مدارس تحاول استغلاله لتطوير التعليم

الذكاء الاصطناعي يدخل الفصول الدراسية بولاية جورجيا الأميركية

صورة

في ولاية جورجيا يفكر المعلمون في منطقة قريبة من مدينة أتلانتا أكثر في ما يجب أن يتعلمه الطلاب بشأن الذكاء الاصطناعي. لقد بدأت رؤيتهم تصبح حقيقة. ويُجري أصغر المتعلمين محادثات حول التقنيات الحديثة، مثل «أليكسا»، وهو مساعد ذكي افتراضي طورته «أمازون»، ويمكن لطلاب المدارس الثانوية الآن تلقي دروساً تتخللها أوقات يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لحل مشكلات العالم الحقيقي.

وتقول مديرة الذكاء الاصطناعي وعلوم الكمبيوتر في مدارس مقاطعة جوينيت العامة، سالي هولواي: «ما نحاول فعله حقاً هو تعليم طلابنا كيف يفكرون بشكل ناقد».

وبدت مختبرات الكمبيوتر في المدارس ذات يوم كأنها مستقبلية، والآن أصبح الإنترنت في كل مكان، في وقت ينتقل العالم إلى الحدود التالية مع انتقال الذكاء الاصطناعي إلى بيئات التعلم. وأثار ظهور «تشات جي بي تي» للمرة الأولى منذ أكثر من عام، مخاوف مستمرة بشأن الغش وقدرة الأداة على تضليل الطلاب، لكن بعض المعلمين يرون أيضاً أنها فرصة للابتكار.

ويرأس الباحث ديفيد توريتسكي مبادرة الذكاء الاصطناعي لمرحلة الروضة وحتى الصف الثاني عشر، والتي بدأت في عام 2018 بعد أن أدرك أن معايير علوم الكمبيوتر في المدارس بولاية جورجيا لم تعط الاهتمام لمجال الذكاء الاصطناعي المزدهر. وتعمل المجموعة على تطوير إرشادات تعليمية تحدد ما يجب أن يعرفه الطلاب عن هذه التقنية، وكيف يجب أن يكونوا قادرين على استخدامها.

ويستخدم الذكاء الاصطناعي في الكثير من الأشياء بدءاً من تطبيقات الهواتف الذكية وحتى أنظمة تجنب الاصطدام في السيارات، ومع ظهور نماذج لغوية كبيرة مثل «تشات جي بي تي»، التي تعتمد على كميات هائلة من البيانات، سيصبح الذكاء الاصطناعي أكثر حضوراً في الحياة اليومية - كما يقول توريتسكي - موضحاً الحاجة إلى التعليم ذي الصلة.

وقامت مبادرة الذكاء الاصطناعي من الروضة وحتى الصف الثاني عشر بتجربة دورة دراسية اختيارية للذكاء الاصطناعي في بعض المدارس المتوسطة في جورجيا، والتي تتضمن موضوعات مثل الروبوتات والمركبات المستقلة وكيفية فهم أجهزة الكمبيوتر للغة واتخاذ القرارات.

ويقول توريتسكي، وهو أستاذ وباحث في علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون: «إن الطريقة التي يتعامل بها الأطفال مع الذكاء الاصطناعي ستعتمد كثيراً على كيفية وصول النماذج اللغوية الكبيرة إلى مجتمعنا»، مضيفاً: «نحن لا نفهم بعدُ كيف سيبدو ذلك».

مرحلة تجريبية

في أكتوبر وجد مركز إعادة اختراع التعليم العام أن ولايتين أميركيتين فقط (كاليفورنيا وأوريغون) أصدرتا إرشادات محددة بشأن تعليم الذكاء الاصطناعي، ويشبّه المسؤولون من مدارس مقاطعة جوينيت العامة هذه الضرورة الأكاديمية بقيادة السيارة، فقبل أن يجلس الأشخاص خلف عجلة القيادة عليهم معرفة قواعد الطريق وأساسيات صيانة المركبات. ويقولون إن الذكاء الاصطناعي يتطلب تعليماً مماثلاً.

