وسائل التواصل الاجتماعي ليست المسؤول الأول

انفراط عقد المجتمع وغياب التآلف الأسري وراء قلق واكتئاب الأطفال

صورة

تتصاعد مستويات القلق وإيذاء النفس بين الأطفال في الوقت الراهن، ويتساءل البعض عن السبب في ذلك، رغم أن الأجيال التي سبقتهم نشأت في أوقات أكثر شدة وقساوة، ولم تعرف هذا السلوك، إذن ماذا حدث لأطفال اليوم؟!

70 %

نسبة ارتفاع إيذاء النفس بين الفتيان، في سن المراهقة بين عامي 2011 و2014.

عبرت بعض المصادر الحكومية عن صدمتها بما وصفته بـ«وباء إيذاء النفس»، بين بعضٍ من أكثر الأطفال تميزاً في المملكة المتحدة، والمنتمين إلى بعض أكبر المدارس الخاصة في بريطانيا.

كشف تقرير حديث، صدر عن مفوضية الأطفال بالمملكة المتحدة، أن عدد الأطفال الذين يزورون الأطباء النفسيين قد ارتفع بمقدار الثلث، وسط ما يوصف بأنه «وباء القلق»، ويتضح ذلك من خلال دراسة نشرت في أكتوبر الماضي، كشفت أن إيذاء النفس بين الفتيان في سن المراهقة قد ارتفع بنسبة 70%، بين عامي 2011 و2014. وعبرت بعض المصادر الحكومية عن صدمتها بما وصفته بـ«وباء إيذاء النفس»، بين بعضٍ من أكثر الأطفال تميزاً في المملكة المتحدة، والمنتمين إلى بعض أكبر المدارس الخاصة في بريطانيا.

هذه الأرقام في الواقع صادمة للغاية، لكن ما الأسباب الكامنة وراء هذه الموجة من التعاسة؟ الرئيس السابق للكلية الملكية للأطباء النفسيين، الدكتور مايك شوتر، الذي نشر بحثه «آلام النمو في الوقت الراهن»، لديه رؤية أكثر وضوحاً عما يعانيه هؤلاء الأطفال: «أنا متأكد من أن هذه الحالة في ازدياد». ويضيف أن الكثيرين يلقون باللوم على زيادة استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، التي تغذي عدم حالة القلق لدى الجيل الحديث، «لكن في حين أن ذلك يمثل بالتأكيد جزءاً من المشكلة، فهو ليس العامل الوحيد». ويسترسل: «وسائل الإعلام الاجتماعية قناة رائعة للأطفال الذين يعانون القلق المروع، حيث يجلسون منفردين في غرف نومهم ليلاً، ليبعثوا بالرسائل للناس كل ساعة، لمعرفة ما إذا كان هناك أشخاص يعجبون بها أم لا، يجب أن يكون لديهم عالمهم الخاص، وهذا ما تعنيه سن المراهقة».

وحيث إنه يجب السماح للمراهقين بالعمل باستقلالية، لكي يتطوروا إلى أشخاص بالغين أصحاء، فإن وضع حدود لتلك الاستقلالية لا يقل أهمية مع هذه الفئة العمرية، كما يعتقد دكتور شوتر. ويقول إن المراهقين استطاعوا اكتساب «جميع أنواع القدرات المعرفية والاجتماعية، ويريدون استكشاف العالم وماهيتهم كأشخاص، لكننا نحن كآباء وأمهات ندرك أن هناك حاجة لبعض الحدود، وإلا فإن هؤلاء الصغار سيتصرفون بطرق أكثر خطورة من أي وقت مضى إلى أن يكتشفوا تلك الحدود، وأعتقد أن الأطفال القلقين الذين يضرون بأنفسهم بسبب ما يتعرفون إليه في وسائل الإعلام الاجتماعية، إنما يستغيثون بآبائهم وأمهاتهم (ساعدوني، لقد أفلت الأمر من يدي)، وأقول لهؤلاء الآباء والأمهات: لا تخافوا من التدخل، فإذا كان ابنكم شاحب اللون، ومتعباً وبائساً فإنه يطلب مساعدتكم».

ويتساءل دكتور شوتر: أليس أطفال اليوم هم على الأقل أولئك المنتمون لعائلات الطبقة المتوسطة – المتنعمة والآمنة نسبياً؟ وبعد كل شيء، فهم لا يعيشون في جو حرب، كما كانت عليه الحال مع أجدادهم. ويقول «في كثير من الأحيان نجد أنه في ظروف الحرب أو الكارثة، تنخفض مستويات القلق والاكتئاب لكنها ترتفع عندما يعم السلام، أعتقد أنه شيء نابع من روح المجتمع، والتكاتف والهدف، إنه شيء أكبر من هذا المجتمع، وأكبر من النضال الفردي». لذا فإن الشباب اليوم ربما يفتقرون إلى المعنى؛ والشعور بالارتباط والانتماء إلى العالم؟ ويقول «لقد انفرط عقد الجماعة، ويتضح هذا عبر الثقافات وعبر الطبقات، وترى المستويات نفسها للشعور بالوحدة وعدم التعاسة والقلق والاكتئاب لدى الأطفال في المجتمعات المتوسطة، وكذلك الحال في الأسر المحرومة اقتصادياً، حيث أصبح الأطفال في هذه المجتمعات يقضون وقتاً أطول في التحدث مع بعضهم بعضاً على هواتفهم، ويقضون وقتاً أقل للقيام بالأشياء معاً». ويعتقد أن «طقوس التآلف والحياة الأسرية» هي الأخرى آخذة في الذوبان، حيث نجد أن أسرة واحدة من كل خمس أسر يجلس أفرادها لتناول وجبة واحدة معاً مرة أو مرتين في الأسبوع، وفقاً لمسح جرى عام 2013. هذه الطقوس، كما يعتقد الدكتور شوتر، تحدث فرقاً، لأنها توفر فرصة لأفراد العائلة للتحدث مع بعضهم بعضاً.

تويتر