بعد خمس سنوات من كارثة برج جرينفيل

الناجون وعائلات الضحايا يطالبون بالعدالة في حريق لندن

صورة

عندما حلق 18 بالوناً أخضر، واحد لكل طفل مات في حريق برج جرينفيل، في السماء يوم الثلاثاء الماضي، بجانب المبنى المهجور، صعدت عائشة البالغة من العمر ثماني سنوات، والتي نجت من الحريق، على المنصة الشرفية بالقرب من منزلها السابق. فيما تم تغطية المبنى الذي احترق بالكامل.

وقالت عائشة وهي تقرأ قصيدة نظمتها «لن أنسى أصدقائي وجيراني الذين لم ينجوا» متابعة «سوف نناضل من أجل العدالة».

وبعد خمس سنوات من الحريق المدمر في مبنى جرينفيل السكني، غرب لندن، والذي أسفر عن مقتل 72 شخصاً، اجتمعت عائلات وأصدقاء الضحايا، بالإضافة إلى الناجين والمؤيدين لتكريم أولئك الذين ماتوا، من أجل المطالبة بالعدالة بخصوص مأساة مازالت بالنسبة للكثيرين جرحاً مفتوحاً.

وقال الباحث عبدالحكيم مراد، وهو أيضاً عميد كلية إسلامية، خلال الوقفة التي أقيمت عند برج جرينفيل، «لقد مرت خمس سنوات، ولم يتم توقيف أي شخص».

وتجمع حشد من الناس يرتدون اللون الأخضر الرمزي لجرينفيل، على قمصانهم وستراتهم وأغطية الرأس، في الصباح لحضور قداس في كنيسة وستمنستر، ثم آخر في فترة ما بعد الظهر بالقرب من برج جرينفيل.

وقد وضع المتجمعون باقات من الورود البيضاء بجوار الجدران الحاجزة المؤقتة التي تحيط بالبرج، والتي أصبحت في السنوات التي تلت الحريق نصباً تذكارياً مؤقتاً، مُزيناً بالصور والفسيفساء والبالونات والرسومات والتكريمات. وقبل القداس، كان هناك من يواسي ويحضن من يبكي على ذكرى أحبائه، وكان هناك من يحرق البخور ويكتب الرسائل على الحائط المخصص لهذا الغرض.

وأخبر الناجون رجلاً مفجوعاً أن شقيقه كان أطيب رجل، وقالوا لعائلة حزينة أخرى، إن ابن عمهم الشاب، الذي مات في الحريق كان دائماً يساعد جيرانه.

وشاهدت آن ميرفي، وهي في الثمانينات من عمرها، توفي ابنها دينيس ميرفي في الحريق، ابنها الأصغر يكتب بعض الكلمات على الحاجز نيابة عنها. وكتب بقلم أسود، «أحبك وأفتقدك يا بني».

وقالت السيدة المُسنة «لايزال الأمر مؤلماً للغاية». وأضافت وهي تحمل صورة دينيس «نريد العدالة. لقد قُتل ابني وأشخاص آخرون».

ملابسات الحادث

وأضاف ابنها الأصغر، تيم مورفي، أن معظم العائلات التي فقدت أحباءها يمكن أن تجد السلام مع الوقت، «لكننا لا نستطيع، بسبب كل التجاذبات السياسية التي يدور حولها هذا الحريق» وقال «الأمر ليس بالسهل».

واندلع الحريق، الذي انتشر في المبنى بسبب كسوة قابلة للاشتعال تمت إضافتها إلى السطح الخارجي، أثناء عملية التجديد. وتم حظر الكسوة في العديد من البلدان، لكن إلغاء القيود المحلية يعني أنه لايزال من الممكن استخدامها في بريطانيا، حيث قرر السياسيون بوضوح أن مخاوف الكلفة تفوق مخاطر الحريق.

وأطلقت الحكومة تحقيقاً في ملابسات الحريق، في عام 2017، وفقط بعد انتهاء المرحلة الثانية من التحقيق، يمكن أن يخلص تحقيق جنائي منفصل من قبل شرطة لندن، إلى احتمال توجيه اتهامات رسمية. وحتى عندما اتحد المجتمع في الذكرى والحزن، تخللت اليوم الرغبة في المساءلة والتغيير.

وقال عميد كنيسة وستمنستر، ديفيد هويل، أثناء افتتاحه القُداس صباح الثلاثاء، «لاتزال الخسارة والألم كبيرين، ونجتمع هنا في حزن وألم» وطلب هويل من الحاضرين الالتزام بتذكر الضحايا والسعي لتحقيق العدالة لأولئك الذين تعرضوا للظلم. وأجاب التجمع بعبارة: «سوف نسعى إلى تحقيق العدالة».

وحضر القداس قادة من بعض المجتمعات المسلمة، واليهودية، والأرثوذكسية، والسيخية، في لندن، لتمثيل العقائد المتنوعة للأشخاص الذين سكنوا برج جرينفيل، وقراءة أسماء الضحايا بصوت عالٍ.

كما حضر مايكل جوف، وهو وزير في مجلس الوزراء تشمل مسؤولياته سياسة الإسكان، الحفل في وستمنستر، بينما التقى الأمير وليام وزوجته كاثرين، العائلات والمتجمعين عند البرج، ووضعوا إكليلاً من الزهور.

وتمت تلاوة آيات من القرآن الكريم أعقبتها صلوات مسيحية؛ ووصف أفراد المجتمع برج جرينفيل، بأنه رمز للمعاناة والحب، ولكن، أيضاً، للعار بالنسبة لجميع أولئك الذين سمحوا بتركيب كسوة البرج الخطرة.

