المرصد

معركة ترامب و«سي إن إن»

سؤال: هل كان سلوك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع صحافي «سي إن إن» أخيراً دليلاً على انهيار الديمقراطية وحرية الصحافة في أميركا، أم هو دليل على تشدّد ترامب وضيقه بالمؤسسة الصحافية، واستخدامه أقصى سلطاته في مواجهتها؟

الإجابة على دقتها تعطي كثيراً من الفارق. فبمراجعة حوار صحافي «سي إن إن» الأخير نجد أن الإعلامي الأميركي دخل الحلبة متعمداً إثارة معركة كبرى تقترب من «خناقة» مع ترامب، حيث كان سؤال الصحافي «سيادة الرئيس أريد أن أتحداك حول أحد التصريحات التي أدليت بها خلال حملة التجديد النصفي، فقد قلت إن قافلة المهاجرين من المكسيك كانت غزواً، وكما تعلم لم تكن غزواً، بل كانت مجموعة من المهاجرين انتقلوا عبر الحدود، لماذا تصنفها كذلك؟» فردّ عليه ترامب «لأنني أعتبرها كذلك، نحن لدينا آراء مختلفة»، فردّ الصحافي «ولكن هل تعتقد أنه يجوز شيطنة المهاجرين؟»، ليرد ترامب «لا. على الإطلاق، لكني أريد منهم القدوم بشكل شرعي من خلال عملية قانونية. نحن بحاجة إلى أفراد، انتظر انتظر، لأن هناك عشرات الأشخاص الذين انتقلوا من الخارج للعمل داخل أميركا»، فواصل الصحافي هجومه «حملتك كانت فيها صور لعشرات المهاجرين الذين يتسلقون الأسوار، هل هذا يجوز؟»، فيرد ترامب «هذه صور حقيقية، من ظهروا في الصورة ليسوا ممثلين، لم يكونوا ممثلين، ولم يأتوا من هوليوود، هل تعتقد أنهم ممثلون؟. إنهم أناس حقيقيون وحدث هذا منذ أيام عدة»، فيتواصل الحوار مثل مباراة تنس الطاولة، ويختم ترامب تعليقه «عليك أن تدعني أدير البلاد وتدير أنت الـ(سي إن إن)»، لتبدأ بعد ذلك معركة يتشبث فيها الصحافي بالميكرفون، فيوجه سؤالاً آخر عن التدخل الروسي في الانتخابات، فيجيبه ترامب رغم انتزاع الصحافي للميكرفون بالقوة ورغم محاولات زملائه الآخرين التدافع بأسئلتهم، لكن ليس قبل أن يهاجمه ترامب في النهاية «يجب أن تخجل (سي إن إن) من أن يمثلها أشخاص مثلك، أنت شخص فظيع،

فظيع جداً»، فيرد الصحافي «وأنا أيضاً لست من معجبيك، أنت لست الأفضل».

نستشف من القراءة المتأنية للمشادة فظاظة ترامب وضيقه بالصحافة والإعلام، ورغبته في استخدام سلطاته إلى أقصى حد، وحتى تكوينه اللاديمقراطي، ونستشف منها أيضاً، شئنا أم أبينا، صورة عن «مؤسسية» واضحة يأخذ الإعلام فيها نصيبه الطبيعي في مواجهة البيت الأبيض، ويقف الصحافي ليرد كلمة بكلمة، في الشخصي وفي السياسي مع سيد البيت الأبيض، وهو شيء لا يقارن بما يجري مع الصحافي في العالم الثالث.

كذلك لا ينبغي أن نعزل هذه القصة عن معركة ترامب مع الصحافة، التي خاصمته كلها تقريباً من أصغر صحيفة إلى «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز»، حيث إن 200 صحيفة في الولايات المتحدة أصدرت بياناً مشتركاً أعلنت فيه رفضها لوجوده وسياساته، لدرجة حصاره إعلامياً في «تغريدات تويتر»، كما لا ينبغي أن نعزلها عن معركته المتجددة صباح مساء مع «سي إن إن» منذ توليه السلطة.

بإيجاز، نعم.. ترامب استبدادي ويحب استخدام أقصى سلطاته، لكن معركته مع الإعلام ومع «سي إن إن» هي معركة مؤسسات تتميز بهامش ديمقراطي وليس العكس. قراءة لا نحبها لكن لا نستطيع أن ننكرها.

تويتر