سوف يتعرض الطالب الجاهز للذكاء الاصطناعي، كما هو محدد من قبل المنطقة، لمجالات علوم البيانات، والتفكير الرياضي، وحل المشكلات الإبداعي، والأخلاقيات، والخبرات التطبيقية، والبرمجة، إن لم يكن على دراية جيدة بها. وفي مجموعة تجريبية من المدارس قامت المنطقة بتضمين إطار التعلم هذا في الفصول الدراسية من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر.

وتقول هولواي عن العمل الذي تقوم بتنسيقه: «يسمع الطلاب كل يوم عن مدى انتشار الذكاء الاصطناعي ومدى انتشاره في كل صناعة في المستقبل»، موضحة: «لذلك أعتقد أنهم مهتمون بمعرفة المزيد وإعداد أنفسهم حقاً لمستقبلهم». ويقول كارتر واتكينز، أحد طلاب مدرسة سيكينجر الثانوية في بوفورد، التابعة لمنطقة جوينيت، إن إدراج الذكاء الاصطناعي في جميع مواده الأساسية جعله أكثر اهتماماً وحريصاً على الذهاب إلى المدرسة. ويتابع الطالب: «لقد استمتعت بشكل خاص بنشاط معملي في فصل الفيزياء، حيث اعتمد الطلاب على الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد سيارة التحكم عن بعد التي تتحرك بشكل أسرع باستخدام بطاريات مختلفة».

ويقول واتكينز: «إن الأمر لا يشبه العمل بالكتب المدرسية فحسب. أنت تضع غطاء تفكيرك». وباعتباره رائداً في مدرسته وطموحاً، يرغب الطالب الأميركي في الدخول في مجال التسويق الرياضي، موضحاً أن مهارات الذكاء الاصطناعي تساعده في أن يصبح «فرداً أكثر شمولاً»، قائلاً: «الذكاء الاصطناعي ليس سيئاً بالكامل». مع أو من دون توجيه رسمي يعرض بعض المعلمين بالفعل كيف يمكن استخدامه لتحقيق الخير.

فوائد تقنية

وفي مدرسة «هايلاندز رانش» الثانوية خارج مدينة دنفر، استخدم مديرها كريس بيغ جونيور الذكاء الاصطناعي لتطوير طرق لحل «سكافنجر هانت»، وهي لعبة يقوم فيها المنظمون بإعداد قائمة تحدد مجموعة عناصر يسعى المشاركون إلى جمعها أو إكمالها جميعاً في القائمة، وقد استوحى المدير الإلهام من الذكاء الاصطناعي، وقام بالتعديل على الاقتراحات.

وبعد أن حل الطلاب اللغز سمح لهم بالتعرف إلى سره. يقول بيغ جونيور إنه أراد أن يعرف موظفوه وطلابه أن هناك فوائد من تقنية الذكاء الاصطناعي إذا تم استخدامها بشكل صحيح، تماماً مثل التكنولوجيا السابقة التي بدت مثيرة للقلق في البداية. ويقول: «الذكاء الاصطناعي ليس سيئاً بالكامل»، موضحاً: «ما نعرفه أنه صحيح هو أن هناك دائماً تحولات تعليمية، والكثير منها عبارة عن تحولات تكنولوجية في التعليم».

ويقول الخبراء إن دمج الذكاء الاصطناعي في الخطط التدريسية سيكون عملية تدريجية، ويرجع ذلك جزئياً إلى حاجة المعلمين إلى تعلم التكنولوجيا أيضاً. ووجد استطلاع أجرته مؤسسة «أديوكيشن ويك» في الخريف أن ثلثي المعلمين الأميركيين لم يستخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية، ومن بين هؤلاء لم يكن لدى أكثر من الثلث أي خطط لاستخدامه، بينما يتصور ثلث آخر استخدامه قريباً.

• إدراج الذكاء الاصطناعي في جميع المواد الأساسية جعل الطلاب أكثر اهتماماً وحرصاً على الذهاب إلى المدرسة.

• في أكتوبر وُجد أن ولايتين أميركيتين فقط (كاليفورنيا وأوريغون) أصدرتا إرشادات محددة بشأن تعليم الذكاء الاصطناعي.


