• المرصد

بولا يعقوبيان.. درس للإعلاميين العرب

استطاعت الإعلامية بولا يعقوبيان أن تخطف جزءاً غير قليل من الأضواء من رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بعد الحوار الذي أجرته معه أخيراً، أو على الأقل تمكنت من أن تجعل نفسها «بطلة ثانية» في الحدث الخاص باستقالة الحريري.

فبمجرد ظهور بولا على الشاشة، ورغم تلهف الملايين لرؤية وسماع الحريري، تساءل الكثيرون، وقد أخذهم الإعجاب، عن هذه الإعلامية العربية الموهوبة، وتاريخها وخلفياتها ومحطاتها، بينما جرت أعداد منهم مباشرة إلى حكيم زمانه «العم غوغل» تسأله العون والمعلومة.

حافظت بولا في حوارها مع الحريري ــ بمهارة وذكاء محسوبين بدقة ــ على المسافة بين «الصحافي» و«الانتماء السياسي» بداخلها، إلى الحد الذي كاد المشاهد أن ينسى فيه أنها في البدء والنهاية تجري الحوار لتلفزيون «المستقبل»، كما أنها احتفظت - ولو شكلياً - بالطابع الهجومي بالمعنى الإيجابي للكلمة، الذي يجب أن يتسم به الصحافي طوال الوقت أثناء حواراته، كي يصل إلى الحقيقة المخبأة أو المموهة أو المحمية في أعماق وجدان المصدر، وخططه وحساباته.

بدا زعيم تيار المستقبل في لحظة وكأنه لاعب انهمرت على شبكته عشرات كرات البنغ بونغ المتتالية من كل حدب وصوب، من مضرب الإعلامية المحترفة، وهو ليس عليه إلا أن يصد، وكشفت لغته الودودة، وتكرار مناداته باسم بولا، محاولة منه، وهو السياسي المحنك، لامتصاص سخونة المباراة لترتيب أفكاره.

في عالمنا العربي، حيث اعتدنا على الاستماع من محاورين صحافيين لأسئلة مجاب عليها أصلاً في ورقة الأسئلة، وعلى تماهي أعداد ليست قليلة من الصحافيين مع «المسؤول – المصدر»، ولو كان موظفاً بالبلدية، تجنباً للمشكلات، وسيراً وراء الحكمة غير الذهبية أن «الباب الذي يأتي لك منه الريح سده واستريح»، في عالم كهذا، يبدو ما فعلته بولا، رغم بساطته، وأحياناً شكلانيته، حكاية تستحق الرواية.

الإعلامي ليس سياسياً، هذا أمر لا شك فيه، بل لربما كانت كارثة الإعلام بعد «الربيع العربي» هي إسقاطه أحياناً للجدار الفاصل بين المهمتين، السياسة والصحافة، الأمر الذي أضر بكلتيهما، لكن في المقابل، فإن الصحافي ليس ناطقاً رسمياً باسم احد، ولا متطابقاً مع أحد، حتى ولا مع الوجهة التي تبدو قريبة إليه، إذ يتوجب عليه في هذه الحالة أن يتبنى رؤيتها في «جوفه» لا في «أدائه»، وينتصر لها ــ أي لهذه الجهة ــ عملياً في عمله، بتبني التساؤلات المطروحة بشأنها في الشارع، وأسئلة المعسكر المضاد عنها، وهكذا يسدي خدمة جليلة أولاً لمهنته، وثانياً لقارئه، وثالثاً لرؤيته نفسها.

نجحت بولا يعقوبيان في تقديم كل هذه المعاني برشاقة، ونجحت أو نجح فريقها، علاوة على ذلك، في إضفاء «بهارات لبنانية» على الحوار، تمثلت في موتيفة «الرجل الذي يقف خلف الحريري»، تذكرنا بليلة رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم، واللقطة الطرفة ــ الخالدة عن الرجل الذي كان وراء عمر سليمان.

حصلت بولا على مكافآتها الفورية من الجمهور، إذ أصبحت بعد دقائق من بث الحوار ضيفة تتقاتل عليها عشرات القنوات ووسائل الإعلام المختلفة، تسألها عن «سر الخلطة السحرية» للحوار - الفلتة، وهذا طبيعي في زمن العولمة الإعلامية، حيث يتم تقييم الإعلامي عقب امتحانه مباشرة، ويصدر الحكم وتُعطى الدرجات، دون تزوير من الملايين بلا إبطاء.

هنيئاً لبولا يعقوبيان، وهنيئاً للإعلام اللبناني الذي طالما علّمنا المهنية والجرأة، وهنيئاً لكل إعلامي عربي شده النموذج، ولا عزاء للواقفين - أو القاعدين لشدة كسلهم - عند مدرسة المحفوظات والبروباغندا، وقطع الإملاء الصحافية التي ينقشونها بذات الرسم الذي تملى به عليهم.

 

تويتر