بعد 4 سنوات من الحرب الأهلية

المهربون أصبحوا شريان الحياة للجوعى في جنوب السودان

صورة

يصعد صديق محمد إلى شاحنته، التي تبدو مثل نادٍ ليلي أكثر منها سيارة مهرب، إذ إن هناك مشغولات زينة حمراء وصفراء معلقة في سقف السيارة، في حين أن الستائر المطرزة والمنقوشة تغطي معظم الزجاج الأمامي. ويشغل مروحة كهربائية فوق رأسه، ويجلس في المقعد الأمامي لشاحنته، الذي جعله أكثر راحة من المقاعد المريحة التي توضع في الحدائق.

لا خيار سوى التهريب

بعد أن حصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان عام 2011، تم إغلاق أجزاء من الحدود بين البلدين. وتعين على سائقي الشاحنات أمثال صديق محمد مواصلة عملهم، لكن بصورة غير شرعية هذه المرة. وقال محمد: «ليس لديّ أي خيار سوى مواصلة تهريب المواد الغذائية». ويرى الآلاف من هؤلاء المهربين أن الأزمة المتواصلة في جنوب السودان، تصب في مصلحتهم، وتزيد أرباحهم.

ويقول هذا التاجر السوداني، الذي تحول إلى مهرب، إن الحياة حلوة. ورغم الحرب الأهلية والمجاعة اللتين تضربان جنوب السودان، إلا أن هذا الرجل يقول: «عملي مزدهر الآن، أكثر من أي وقت مضى».

وبعد عبوره السودان إلى بلدة في جنوب السودان، يقوم صديق محمد (38 عاماً)، وهو أب لولدين، بتفريغ شحنته من الأطعمة، قبل أن يحاول الاسترخاء من رحلته التي استمرت ثلاثة أيام. لكن الأمر الذي كان بدأ على أنه عمل محترم وشرعي في نقل الأطعمة عام 2009، تحول إلى مهنة خطرة.

ومع دخول الحرب الأهلية في جنوب السودان عامها الرابع، أصبح نحو نصف سكان البلد يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وفي ولاية بحر الغزال، الواقعة شمال جنوب السودان، يواجه الآلاف المجاعة، ونظراً إلى القحط، وتزايد التضخم وصعوبة التواصل، يعتمد الكثيرون في هذه المنطقة على جيرانهم بدولة السودان لإطعام عائلاتهم.

ويقول مفوض الإغاثة والمساعدات في مدينة أويل إيست، في شمال بحر الغزال، جيمس مايواين أرور، معلقاً: «نفتقر إلى نحو 200 ألف طن من المواد الغذائية، وإذا تمكن المهربون من إدخال الأطعمة إلى جنوب السودان فنحن نرحب بذلك»، مشيراً إلى أن المهربين يصلون بصعوبة إلى جنوب السودان. وقال المهرب محمد «أستخدم طرقاً غير معروفة»، بهدف تجنب الجيش السوداني، ويقود شاحنته في منتصف الليل، ويهتدي إلى الطرق عبر الغابات الكثيفة، كما أنه يعتمد على شبكة كبيرة من القرويين الذين يرشدونه إلى الطرق المناسبة. وإذا اعتقلته سلطات جنوب السودان، فسيضطر إلى دفع 15 ألف جنيه سوداني غرامة جمركية، وإذا رفض دفع هذا المبلغ، فستتم مصادرة بضاعته، الأمر الذي سيجعله يرزح تحت ديون كبيرة.

ويقول التاجر دينغ ماكول، من جنوب السودان، والذي يتعامل مع محمد: «إن إيصال الشحنة مسؤولية المهرب، وإذا تم توقيفها فإن من مسؤوليته إعادة إيصال شحنة مثلها».

لكن محمد يرى أن هذا العمل يستحق المخاطرة، إذ إنه يحصل من كل شحنة يوصلها إلى جنوب السودان على 7000 جنيه سوداني، أي تسعة أضعاف ما يحصل عليه الموظف السوادني العادي شهرياً. وقد أكمل خمس رحلات منذ يناير الماضي، ويخطط للاستمرار نظراً لأن الطلب في تزايد. ويقول ماكول «نحو 85% من المواد الغذائية تأتينا من السودان، وسيستمر الطلب، إذ إن الناس هنا يزدادون جوعاً، لكن المشكلة هنا ارتفاع التضخم».

وأشار تقرير لبرنامج البنك الدولي، نشر في شهر مارس الماضي، إلى أن التضخم في جنوب السودان ارتفع بنسبة 372%، مقارنة بارتفاع بلغت نسبته 6.3% في كينيا المجاورة، حسب البنك الدولي.

وفي محاولة لتخفيف هذا الوضع، وإيصال المواد الغذائية للأشد فقراً في جنوب السودان، قامت الحكومة السودانية، أخيراً، بفتح ممر ثانٍ من أجل المساعدات الإنسانية إلى مدينة بنتيو في ولاية ليس، شمال دولة جنوب السودان. ورحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج بهذه الخطوة، وشجعت على افتتاح ممرات أخرى بين السودان وجنوب السودان.

تويتر