بهدف وقف محاولة إسرائيل السطو على بترول السويس في السبعينات

الإسكندرية تودّع بطل عملية «الحفار» الربان محمود سعد

صورة

ودّعت الإسكندرية رسمياً وشعبياً بحزن بالغ الأسبوع الماضي الربان اللواء محمود سعد، أحد أبطال عملية «الحفار» التي تم فيها تدمير معدات إسرائيلية كانت في طريقها إلى سيناء التي كانت محتلة بعد هزيمة 1967 لاستخراج البترول من خليج السويس، وحضر الجنازة محافظ الإسكندرية ونخبة من المسؤولين المصريين وشخصيات عامة وحشد من المواطنين المصريين، وأقيمت الصلاة على البطل المصري الراحل في مسجد المواساة، وتم دفنه في مقابر الناصرية.

وقال رفيق وصديق محمود سعد في مسيرة حياته، الربان عمر عز الدين، والذي كان أحد أبطال عملية «إيلات»، في منشور على صفحته على «فيس بوك»، «أنعي أخي وزميل كفاحي البطل محمود سعد الحاصل على وسام النجمة العسكرية، وبطل عملية إغراق الحفار الإسرائيلي في أبيدجان. ندعو بالرحمة والغفران للبطل الغالي».

ووثق الكاتب الراحل صالح مرسي في كتابه «الحفار» الصادر عن «دار الشروق» المصرية تفاصيل عملية تدمير المعدة الإسرائيلية التي كانت في طريقها إلى السويس لاستخراج البترول لصالح إسرائيل، وقال إن «العملية بدأت فعلياً بعد أن طيرت وكالات الأنباء في الأيام الأولى في شهر نوفمبر 1969 خبراً عن اعتزام إسرائيل التنقيب عن البترول في خليج السويس بعد أن وصلت حرب الاستنزاف إلى ذروة خطيرة، وسببت دوريات الفدائيين المصريين التي كانت تتسلل إلى سيناء عبر قناة السويس إزعاجاً شديداً للإسرائيليين».

وتابع مرسي أن «الخبر جعل المخابرات المصرية لا تنام، وظن البعض في البداية أن الخبر يمكن أن يكون نوعاً من بالونات الاختبار أو حرب الأعصاب، لولا أن وكالات الأنباء عادت في الأسبوع نفسه تطيّر خبراً يقول إن إسرائيل استأجرت من أجل التنقيب عن البترول في سيناء حفاراً سيبدأ عمله في القريب».

وتابع مرسي «كان واضحاً أن إسرائيل تريد أن تفرغ حرب الاستنزاف من مضمونها، وكانت تريد أن تقول للعالم إن الأوضاع في سيناء مستقرة، وإنها إذا كانت استأجرت حفاراً فمعنى هذا أنها ستنقب عن البترول عند الشواطئ، وإذا كان الشاطئ الوحيد الصالح لهذا النوع من التنقيب هو شاطئ سيناء، فإن معنى هذا وبصرف النظر عن المشاكل السياسية والاقتصادية، أن التنقيب سيكون أمام أعين المصريين ولن يستطيعوا التعرض للحفار، وكان الهدف الأول هو إذلال مصر أمام العالم أجمع»، ومن هنا نشأ التحدي واتخذ القرار بانطلاق العملية.

ووثق مرسي ومصادر صحافية متطابقة تفاصيل عملية «الحفار»، والتي أطلق عليها أيضاً اسم «الحج»، مؤكدة بأنها تمت بقرار مباشر من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وبإشراف المخابرات المصرية وتنفيذ قوات البحرية، في ظل توقعات بإثارة العملية لأزمات سياسية على أصعدة مختلفة، حيث كان الحفار والذي كان يسمى «كانتينج 1»، تبنيه شركة إنجليزية، وتملكه شركة أميركية، ويمر بدولة إفريقية، وتسحبه قاطرة هولندية، وتستأجره الحكومة الإسرائيلية، كما كشفت المصادر أن العملية المشار إليها تم وضع سيناريوهات عدة وسيناريوهات بديلة لتنفيذها، أولها تدمير «الحفار» على يد مجموعة من الضفادع البشرية الذين يسافرون إلى أبيدجان في ساحل العاج بسواتر مختلفة، أو تتبع الحفار وتدميره عن طريق سفينة صيد، أو إقامة حفل فوق يخت يتم استئجاره تتسلل الضفادع البشرية منه، أو ضرب الحفار بالصواريخ، وقد تم الاستقرار على السيناريو الأخير الخاص بسفر الضفادع البشرية وتسللهم إلى الميناء وقيامهم بتلغيمه، وتم تنفيذ العملية باقتدار حيث نفذت العملية الساعة الثامنة صباحاً، ثم توجه الضفادع البشرية الذين كانوا ينفذونها عقب ذلك مباشرة إلى المطار في أبيدجان، لتقلع طائرتهم في تمام الساعة الثامنة والثلث ليغادروا ساحل العاج إلى القاهرة.

