في وقت يبحث العالم عن زيادة مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة

معظم سكان «الأمازون» الأصليين محرومون من الكهرباء

صورة

ارتفعت أبراج السفن الراسية على أحد جانبي الخليج القريب من جزيرة أكيتا في البرازيل، لتبدو كأنها مدن عائمة مضيئة في عرض البحر، حيث تحولت هذه السفن إلى فنادق مؤقتة لآلاف المشاركين في قمة المناخ، التي انعقدت، الشهر الماضي، على مقربة من المكان، وفي مشهد يخطف الأنظار، كانت أضواء السفن تتلألأ، بينما انشغل مسؤولون داخلها بمناقشة سبل تأمين وزيادة مصادر طاقة كهربائية أكثر نظافة واستدامة للعالم.

غير أن هذا المشهد المضيء يخفي على مقربة منه واقعاً مختلفاً تماماً، ففي محيط الخليج نفسه، يعيش أناس لم تصل إليهم الكهرباء إلا هذا العام، بينما البعض الآخر لايزال ينتظر دوره.

وهذا الواقع لا يخص جزيرة أكيتا البرازيلية وحدها، بل يمثّل حال مئات الملايين من البشر حول العالم ممن لايزالون محرومين من الطاقة الكهربائية، على الرغم من كونها واحدة من أهم منجزات الحضارة الحديثة، وأكثرها ضرورة للحياة اليومية.

حرمان

وقالت جولما مورايس أنجو التي ولدت وعاشت طوال حياتها في جزيرة أكيتا، إنه لم يمض على وصول الكهرباء إلى منزلها بشكل منتظم سوى نحو تسعة أشهر فقط، وأضافت مستخدمة لغة مستوحاة من النقاشات المناخية: «يكاد الأمر يبدو وكأننا جزء من مؤتمر الحفاظ على المناخ»، وكانت هذه المحادثات الأممية انعقدت بالفعل على بُعد أميال قليلة في بيليم، المدينة الشاسعة الواقعة على أطراف غابات الأمازون المطيرة.

وعلى الرغم من أن النسبة الكبرى من الأشخاص الذين يعيشون دون كهرباء تتركز في قارة إفريقيا، فإن أعداداً غير قليلة في الجزء الغربي من العالم لاتزال محرومة من هذه الخدمة الأساسية، حيث يعيش نحو 17 مليون شخص بلا كهرباء على الإطلاق، بينما يعتمد نحو 60 مليوناً آخرين على مولدات صغيرة تعمل بالديزل، وهو من أكثر مصادر الطاقة تلويثاً للبيئة وأعلاها كلفة.

وفي منطقة الأمازون البرازيلية وحدها، يوجد نحو مليون شخص لا تصل إليهم الكهرباء، في حين يعتمد مليونا شخص آخرين على الديزل لتوليدها.

وينتمي معظم هؤلاء السكان إلى مجتمعات من السكان الأصليين أو المنحدرين من أصول إفريقية، المنتشرين في أنحاء أميركا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي، وفي حالات أخرى، كما في جزيرتي باكيتا وجوتوبا، ينحدر السكان من أصول مختلطة، ويعيشون على ضفاف نهر الأمازون وفروعه العديدة.

معاناة كبيرة

وعلى الرغم من أن إسهام هذه الفئات في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضئيل للغاية، فإن معاناتها مع نقص الطاقة تبقى كبيرة.

فالثلاجة الأميركية العادية التي تعمل على مدار العام، تُنتج انبعاثات تفوق ما يُصدره معظم هؤلاء الأشخاص مجتمعين.

ومع ذلك، تظل مسألة إيصال الكهرباء إلى فقراء العالم قضية ملحة لا تحتمل التأجيل.

ومع تزايد أعداد السكان، أصبح الاعتماد على الحطب في الطهي أحد العوامل الرئيسة في إزالة الغابات، خصوصاً في المناطق الفقيرة.

وقد دافعت العديد من حكومات الدول النامية عن حقها في استغلال الوقود الأحفوري، معتبرة أن توسيع نطاق الوصول إلى الكهرباء بسرعة يجب ألا يقابل باللوم، حتى في ظل المخاوف المناخية المتزايدة.

ويُمثّل الحصول على الكهرباء بالنسبة لكثيرين، الخطوة الأولى للاندماج في اقتصاد أوسع وأكثر استقراراً، فعلى مستوى الأسرة، قد يعني ذلك امتلاك ثلاجة أو جهاز تلفاز أو هاتف ذكي مزود بكاميرا وتطبيقات للتواصل، مع إمكانية شحنه بشكل دائم.

