صحافة «الدرون»

تحتار حين تطالع هذا الموضوع «صحافة الدرون»، ثم تسعى لتحديد مدخله، هل تقول إن التطور الإعلامي ذهب بعيداً في زماننا إلى حد أن وصل إلى استخدام الطائرات بدون طيار، المسماة «الدرون»؟ أم أن الأخيرة اقتحمت حياتنا في كل مجال، وتجاوزت العسكري إلى المدني، لتحط في بلاط صاحبة الجلالة؟

كلا المدخلين صالحان لإثارة الدهشة بتعبير القاص يحيى الطاهر عبدالله، فالحاصل أن كليات ومعاهد ومؤسسات عالمية تدرب الآن صحافييها على العمل على طائرات «درون»، لعمل قصص وتقارير صحافية مميزة، وأصبح السباق بين هذه الجهات لالتقاط صور وفيديوهات باستخدام هذه الطائرات لهذه القصص.

وقد أجرت الجامعات تجارب على ما سمته «معمل صحافة الطائرات المسيرة»، الذي أسسه أستاذ الاتصال الجماهيري في جامعة نبراسكا لنكولن، البروفيسور مات ويت، في نوفمبر2011، بالتعاون مع برنامج «درون جورناليزم» بجامعة ميسوري، ومركز درون المدني بجامعة لانكشير، إضافة إلى مركز «أفريكان درون» في كيب تاون بجنوب إفريقيا، لتدفع بهذه الصحافة خطوة إلى الأمام.

وأخيراً، وفي قارة إفريقيا، أقامت «كودفورد أفريكا»، وهي مبادرة أهلية تعرف نفسها بأنها الأكبر في القارة السمراء المعنية بإتاحة المعلومات والتكنولوجيا المدنية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال الأخبار، ورشة عمل حول استخدام «الدرون» في العمل الصحافي، وحضر الورشة سبعة صحافيين من كينيا وأوغندا وتنزانيا، وناقشت كيفية استغلال المزايا النوعية لـ«الدرون» في الأحداث العاجلة، وفي جمعها لمعلومات معينة، وللوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها، وقدم الصحافي نوزولاك دوس، عبر استخدام هذه الطائرات، قصة صحافية عن «الزراعة النهرية غير المشروعة في تنزانيا»، كما قدم زميله جوني ميللر تقريراً آخر عن «عدم المساواة في نيروبي».

وعلى الرغم من أن هناك عقبات ضخمة لاتزال تعترض هذا النوع من الصحافة في الوقت الراهن، من أبرزها الكلفة المرتفعة، والحاجة للحصول على تصاريح متعددة، والمخاطر الأمنية، والتعقيدات التكنولوجية، واعتبارات سيادة الدول على أجوائها، إلا أن الاعتبارات الأخلاقية تظل هي الأكثر أهمية وسط هذه الاعتبارات.

وطبقاً لورشة هيئة الطيران المدني الفيدرالية الأميركية، التي عقدت أخيراً، فإن هناك خمس توصيات أساسية يجب أن يراعيها المنخرطون في هذا الشأن، وهي: مراعاة الخصوصية للدول والمناطق والأفراد، وزحف التكنولوجيات المضادة والمتشابهة، والتقاطع مع حقوق الأفراد والحكومات، ومخاطر الأمان، وتهديد الطيران المسير ذاته، وقد حاول مؤسس صحافة الدرون، مات ويت، التقليل من خطورة هذه المحاذير، فكتب مقالاً يعالجها فيه بعنوان «هل هي مشكلات أخلاقية جديدة؟»، لكن مع هذا بقيت هذه المحاذير محل جدل وأخذ ورد حتى اللحظة.

يبقى القول إن الفتح الجديد (صحافة الدرون) تخطى، بما له أو عليه، مرحلة الجدل النظري، ودخل في مرحلة التعميم، وقريباً سيصبح صحافي اليوم ــ حامل الكاميرا الرقمية والمايك ــ في متحف التاريخ، إلى جانب زميله حامل الكاميرا الفوتوغرافية، وستصبح الصورة المعتمدة للصحافي رجلاً يرتدي بذلة كإطفائي أو رجل فضاء، وفي معيته طائرة (درون) يوجهها حيث يحوم المصدر.

- على الرغم من

العقبات الضخمة

التي تعترض هذا

النوع من الصحافة،

ومنها الكلفة

والمخاطر، إلا أن

الاعتبارات الأخلاقية

تظل الأهم.

الأكثر مشاركة