لم يستطع العلماء فكَّ لغزه

مرض غامض يصيب عمال مزارع القصب في نيكاراغوا بالفشل الكلوي.. ثم الوفاة

صورة

لعقود من الزمان، ظل وباء غامض يهاجم العمال الشباب، الذين يعملون بمزارع قصب السكر في نيكاراغوا. يبدأ الرجال عملهم وهم بصحة جيدة، ويتمتعون بالقوة، لكن بعد الحصاد يعانون حالات الغثيان وآلام الظهر والإرهاق، ويصابون بضعف عضلي شديد، لدرجة أنهم لا يستطيعون العمل، ثم تفضي بهم الحال إلى الموت جراء الفشل الكلوي، رغم أن العديدين منهم لايزالون في العشرينات والثلاثينات من عمرهم.

في تشيتشيغالبا، مركز صناعة قصب السكر في نيكاراغوا، أصبح هذا المرض الغامض هو المسؤول عن نصف حالات وفيات الذكور، خلال العقد الماضي. لدرجة أن إحدى المناطق القريبة من هذه البلدة، والتي يفد منها العمال للعمل في المزارع، أصبح يطلق عليها «جزيرة الأرامل»، نظراً للعدد الكبير من النساء المترملات، جراء موت أزواجهن بهذا المرض الغامض.

وقام المصور الأميركي، الحائز جائزة «إد كاشي» بزيارة تشيتشيغالبا لأول مرة عام 2013، في مهمة لتوثيق محنة عمال قصب السكر في المنطقة. ولم يكن مستعداً في الواقع لتصديق ما رآه «جنازة كل يوم لعامل من عمال قصب السكر، توفي بسبب مرض الكلى»، وعاد كاشي منذ ذلك الحين إلى نيكاراغوا وسلفادور المجاورة، وكذلك الهند وسريلانكا، لتغطية جهود مكافحة هذا الوباء واستجابات العلماء له.

وعلى عكس مرض الكلى المزمن، الذي يتعرض له غالباً كبار السن في المناطق الحضرية، يُعتقد أن مرض الكلى المزمن هذا مجهول المنشأ، ويقتل ما يقرب من 40 ألف شخص سنوياً، وبشكل أساسي في المجتمعات الزراعية المهمشة، التي تعيش على طول خط الاستواء.

وأثار هذا الوباء حيرة الباحثين في البداية عند اكتشافه في نيكاراغوا، وتساءلوا ما إذا كان يمكن إرجاع الوفيات إلى النظام الغذائي أو السموم أو الجفاف، ما جعل شركات السكر تنكر أي صلة سببية محتملة بين المرض وظروف العمل في المزارع. ويؤكد العلماء، الآن، وجود علاقة واضحة بين العمل الشاق في درجات الحرارة المرتفعة وحدوث هذه الحالات. وأظهرت الأبحاث أن التحسينات الأساسية في مكان العمل، مثل: التوفير المنتظم للماء والراحة في الظل، يمكن أن تقلل بشكل كبير إصابات الكلى المحتملة بين العمال.

وبالنسبة إلى 2500 عامل ميداني، بأكبر وأقدم مطحنة لقصب السكر في نيكاراغوا، وهي إنغنيو سان أنتونيو، فإن هذه أخبار سارة. قبل خمس سنوات فقط، كانت إنغنيو سان أنتونيو من بين عدد من المطاحن، التي تبرعت بمئات الآلاف من الدولارات للبحث في الأسباب غير المتعلقة بالعمل لهذا الداء. وأصبحت هذه المطحنة، حالياً، رائدة لمبادرة صحة مهنية للتخفيف بشكل كبير، إن لم يكن القضاء، على أمراض الكلى بين عمال مزارع السكر.

وتركز مبادرة «إنديلانتي»، كما يُطلق عليها، على الحد من تعرض العمال للإجهاد الحراري، وذلك من خلال فرض تدابير، مثل: التظليل الإلزامي لمكان العمل، والراحة وتوفير الماء. وكشفت بيانات من شبكة منظمة «إسلا» المعنية بحقوق الإنسان والصحة المهنية، والتي تعمل بالتعاون مع «إنغنيو سان أنتونيو» لتنفيذ هذه التدخلات، أن جدول الراحة المعزز، وتحسين الوصول إلى الماء والظل، قللا إصابات الكلى بين العمال بنسبة 70%. وكشفت البيانات، أيضاً، أن عبء العمل على العمال مهم للغاية، فالذين لديهم أحمال ثقيلة كانوا أكثر عرضة للإصابة بأضرار كلوية أثناء الحصاد، بمقدار 12 مرة عن أولئك الذين لديهم حمولة أخف.

ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ العالمي، يزداد احتمال تعرض صحة الإنسان لأضرار، حيث أظهرت الأبحاث أن الإجهاد الحراري الشديد يمكن أن يؤدي إلى نوبات قلبية مميتة، وغيرها من الوفيات القلبية الوعائية، كما يتضح من وفاة مئات العمال المهاجرين كل عام في قطر. وفي حين أن العوامل الأخرى، مثل: المعادن أو المبيدات الحشرية أو السموم قد لاتزال تسهم في إصابة هؤلاء العمال بالمرض في نيكاراغوا، فإن «العمال الأكثر تضرراً، هم أولئك الذين يعملون في مناخات شديدة الحرارة، وفي الوقت نفسه لديهم أعباء بدنية هائلة»، كما تقول عالمة الأوبئة في معهد كارولينسكا بالسويد، الدكتورة كاثرينا ويسلينغ.

• الأبحاث أظهرت أن الإجهاد الحراري الشديد يمكن أن يؤدي إلى نوبات قلبية مميتة.

تويتر