أما على مستوى المجتمع، فقد يتجسد في وجود مكبرات صوت في الأماكن العامة، أو شبكات إنترنت لاسلكية عامة، أو آلات كهربائية، مثل معاصر الزيوت التي ترفع كفاءة الإنتاج وتساعد السكان المحليين على زيادة دخلهم.

تأثير الكهرباء

وفي المحصلة، لا يكاد يخلو جانب من جوانب الحياة اليومية من تأثير توافر الكهرباء أو غيابها، وقد تجسد ذلك بوضوح في حدث بسيط جرى أخيراً على أرض رملية مقابلة لسفن مؤتمر المناخ، حيث تجمع سكان جزيرتي جوتوبا وباكيتا لإقامة بطولة لكرة القدم الخماسية، وكان من المفترض أن يحصل الفريق الفائز على ثور كجائزة، إلا أن هذا الثور لم يكن مميزاً، حيث بدا هزيلاً وقرونه معوجة.

ومع حلول الظلام، لم تُلعب المباراة النهائية، حيث اضطر الحكم إلى إنهاء البطولة بسبب غروب الشمس وعدم توافر الإضاءة اللازمة، واتفق الفريقان المتأهلان على ذبح الثور وتقاسم لحمه بدلاً من استكمال المباراة.

واقع مختلف

وعلى الرغم من الصورة الرومانسية التي كثيراً ما ترسم لأنماط الحياة التقليدية في نقاشات تغيّر المناخ، تؤكد المسؤولة عن أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في التحالف العالمي للطاقة من أجل الإنسان والكوكب، إيزابيل بلتران، أن الواقع مختلف، وتقول: «إذا أتيحت للناس فرصة الحصول على الكهرباء، فإن قلة قليلة فقط ستختار العيش بدونها، فالأمر لا يقتصر على تسهيل الحياة، بل يتعلق أيضاً بفرص كسب الرزق».

وتجسد تجربة أنطونيا مايا البالغة 80 عاماً، هذا الواقع بوضوح، فقد أمضت معظم حياتها دون كهرباء، إلى أن حصلت هذا العام على نظام بطاريات يعمل بالطاقة الشمسية ضمن برنامج حكومي، وتقول: «كنا نضطر إما لاستخدام الملح أو شراء الثلج يومياً للحفاظ على السمك من التلف»، حيث تعتمد عائلة أنطونيا في معيشتها على صيد الأسماك وجني الثمار من أشجار النخيل المحيطة بمنزلها، لكنها تعتبر أن هذا العمل شاق ومكلف، ولا يغطي نفقات العائلة مثلما في السابق.

وتعيش أنطونيا مع أفراد عائلتها على ساحل جزيرة باكيتا في مجمع سكني قائم على ركائز خشبية متصلة بممرات ضيقة، وقد حصلوا هذا العام على ثلاثة أنظمة بطاريات من بين نحو 300 نظام ركبتها شركة «إكواتوريال إنرجيا»، أكبر شركة مرافق في شمال البرازيل، بالتعاون مع الحكومة ضمن برنامج «النور للجميع»، الهادف إلى إيصال الكهرباء إلى المناطق الريفية، ويدفع السكان نحو خمسة دولارات شهرياً مقابل كل بطارية. عن «نيويورك تايمز»

. على الرغم من أن إسهام المجتمعات الفقيرة في الانبعاثات ضئيل للغاية، فإن معاناتها مع نقص الطاقة تبقى كبيرة.

. الحصول على الكهرباء يُمثّل بالنسبة لكثيرين، الخطوة الأولى للاندماج في اقتصاد أوسع وأكثر استقراراً.

. 17 مليون شخص بلا كهرباء في الجزء الغربي من العالم، بينما يعتمد 60 مليوناً آخرون على مولدات صغيرة تعمل بالديزل.


مضاعفة الجهود

قالت المسؤولة عن أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في التحالف العالمي للطاقة من أجل الإنسان والكوكب، إيزابيل بلتران، إن معظم مكاسب الكهرباء تتحقق من خلال توسيع الشبكات العامة، إلا أن الوصول إلى المجتمعات النائية والمعزولة يتطلب جهوداً مضاعفة واستثمارات أكبر، لضمان ألا يبقى الضوء حكراً على مجتمعات معينة، بل حق متاح للجميع.


