المرصد

«فيس بوك» يكفر عن خطاياه

هناك عبارة أطلقها الكاتب والصحافي أنطونيو غارسيا مارتينيز، جرت مجرى الأمثال تقول «مارك زوكربيرغ هو محرر الصفحة الأولى لكل صحف العالم»،

تلخص هذه العبارة، على مبالغتها، المدى الذي وصل إليه تأثير «فيس بوك» على صناعة الخبر في العالم، لكنها تحمل في الوقت نفسه الموقع الشهير مسؤولية الكوارث التي حدثت للخبر من تزييف، واستباحة، وتفرقة لدمه بين القبائل، بعد أن كان معززاً مكرماً في بلاط صاحبة الجلالة، نعرف من جلبه ومن ومتى وكيف يكافأ صاحبه إن وفق ويحاسب إن أخفق.

ولم تكن هذه الاستباحة بلا ثمن، إذ يكفي أن نشير في هذا الصدد في عجالة إلى «دراسة أفاز» التي كشفت أن «فيس بوك» تسبب في نقل معلومات خاطئة عن «كوفيد-19» في قرابة أربعة مليارات مشاهدة، وأن الموقع اضطر إلى أن يزيل في شهرين فقط سبعة ملايين بوست، فإذا ربطنا بين هذا التقرير وأرقام وفيات ضحايا «تعاطي المعلومات الخاطئة» للفيروس، أدركنا مدى فداحة الأمر.

من هذا الإحساس بالإثم انطلقت محاولات «فيس بوك» المثابرة والتعويضية، في تصدر مواجهة تزييف الأخبار، فدخل في شراكة مع 55 جهة إعلامية تتحدث أكثر من 40 لغة حتى الآن، لإنشاء منصات لتدقيق الأخبار المكتوبة والمصورة.

وتعتبر شراكة «فيس بوك» مع «وكالة الأنباء الفرنسية»، التي تمخضت عنها ولادة موقع «في ميزان فرانس برس» لتدقيق الأخبار، الإنجاز الأكثر بروزاً في المشهد، ربما لكون «الفرنسية» «وكالة خبرية» موجودة في الخبر الساخن، وليس موقعاً أكاديمياً رصيناً وراكداً، وربما لعراقة الوكالة، وربما أيضاً لحجم النشاط الهائل والذكي الذي قدمه الموقع، ابتداء من كشف مكتبه في باريس أكذوبة تورط مسلمين في حريق «كاتدرائية نوتردام».

ولم تكن شراكة «فيس بوك» مع الفرنسية هي نهاية المطاف في المدى المنظور، فمن فترة قريبة جداً دخل في شراكة مع صحيفة «يو اس ايه توداي»، وأطلق برنامجاً نوعياً جديداً لمواجهة «كوفيد-19» وغير ذلك.

وبطبيعة الحال، لا تمثل جهود «فيس بوك» لمواجهة تزييف الأخبار، فعلاً منفرداً أو استثنائياً في هذا المضمار، فهناك جهود جبارة موازية تقودها «رويترز» و«أسوشيتدبرس» و«فاكت تشيك اورج» وغيرها، كما أن هناك في منطقتنا العربية الآن عشرات المواقع مثل «أكيد»، و«فتبينوا»، و«تأكد»، و«ده بجد»، و«أخبار متر»، و«متصدقش»، و«فالصو»، لكن أهمية مبادرة «فيس بوك» أنها تأتي كسلوك ترشيدي من المكان نفسه الذي يتلقى منه الناس مليارات الأخبار الكاذبة.

هو لا شك جهد محمود من كل الزوايا، في ظل تصاعد الوعي بالتدقيق الخبري الذي وصلت نسبة استخدام أدواته الى أكثر من 25% من الصحافيين في عام 2019 بعد أن كانت 11% عام 2017، ووصلت نسبة المؤسسات الإخبارية التي تستخدم مدققي الأخبار إلى 30%، حسب «المركز الدولي للصحافيين».

تويتر