المرصد

الإعلام.. والزلزال

بمجرّد أن انتهى الجانب الإغاثي والإنساني في كارثة «الزلزال الكبير» الذي وقع في تركيا وسورية، أخيراً، كان السؤال الأبرز الذي تصدر المشهد، هل وفّق الإعلام في نقل الصورة بموضوعية ومهنية وحيادية؟

ابتداءً، أجمع خبراء الإعلام على أن الإعلام نجح في نقل الصورة الإنسانية لحظة بلحظة إلى المشاهد، بشكل حفظ فيه الناس تفاصيل الحالة، فعرفوا ما معنى «فترة صمت» وكتموا أنفاسهم مع الصامتين في انتظار وجود ناجٍ محتمل، وحفظوا تقنيات الحفر ومراحله، وهو مؤشر يحسب للعصر الإعلامي الذي نعيش فيه.

على أن هذا النجاح في رأي الخبراء، لم يحل دون اختلاف وجهات النظر في تقييم دور الإعلام في نقطتين مهمتين، الأولى؛ دور الإعلام في تمكين المشاهد من الفهم العلمي للحدث، والثانية؛ تورّطه أحياناً في محاولات «تسييس الحدث».

في الأولى يعيب البعض على الإعلام أنه رغم كل المادة والتفسيرات العلمية المهمة التي أتاحها للمشاهد عن الزلازل، وطبيعة المناطق التي وقع فيها، إلا أنه ركز كثيراً على «نبوءة» العالم الهولندي فرانك هوغربيتس، الذي غرد فيها على صفحته على موقع «تويتر» قبل الحدث بالقول: «عاجلاً أم آجلاً سيقع هناك زلزال بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر في المنطقة جنوب ووسط تركيا وسورية ولبنان».

لكن، على الرغم من أن هوغربيتس تنبأ بعد ذلك «بانتقال الزلزال إلى مصر ولبنان وشمال إفريقيا»، وهو أمر لم يحدث، وبالرغم من هجمة المجتمع العلمي عليه، وعلى رأسهم شخصيات مثل العالم، مارتن فان دن اندي، الذي رفض بالكلية منهج هوغربيتس الذي رفض الربط بين الزلزال وحركة الكواكب، أو الخبير اللبناني سمير زعطيطي الذي وصف هوغربينس بأنه «مزعج ولا يستطيع تحديد ما في الأرض من تفاعلات»، إلا أن وسائل إعلامية كثيرة أصرت على أن تحاور غربينس المرة تلو المرة وتبرز نبوءاته بشكل لافت، ربما لطرافة فكرة التنبؤ وجاذبيتها إعلامياً وصحافياً.

أما المحور الثاني في التغطيات الإعلامية، والذي لاقى انتقادات، فهو ميل بعض وسائل الإعلام إلى التورط في محاولات «تسييس» الحدث، رغم هول الكارثة ووقعها الإنساني، سواء في تغطيات توزيع جهود الإغاثة، أو المسؤول عن السماح بوصولها، أو عدم وصولها، أو من حيث مستوى الجهد المبذول، أو التهويل أو التهوين من الأخطاء، وذلك حسب وضع وموقف كل منصة.

يتنادى الإعلاميون كل فترة بضرورة إعلاء الصحافة الإنسانية، وقد نشر الهلال الأحمر الأميركي عام 2018 «ستايل بوك» لها بعنوان «دليل القصص ذات البعد الإنساني»، لكن لا شيء سيكون أكثر وقعاً من أن تولد من رحم الكارثة، التي هزت الإنسانية كلها بضع سطور تضاف لمثل هذا الدليل.

يعيب البعض على الإعلام أنه رغم كل المادة والتفسيرات العلمية المهمة التي أتاحها للمشاهد تركيزه على «نبوءة» العالم فرانك هوغربيتس.

تويتر