«النور للجميع» يُسعد سكان المناطق الريفية

«النور للجميع » أصبح أبرز المشروعات الاجتماعية في البرازيل. من المصدر

خلال فترة حكمه الأولى، أطلق الرئيس البرازيلي الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، برنامجاً رائداً يهدف إلى توفير الكهرباء في المناطق الريفية، أطلق عليه اسم «النور للجميع»، ونجح هذا البرنامج، على مر السنين، في إيصال الكهرباء إلى ملايين الأشخاص، ليصبح أحد أبرز المشروعات الاجتماعية في البرازيل.

ويركز البرنامج بشكل خاص على منطقة الأمازون، حيث يتم استخدام أنظمة بطاريات تعمل بالطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء، ومن أمثلة هذه الأنظمة نظام «السيدة مايا».

وعلى الرغم من بطء وصول الكهرباء إلى بعض المناطق النائية، فإن العائلات المستفيدة كانت في غاية السعادة، من بينها عائلة مايا الكبيرة التي تعيش في جزيرة باكيتا، وأعربت مايا، وهي أمّ لتسعة أبناء، عن فرحتها الكبيرة بوصول الكهرباء إلى منزلها، مشيرة إلى أنها فقدت القدرة على التمكن من إحصاء عدد أحفادها وأبناء أحفادها بسبب كثرتهم.

وفي يوم توصيل الطاقة إلى المنزل، أراد العديد من أفراد العائلة الاحتفال بذلك، فتجمعوا في المنزل استعداداً للسفر بالقارب معاً، لحضور بطولة لكرة القدم تقام بين جزيرتَي باكيتا وجوتوبا.

ومن بعيد، وعلى الرغم من الجو الرطب والكثيف بالضباب، كان يمكن رؤية أفق مدينة بيليم يتلألأ، وهي المدينة التي يقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة.

وبينما عادت أسرة مايا إلى المنزل بعد حضور البطولة، كانت البطاريات الشمسية قد بدأت العمل بالفعل، وشعرت مايا بالراحة وهي جالسة على أرجوحتها تشاهد برنامجها التلفزيوني المفضل «فانتاستيكو».

وفي الوقت نفسه، انطلقت أصوات هواتف أبنائها المحمولة بصخب، حيث كان أحد أبنائها، وهو رايموندو مايا مورايس البالغ 42 عاماً، يقضي ساعات الصباح الباكر في تسلق أشجار النخيل لقطف الثمار، قد فتح أحد التطبيقات التي تهمه، معرباً عن فرحته الكبيرة بتحقق ذلك، بعد وصول الكهرباء إلى منزل العائلة.


«فقر الطاقة»

منذ عام 2000، شهد العالم تحسنا كبيرا في مدى توافر الكهرباء، حيث ارتفعت نسبة سكان العالم الذين يمكنهم الوصول إلى الكهرباء من نحو 75% إلى نحو 90% بحلول عام 2020، وفقا للبنك الدولي.

وعلى الرغم من هذا التقدم الملحوظ في توسيع شبكات الكهرباء، إلا أن مجرد وجود شبكة كهربائية لا يعني بالضرورة استفادة السكان منها، فالكثير من المناطق تواجه مشكلات مثل انقطاع التيار المتكرر، أو ارتفاع كلفة الكهرباء بشكل يجعل استخدامها محدودا، أو عدم توافرها بشكل كاف لتلبية احتياجات السكان اليومية.

ولذلك، فإن التوسع في خدمات الكهرباء لم يترجم تلقائياً إلى تحسين ملموس في حياة جميع الأشخاص، فقد أظهرت دراسة بحثية حديثة أن نحو 1.18 مليار شخص على الأقل يعانون من ما يعرف بـ«فقر الطاقة»، أي أنهم لا يستطيعون استخدام الكهرباء بشكل فعال في حياتهم اليومية، هذا الرقم يمثل زيادة كبيرة تصل إلى نحو 60% مقارنةً بعام 2020، عندما كان هناك 733 مليون شخص تقريباً لا يملكون أي اتصال بالكهرباء على الإطلاق، وفقاً للبيانات الرسمية المتاحة.

لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في توصيل الكهرباء إلى السكان، بل في ضمان أن تكون الكهرباء متاحة بشكل مستمر، وبأسعار معقولة، وبجودة تسمح لهم بالاستفادة منها في حياتهم اليومية والأنشطة الأساسية مثل الطهي، والتعليم، والصناعة الصغيرة.

. ارتفاع كلفة الكهرباء يجعل استخدامها محدوداً.

تويتر