نصيحة قاتلة

انتقلت منانا جباري إلى لندن، من المغرب، بعد أشهر من اندلاع الحريق الذي أسفر عن مقتل ابنتها فوزية وزوجها وأطفالهما الثلاثة، وهي تقيم في إنجلترا. ورغم أنها لا تتحدث اللغة، إلا أنها تنتظر بفارغ الصبر للإدلاء بشهادتها في التحقيق. وقالت جباري، وهي تقف خارج كنيسة وستمنستر، «الوجود في المحكمة هو الشيء الوحيد الذي يهدئني».

قالت فرح، وهي قريبة فوزية، إن الأسرة كانت تعيش في الطابق الـ21 من المبنى وطلب منهم رجال الإطفاء البقاء في شقتهم. وقالت إنها سمعت تسجيلات المكالمات الأخيرة التي أجرتها الأسرة لخدمات الطوارئ، والتي اتهموا فيها رجال الإطفاء بالتسبب في قتل العائلة بنصائحهم. وأضافت فرح، 26 عاماً، «سمعنا من أفواههم ما حدث، لهذا السبب نحتاج حقاً إلى النضال من أجل العدالة».

• اندلع الحريق، الذي انتشر في المبنى بسبب كسوة قابلة للاشتعال تمت إضافتها إلى السطح الخارجي، أثناء عملية التجديد.


 ظروف غير متكافئة

انتقد الجزء الأول من التحقيق العلني، بشدة، فرقة الإطفاء في لندن لنصحها السكان بالبقاء في شققهم في الساعات الأولى من الحريق بناءً على افتراض أنه يمكن عزل الحريق عن أجزاء من المبنى.

كما سلطت المأساة التي وقعت في برج جرينفيل الضوء على الظروف المعيشية غير المتكافئة للناس في أحد أغنى أحياء لندن. ويقع البرج، بكسوته الخطيرة ونقص تدابير السلامة من الحرائق، والذي يفتقر إلى أجهزة إنذار الحريق والرشاشات ومخارج الحريق، على مسافة قريبة من شوارع «نوتينغ هيل» الشهيرة، وفي الحي نفسه الذي توجد فيه عقارات تشيلسي الفاخرة. وقال السكان إن عدم المساواة قد انعكس في مدة التحقيق.

مسيرة صامتة

قالت نيكولا فار، 32 عاماً، بينما كان ابنها جونيور، البالغ من العمر عاماً، في عربة أطفال، يحمل لافتة كتب عليها، «لأنه كان مجتمعاً من الطبقة العاملة، هناك نقص في الإلحاح. نطالب بالحقيقة».

وأضافت فار، التي تعيش بالقرب من البرج، إنه من المهم لابنها حضور هذه المناسبة. وتابعت، «من المهم له أن يرى الحزن. إنه جزء من تاريخنا، إنه متأصل في مجتمعنا» وفي نهاية اليوم، نظمت العائلات والناجون والمئات من المؤيدين، مسيرة صامتة في جميع أنحاء الحي لإحياء ذكرى الضحايا، حاملين لافتات كتب عليها: «أدلة كثيرة مازالت بلا تُهم».

وبجانب البرج، اعتلى كريم مصلحي، ممثل منظمة «جرينفيل يونايتد للناجين والعائلات»، الذي فقد عمه في الحريق، المنصة بعد نهاية المسيرة، وتساءل، «هل كنا نتوقع الوقوف هنا بعد خمس سنوات مما حدث؟» متابعاً، «لقد مرت خمس سنوات، ومازلنا هنا نقول الأشياء نفسها».

إهمال جسيم

أنفق التحقيق العام في أسباب الحريق الذي أودى بحياة 72 شخصاً في برج جرنفيل غرب لندن 149 مليون جنيه استرليني حتى الآن، مع تخصيص أكثر من 60 مليون جنيه استرليني للمحامين، الذين يعملون لصالح الأطراف الأساسية، حسبما كشف التحقيق الأسبوع الماضي.

وأنفقت فرقة الإطفاء في لندن 13 مليون جنيه استرليني إضافية، ومن المتوقع أن تنفق منطقة كينغستون وتشيلسي، 10 ملايين جنيه استرليني. وقالت شركة «أركونيك»، التي صنعت ألواح الكسوة القابلة للاحتراق، والتي كانت السبب الرئيس لانتشار الحريق، إنها أنفقت 55 مليون جنيه استرليني أتعاباً قانونية ومهنية، في الدفاع عن نفسها. ومن المتوقع أن تكون التكاليف أعلى، عند احتساب إنفاق الشركات الأخرى المتورطة في الكارثة.

واستمر التحقيق العام لأكثر من أربع سنوات، وحيث تقرر أن تنتهي الجلسات في يوليو المقبل، فإنه من غير المتوقع أن يقدم رئيس جهاز التحقيق، السير مارتن مور بيك، تقريره النهائي قبل عام 2023. وفي غضون ذلك، تحقق الشرطة في الجرائم المحتملة؛ بما في ذلك القتل غير العمد للشركات، والإهمال الجسيم وجرائم الصحة والسلامة. وهم ينتظرون نتيجة التحقيق العام قبل أن يقرروا ما إذا كانوا سيوصون بملاحقات قضائية، ما يعني أن أية محاكمات يمكن أن تبدأ بحلول عام 2024.

تويتر