هذا وقد احتلت عملية «الحفار» مساحة واسعة في الوجدان المصري، واختلفت الروايات الصحافية بشأن الدور التمويهي الذي قامت به السينما المصرية وطواقمها في تمرير العملية.

وقال الباحث والناقد الأدبي أيمن البنا إن «الحفار ارتبط بالوجدان الفني عبر مسارين، أولهما ما تردد عن استعانة منفذي العملية بفريق سينمائي للتمويه على العملية بحيث تستطيع الضفادع البشرية التحرك وسط حركة إخراج فيلم سينمائي، وفي هذا الصدد هناك روايتان إحداهما هي أن هذا الفيلم المشار إليه يسمى (ابن إفريقيا)، من تأليف سيد المغربي وإخراج حلمي رفله، وبطولة نبيلة عبيد ومديحة كامل ونوال أبوالفتوح ومجموعة من الممثلين النيجريين، وتم إعادة إنتاجه باللغة السواحلية، وهناك رواية أخرى هي أن هذا الفيلم هو (عماشة في الأدغال)، بطولة فؤاد المهندس ومحمد رضا وسهير زكي ونجوى فؤاد وإخراج محمد سالم».

وتابع البنا «هناك من يتبنى إحدى الروايتين، وهناك من ينكر إحداهما أو ينكرهما بالكلية، لكن أياً كان الأمر فإن القصة البطولية ذاتها عادت لتلتحم مرة أخرى بالوجدان الفني فتم تمثيل أحداث ما جرى أيضاً في مسلسل حمل اسم (الحفار)، للكاتب صالح مرسي والسيناريست بشير الديك، ومثل فيه حسين فهمي ومصطفى فهمي ويوسف شعبان وكرم مطاوع وسوسن بدر وهالة صدقي وسماح أنور، وإخراج وفيق وجدي».

الجدير بالذكر أن الربان محمود سعد بطل عملية «الحفار» ينتمي إلى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وحصل في حياته على تكريمات عدة من رؤساء مصر المختلفين، وتم اختياره ضمن ستة أشخاص للعملية، تم اختزالهم إلى ثلاثة فقط هم الملازم أول حسني الشراكي، والملازم أول محمود سعد، وضابط الصف أحمد المصري، حرصاً على القوة البشرية، وشارك الربان سعد في أربع عمليات من أصل خمس استهدفت العمق الإسرائيلي، كما شارك في حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973 من خلال عملية تمت يوم الثامن من أكتوبر استهدفت حفاراً إسرائيلياً في منطقة أبورديس، طبقاً لشهادة قائد العملية اللواء الراحل أنور عطية في إفادات إعلامية ولقاءات تلفزيونية.

• وثّق الكاتب الراحل صالح مرسي في كتابه «الحفار» الصادر عن «دار الشروق» المصرية تفاصيل عملية تدمير المعدة الإسرائيلية التي كانت في طريقها إلى السويس لاستخراج البترول لصالح إسرائيل.

• بصرف النظر عن المشاكل السياسية والاقتصادية، عملية التنقيب كانت ستتم أمام أعين المصريين ولن يستطيعوا التعرض للحفار، وكان الهدف الأول هو إذلال مصر أمام العالم أجمع، ومن هنا نشأ التحدي واتُّخذ القرار بانطلاق العملية.

تويتر