الغذائية ومحال بيع الأدوات المنزلية والكهربائية».

و يرى الخمسيني وائل العلمي، صاحب محل تجاري قديم في شارع فهمي بيك، أنه على الرغم من انتشار أماكن ومناطقَ تجارية كثيرة في القطاع، إلا أن شارع فهمي بيك يزدحم بالناس في ليالي رمضان، فقد اعتاد الرجالُ شراء كل احتياجات رمضان منذ طفولتهم مع آبائهم وأجدادهم، فبمجرد النزول لشارع فهمي بيك في هذا الشهر الكريم، يعود شريط الذكريات محملاً بعبق الماضي.

ويقول العلمي: «إن شارع فهمي بيك يعد قبلة السكان من كل مكان، حيث تجد المارة وكأن حواسهم تتحرك، فنظرهم يلاحق الأصناف المعروضة، ويقلب فيها ما يستهويه».

تاريخ طويل

أطلق على هذا الشارع التاريخي هذا الاسم نسبة إلى فهمي بيك الحسيني، المولود في غزة سنة 1886م في زمن الخلافة العثمانية، والذي يعد من الشخصيات الوطنية والقانونية المشهورة في فلسطين، وعلى الرغم من تعاقب الحضارات والعصور إلا أن مسار الشارع بقي على حاله. وللحديث عن تاريخ شارع فهمي بيك تقول مشرفة المواقع الأثرية في وزارة السياحة والآثار، هيام البيطار: «ولد فهمي بيك الحسيني عام (1886) في عهد الخلافة العثمانية، وتوفي عام 1940، فقد درس القانونَ في إسطنبول، وعاد إلى وطنه فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت آنذاك غزة مدمرة، فأعاد إعمارها من جديد». وتلخص البيطار إنجازات فهمي بيك الحسيني، قائلة: «كان رئيساً منتخباً لبلدية غزة عام 1928، وبفضله تغيرت ملامح المدينة، حيث أنشأ مشروع المياه الذي يخدم غزة الجديدة، وفتح مدرسة البلدية للإناث، واستكمل إنشاء المستشفى البلدي، وهو من أنشأ متنزهَ البلدية الشهير، كما بنى السوق الكبير، وأمد المدينة بالكهرباء عام 1938». ومن أهم المعالم القديمة في الشارع، بحسب البيطار، المقهى الشهير الذي تردد عليه كبار الشخصيات في العصور المتعاقبة الماضية، بالإضافة إلى غالبية المحال التجارية الموجودة حتى هذا الوقت، أما العيادات الطبية ومكاتب المحاماة فهي من المعالم الحديثة التي ظهرت في شارع فهمي بيك، نظراً لشهرته واكتظاظه بالمارة من كل الأماكن.

تويتر