قمع الإغراق المعلوماتي

تسريبات «ويكليكس»، بدلا من أن تجيب للناس عن أسئلة خطيرة بشأن الحرب على العراق، «توهتهم » في ألغاز جديدة، بعضها عن الموقع، وأخرى عن التفاصيل العراقية التي بدت من كثرة تداخلاتها، كما لو قصد، أن ينسي بعضها بعضا.

يمكننا بكل الثقة، ومع استبعادنا كل نظريات التآمر والوسوسة، أن نتمتم «ما هكذا تورد الإبل»، يا جوليان أسانغ (صاحب الليلة).

فعلى الرغم من تاريخ الموقع المملوء بالدفاعات عن حرية الرأي، منذ تأسيسه عام ،2007 وإنجازاته المعترف بها في الكشف عن جرائم الحكومات بشأن الحرب والتعذيب واستخدام العنف، وحصول الموقع على جائزتي الإيكونومست ضد الرقابة عام ،2008 والعفو الدولية لحقوق الإنسان عام ،2009 إلا أن أسلوب الكشف عن «أسرار العراق» لم يفد الحقيقة، وبدا نوعاً من «العلم» المقصود به خروج المتابع أكثر «جهلا»، بما يتم في العراق.

فكمية الوثائق التي نشرها الموقع دفعة واحدة والتي تجاوزت الـ400ألف وثيقة حرمت الكثيرين تأمل دقائقها، (سانغ نفسه اعترف بأنه لم يقرأ سوى ثلاث صفحات من 14 في صحيفة نشرتها كاملة)، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار حجم الانشغال الذي يعيشه إنسان اليوم، وحجم البحر المعلوماتي الذي يسبح فيه، خصوصا إذا اتفقنا أيضا، أن هذه الوثائق موجهة بالأساس إلى قراء عاديين بسطاء، يودون الإلمام بجزء بسيط من الحقيقة، وليس إلى متقدمين للحصول على أطروحة دكتوراه في الشأن العراقي.

كذلك بدت هذه الوثائق، بعد أن تم نزع الأسماء والتواريخ الأساسية عنها، أو ما نسميه نحن في الصحافة الـ«فايف دبليو»، أي الأسئلة الخاصة بمكان وزمان وسبب وكيفية وقوع وصناع المعلومة، بدت هذه الوثائق جوفاء، أو «إغراقاً» مقصود به إحداث تضخم معلوماتي يفقد الحقائق قيمتها، شبيه بما يحدث في التضخم الاقتصادي. أضف إلى هذا كم التلاعب غير المفهوم الذي صاحب عملية النشر، فالوثائق أعطيت لصحيفة «نيويورك تايمز»، ولم تعط لزميلتها «واشنطن بوست»، وبررت «ويكيليكس» ذلك بموقف الأولى الانتقادي للحرب علي العراق، ناسية أو متناسية أن «نيويورك تايمز» هي الصحيفة الأكثر تورطا في ترويج «الفبركات» عن نووي العراق، عبر تحقيقات الصحافية جوديث ميللر، المستندة الى خزعبلات المعارض أحمد الجلبي، كما أعطيت الوثائق لصحيفة «غارديان»، بوصفها مستقلة ولم تعط لـ«الاندبندنت» مع أن الأخيرة الأكثر استقلالا من كل صحف بريطانيا.

نحن هنا أمام قرارات، كلها غموض تزيد فهم المشهد العراق ـ أميركي (حكما وشارعا) استشكالا، قرارات قليل منها يبرره منطق الإعلام، وكثير فيها يشتم من تفاصيله السياسة، ومعظمها في كل الأحوال لم يقدم وعي أو مقاومة الإنسان البسيط لجريمة الاحتلال الأميركي للعراق خطوة واحدة.

alayak2005@yahoo.com

تويتر