المرصد

الصحافة حين تحرّر سجيناً جنائياً

ضمن التعبيرات التي تطلق على الصحافة، هو وصفها بأنها «سلطة رابعة»، وهو تعبير مجازي إلى حد كبير، يؤشر إلى امتلاكها سلطة تأثير معنوية توازي السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. لكن ماذا لو أضحت الصحافة قوة تاثير مباشرة بالفعل، يصل بها الأمر إلى القدرة على إطلاق سجين من محبسه، بعد أن استقر حكم قضائي على إدانته وإيداعه السجن لمدة 20 عاماً؟

هذا ما حدث بالضبط في قصة السجين الأميركي عدنان السيد، الذي أُطلق سراحه الإثنين الماضي.

فقد اتهم عدنان مسعود السيد في أواخر التسعينات بقتل الأميركية من أصل كوري، ماي مين لي، التي اختفت من منزلها في بلتيمور بميريلاند لمدة شهر كامل، ثم وجدت جثتها بعد ذلك في «ليكنغ بارك» بعد أن قُتلت خنقاً.

حامت الشبهات في الجريمة حول عدنان، وتوالى ما بدا أنها أدلة وقرائن لتحول الاشتباه إلى اتهام ثم إدانة، ولم يبدُ وسط هذا الإحكام ولو ثغرة واحدة تشكك في إدانته، حتى صدر عليه حكم بالسجن مدى الحياة عام 2014.

لكن المصادفة شاءت أن تقوم الصحافية الاستقصائية، سارة كوينغ، بإنتاج حلقات استقصائية عن الجرائم الكبرى في الولايات المتحدة، وبسبب تلقيها رسالة صوتية من صديق لعدنان، قامت بإنتاج حلقة عن قضيته، أعادت فيها قراءة القضية.

تتبعت كوينغ كل خيوط الجريمة، والتقت كل أصدقاء عدنان، وأعادت قراءة الوقائع، والتقطت منها منظمة حقوقية تسمى «مشروع البراءة» (معنية بمتابعة قضايا صدرت ضدهم أحكام يقولون إنها جائرة)، الخط، وشككت المنظمة في اختبارات الـ«دي إن إيه» التي تضمنتها القضية، وحولت الجدل الإعلامي إلى التماسات وفعل قانوني، ودخل معها على الخط منصات إعلامية ودرامية وناشرو كتب، مثل صحيفة «ذي بلتمور صن»، التي نشرت تحقيقات مجددة حول القضية، والصحافية، آسيا ماكلين تشايمان، التي أصدرت كتاب «اعترافات متسلسل البي»، والصحافية، رابيا تشاودري، التي اصدرت كتاب «قصة عدنان.. البحث عن الحقيقة والعدالة»، والمخرجة، امي بيرغ، التي صنعت التسجيلي «قضية عدنان»، لينتهي كل هذا الجهد بإصدار القاضية، ميليسيا فين، الحكم في (20 سبتمبر الجاري) بإطلاق سراح عدنان على أن يخضع للاقامة الجبرية في منزله، وتتم متابعته عبر حلقة «جي. بي.اس»، في يده، انتظاراً لحسم القضية نهائياً خلال شهر.

جاء الحكم كثمرة لجهد الصحافية سارة كوينغ، التي وصل عدد مرات تحميل حلقتها على «بود كاست» إلى 300 مليون تحميل، وبقدر ما كان الحكم مثيراً للبهجة بقدر ما كان مثيراً للتساؤل والقلق، وهل ما حدث كان أمراً جيداً بالمطلق؟ أليس في تحول الإعلام إلى قوة تحقيق موازية لقوة القضاء ما يدعو للقلق وبشدة؟

تساؤل اختلفت حوله الإجابات.

• إطلاق سراح «عدنان»، بعد صدور حكم بسجنه في 2014، جاء ثمرة لجهد صحافية استقصائية.

تويتر