المرصد

«حروب.. وكاميرات»

لم تعد الكاميرا آلة توثيق للنزهة والرحلة، ولا مجرد آلة التقاط صورة عابرة تستخدم في الدعاية، بل أصبحت بعد الحرب في أوكرانيا وغزة عنصراً رئيساً في المعارك، وصل إلى حد رفع الجنرالات شعار «اترك سلاحك ولا تترك الكاميرا الخاصة بك».

وتصدرت الكاميرا حديث الناس في الحرب، وأصبح الجدل عن «كاميرا الخوذة»، وكاميرا «غوبرو»، أكثر تكراراً من الحديث عن أنواع السلاح، بل إن خبراء تحدثوا عنها كما لو كانت هي في حد ذاتها سلاحاً.

ويؤرخ جوهن وادي في موقع «التاريخ العسكري الآن» لبدايات استخدام الكاميرا في الحروب، بمناسبة مرور 100 عام عليها، فيروي كيف كان المتحاربون في حرب القرم 1853 لم يحملوا فقط كاميراتهم معهم، بل حملوا أيضاً «غرفهم المظلمة» لتحميض الصور. ويؤرخ الكاتب فيدريرشيو سيلفيني في مقال له بموقع «يونسيوس» لفترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بوصفها النقطة الزمنية لبداية الاستخدام الفعلي، لكن المسافة بين الاستخدام البسيط منذ تلك الأزمنة والقفزة التي وصل إليها الاستخدام في حروب 2024 هائلة، بعد أن أصبحت الكاميرا المثبتة فوق خوذة المقاتل تتجاوز دوره المباشر، وتتحول إلى مقاتل مواز يتفاعل مع إدارة عمليات من خارج الميدان، كما تمثل بذاكرتها الرقمية كنز معلومات للخصم.

ويشير خبير الإعلام الرقمي وتكنولوجيا المعلومات محمد الحارثي، في حديث له لـ«سكاي نيوز» إلى أن «كاميرات الحروب» تطورت كثيراً بفعل التقنيات الحديثة، منها ما يخص المراقبة والمتابعة مثل «إيغل آي»، ومنها ما هو معتمد على آليات الذكاء الاصطناعي، علاوة على «غوبرو» التي تتابع ما يجري في الميدان، ويتابع الحارثي، «هناك المدمجة في طائرات الاستطلاع أو في الدرون، وهناك المزودة بخاصية الاستشعار عن بعد وتفرق بين العنصر البشري والجماد، والطفل والشاب، والمسلح والأعزل، وهناك المزودة بقدرة حاسوبية وغير ذلك».

ويقول الخبير الاستراتيجي حمدي بخيت: «على الرغم من أن العقيدة القتالية تستوجب عدم ترك الميدان تحت أي ظرف، إلا أنه قد يكون هناك مجال لترك السلاح، لكن لا مجال لترك الكاميرات، لخطورة ما تحمله من معلومات وبيانات ومقاطع مصورة».

ويرصد أستاذ الإعلام الجديد في الجامعة الأميركية شادي أبوعياش، الجانب المقابل في دور الكاميرا، علاوة على جانبها الميداني، فيقول إن «عنصر الصورة أصبح شديد الأهمية، فكل طرف يحاول تقديم صورة من نمطين، أولهما أنه ضحية له حق الدفاع عن نفسه، وثانيهما أنه منتصر ميدانياً»، وهو دور لا يمكن إنجازه إلا بتجاوز البروباغندا اللفظية التقليدية القديمة التي لم تعد تقنع أحداً، وتتماشى مع الإعلام الجديد، الذي أضحت فيه «اللقطة الذكية» أكثر إنباء من كل الكتب.

تويتر