المرصد

عملية «غصن الزيتون» تربك الإعلام الألماني

يبدو أن حسابات الفصائل الكردية المسلحة لم تكن دقيقة، كما أن طموحاتهم مبالغ فيها. هكذا يعلق كتاب ومحللون في صحف ألمانية، مشيرين إلى تسرع الأكراد السوريين في الاستيلاء على أراضٍ خارج نطاقهم الجغرافي التقليدي. وفي حين انتقدت وسائل إعلامية الحكومة التركية، التي تخوض معارك ضارية في عفرين وأطرافها لطرد «وحدات حماية الشعب» الكردية، دافعت أخرى عن دعم أنقرة في مواجهة الأكراد. ويأتي هذا التباين في الموقف الإعلامي وسط صمت رسمي، في وقت تسعى فيه المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، جاهدة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني.

السياسيون الألمان

مشغولون بترتيب

أوراق حكومة ائتلاف

لم تشكل بعد.

وتصف «دير شبيغل» العلاقة التاريخية بين الأكراد والحكومة التركية بالحافلة بالخيانة، منذ تأسيس الدولة التركية من قبل أتاتورك. وتنحي الصحيفة باللائمة على الأكراد في سورية الذين لم يعتبروا من التجارب السابقة، كان آخرها ترك إخوانهم يواجهون مصيرهم أمام زحف القوات العراقية، في أعقاب تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير، في إقليم كردستان. ووفقاً للصحيفة، فإن الغرب يخون الأكراد دائماً.

وتنتقد إحدى الصحف دعم برلين العسكري للجيش التركي، الذي يقاتل الوحدات الكردية مستخدماً دبابات «ليوبارد» الألمانية. وقالت إنه من المخجل أن تدك الدبابات الألمانية الأكراد، الذين كانوا بالأمس القريب يقاتلون المتطرفين. وتشير الصحيفة إلى صمت المسؤولين الألمان، وعلى رأسهم وزير الخارجية زيغمارغابرييل، وترى أن الصمت في حد ذاته تعبير عن الموقف الرسمي المؤيد. ويبدو أن برلين لا تريد الخوض في مسألة الهجوم على عفرين أو عملية «غصن الزيتون» التي تقوم بها القوات التركية؛ وتفضل أن تهتم بمشكلاتها السياسية الداخلية.

في المقابل، ترى صحيفة محلية أخرى أن الدعم التركي يدخل ضمن أمن ألمانيا. فالأخيرة من واجبها مساندة عضو في حلف شمال الأطلسي، يتعرض لخطر. والتعاون بين أعضاء الحلف يقتضي توريد السلاح متى كانت الحاجة إليه. والواقع أن حاجة ألمانيا لتركيا أكبر بكثير، فالجالية التركية في ألمانيا هي الأكبر من بين الجاليات، والحد من تدفق اللاجئين في يد أنقرة. ولعل هذين العاملين فقط يدفعان حكومة برلين إلى حضن الرئيس، رجب طيب أردوغان، الذي أثبت لها أنه إذا غضب، فإنه يمكن أن يخلط أوراق اللعبة.

من جهة أخرى، لا يجب التسرع في الحكم على دفء العلاقات بين برلين وأنقرة، فالسياسيون الألمان مشغولون بترتيب أوراق حكومة ائتلاف لم تشكل بعد. ولعل اللهجة الحادة التي استخدمتها ميركل في أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا، قبل عامين، وما تبعه من قمع للمعارضة، يذكرنا بتقلب الأحوال في علاقة متوترة بين العاصمتين. وإلى أن تنتهي مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي، أمام أحزاب الاتحاد المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي فرصة فعلية لتشديد الشروط المتساهلة لتصدير الأسلحة إلى تركيا. فالإعلام والرأي العام في ألمانيا يضيقان ذرعاً بالمشكلات الداخلية التركية، والأزمة الكردية أضافت حلقة جديدة إلى المشهد. وربما حان الوقت بالنسبة للقيادات التركية في سورية والعراق، لتدرك أن موازين القوى في المنطقة والعالم لا تعير قضيتهم اهتماماً كبيراً، فالمصالح هي التي تحكم. والحلم الكردي يجب أن يتوقف إلى هذا الحد على الأقل في هذه الظروف. والاعتماد على الغرب لتحقيق أهداف استراتيجية ليس الخيار الأنسب، في عالم يشهد تحولات جذرية وتغيراً لافتاً للتحالفات والمصالح.

تويتر