طابع شخصي

عندما يستخدم المعلمون في «هايلاندز رانش»، الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي، فإن الدروس تُعرّف الطلاب في الغالب بقدراتهم وعيوبهم، كما يقول مدير المدرسة. وعلى سبيل المثال قد يطلب المعلمون من الذكاء الاصطناعي إنشاء قصة تاريخية ثم يطلبون من الطلاب فحصها لتحديد ما هو الصواب والخطأ. ويقول مدير مدرسة «هايلاندز رانش» الثانوية، كريس بيغ جونيور، إن المشروع «ذا التوجه البحثي» يسمح للطلاب «بأن يصبحوا مؤرخين حقاً، لأن هذا ما يفعله المؤرخون».

وتدمج شبكة «مدارس دافنشي»، في منطقة لوس أنجلوس التعليمية، المعايير التعليمية مع اهتمامات الطلاب، وتنتج أفكار مشاريع تضفي طابعاً شخصياً على التعلم، كما يقول ستيف إينو، مدير مشروع ليو.

«مشروع ليو»

يعد المشروع أداة تعليمية مبتكرة مصممة لإلهام المعلمين والطلاب على حدٍ سواء، وباستخدام مشروع ليو يستطيع المعلمون دمج التقنية بسهولة في فصولهم الدراسية، ما يساعد الطلاب في العثور على مساراتهم الفريدة لتحقيق النجاح. ومن خلال إزالة جمود الفصول الدراسية التقليدية يمنح مشروع ليو الطلاب الحرية لمتابعة شغفهم واستكشاف اهتماماتهم الخاصة، ومن خلال إشراك الطلاب وتمكينهم من التحكم في تعلمهم، يساعد المشروع في إعطاء المدرسة هدفاً وإعدادهم لمهنهم المستقبلية.

لا يقدم مشروع ليو أفكاراً تتوافق مع أهداف التعلم المدرسية فحسب، بل يساعد الطلاب أيضاً على تطوير مهاراتهم المهنية، ومن خلال دمج اهتمامات الطلاب ومتطلبات السوق والمهارات يوفر مشروع ليو فرصة فريدة للطلاب لاستكشاف شغفهم أثناء الاستعداد لمهنهم المستقبلية، ويمكّن هذا النهج الطلاب من الحصول على ملكية تعلمهم، ويمكّنهم من تطوير فهم واضح لكيفية مساهمة تعليمهم في تحقيق أهدافهم المهنية. ويتيح المشروع للطلاب الحصول على ملكية تعلمهم من خلال إنشاء مشاريع مخصصة بناءً على اهتماماتهم. وباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، يعمل مشروع ليو على مواءمة اهتمامات الطلاب مع أهداف الفصل الدراسي والمسارات المهنية المحتملة، ما يؤدي إلى إنشاء تجربة تعليمية جذابة حقاً.

وظائف مستقبلية

يقول ستيف إينو، الذي يدرس الهندسة الميكانيكية ويدير «مشروع ليو»، إن أحد الطلاب ابتكر «محللاً للخدع» باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، والذي سيقدم توصيات حول كيفية تحسين المتزلجين لشكلهم. ويوضح إينو: «لا أعتقد أن كل طفل سيكون مهتماً باستخدام الذكاء الاصطناعي في البناء. أعتقد أن الطلاب بحاجة إلى معرفة كيفية عمل ذلك وما هو ممكن من خلاله».

أحياناً يطرح مشروع ليو أفكاراً سيئة أو لا يحبها الطلاب - وفقاً لمديره إينو - ويقول إن هذا أمر جيد، «لأنه يُظهر لهم العيوب المحيطة بالذكاء الاصطناعي»، ولكن عندما تثير فكرة مشروع تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي خيال الطالب فإنها تؤدي إلى مزيد من المشاركة، وفي النهاية مجموعة من الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى وظائف مستقبلية - كما يقول إينو - الذي يرى أن «الطلاب بحاجة إلى أن يكونوا متحمسين».

تويتر