إقناع لجنة الكونغرس كان مهمة شاقة للغاية

كيتانجي جاكسون.. أول قاضية سمراء في المحكمة العليا الأميركية

صورة

تأكيد قاضٍ في المحكمة العليا الأميركية، هو دائماً أمر يتعلق بـ«من له السلطة». ولكن عندما تكون المرشحة أول امرأة سمراء تصل إلى منصب في هذه الهيئة القضائية، فإن هذا السؤال يأخذ معنى جديداً. وبحصول كتانجي براون جاكسون على هذا المقعد، فسيصبح، أيضاً، استفتاءً بشأن أي نوع من الأشخاص يجب أن يكونوا مؤثرين، وكيف تساعد الدولة أو تعرقل تقدمهم.

لمشاهدة جلسات الاستماع الخاصة بتأكيدها، كان من الضروري ملاحظة مدى صعوبة استعداد البعض للانخراط بشكل محرج، ومدى حرصهم على الانخراط في التمثيل المسرحي والمعلومات المضللة، لمجرد إبطاء حدوث التغيير. وفي النهاية، بعد مراوغات كثيرة من قبل بعض الأعضاء، وافق مجلس الشيوخ، يوم الخميس، على ترشيح القاضية جاكسون، ما يجعلها أول امرأة سمراء، ستستمع إلى قضايا ذات مغزى ضخم ودقيقة، تُعرض على أعلى محكمة أميركية، في تاريخ المؤسسة البالغ عمرها 232 عاماً.

كان مستشار البيت الأبيض السابق، بيتر والسون، الشخص الذي اقترح على الرئيس رونالد ريغان، في عام 1986، اثنين من المرشحين المحتملين لمنصبين في المحكمة العليا؛ وهما القاضيان روبرت بورك وأنتونين سكاليا. وسأل الرئيس، حينها، ما إذا كان سكاليا لقباً إيطالياً؛ وأجاب والسون بالإيجاب. وبعد ذلك رد ريغان على الفور بأن سكاليا سيكون مرشحه. وتم تقديم هذه اللحظة كدليل على نفاق أولئك الذين وصفوا عملية ترشيح جاكسون بأنها «هجومية» أو فريدة إلى حد ما.

وبعد كل شيء، كان ريغان قد أدلى بتعليقات سابقة حول رغبته في ترشيح أميركي - إيطالي لعضوية المحكمة العليا، تقديراً للدور المهم الذي يلعبه الأشخاص من أصل إيطالي في البلاد. وقال والسون إنه كان مجرد «قرار مفاجئ»، وليس وعداً محسوباً. ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن فكرة أن ريغان أراد قاضياً، من التراث الإيطالي، لم يتم انتقادها في ذلك الوقت.

ولم يكن صادماً أن سكاليا سيكون لديه القوة؛ ولم يكن هناك انتقاد واسع النطاق لأنه أخذ المقعد الذي يستحقه شخص آخر، وتركز النقد الذي واجهه على سجله الفعلي.

وظهر الدليل في وقت مبكر على أن هذا لن يكون هو الحال هذه المرة؛ وعلى الفور، تعرضت جاكسون لفكرة أن ترشيحها نفسه كان غير عادل إلى حد ما.

أفكار عنصرية

في الأسابيع التي أعقبت تسميتها كمرشح رسمي، توصل المعارضون المحافظون إلى مجموعة جاهزة من الأفكار العنصرية حول الذكاء والقدرة، على الرغم من أنه من الصعب، في كثير من الأحيان، التشكيك في أوراق اعتماد خريج من جامعة «هارفارد» وموظف سابق في المحكمة العليا.

ودعا أحد مضيفي التلفزيون علناً إلى الحصول على درجات اختبار قبول كلية الحقوق الخاصة بالقاضية، مدعياً أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة مدى ملاءمة جاكسون للمحكمة، كما لو كان هناك سبب أساسي وواضح للشك.

من الأمور المركزية في حجج العديد ممّن عارضوا قرار الرئيس، جو بايدن، اختيار مرشح من مجموعة من النساء السمراوات المؤهلات جيداً، فكرة أن نظام هذا البلد لتوزيع الفرص - والسلطة في نهاية المطاف - مفتوح بالفعل بما فيه الكفاية، ومنصف بما يكفي. ولكن البيانات تقول إنه لاتزال هناك فجوات كبيرة، فنسبة الإناث في الولايات المتحدة 50.8٪، منهن نحو 40٪ من السود واللاتينيين والآسيويين، لكن مجلس الشيوخ ليس متجانساً، ولم يكن أبداً أي شيء من هذا القبيل، و24 فقط من أعضاء مجلس الشيوخ الحاليين من النساء؛ و11 عضواً من الملونين، غالبيتهم من الرجال.

وفي غضون ذلك، أدت جلسات الاستماع نفسها إلى زيادة التركيز على من يجب أن يتمتع بالسلطة في أميركا الحديثة، وماذا كان واضعو السياسات يريدون بالفعل.

وتبلغ القاضية من العمر 51 عاماً، فقط، ومن المرجح أن تقضي جاكسون عقوداً في قلب الصراع بين الميول المحافظة للغاية للقضاة المعينين من قبل الحزب الجمهوري وتفضيلات أميركا المتنوعة؛ لاسيما الأجيال الشابة، التي تشكل أكثر الأجيال تنوعاً عرقياً وثقافياً في التاريخ الأميركي.

جلسة شاقة

وتتذكر القاضية، كيف كانت تسير عبر الحرم الجامعي، عندما كانت طالبة في جامعة هارفارد، وكأنها لا تنتمي إلى المكان، عندما التقت امرأة سمراء لم تكن تعرفها، «نظرت إليّ وأعتقد أنها عرفت كيف كنت أشعر عندما انحنت وقالت: المثابرة»، وتابعت جاكسون: «أود أن أقول لهم (الشباب الأميركي) أن يثابروا». وجاءت هذه المشاركة للذكريات وسط الفحص العام لترشيح القاضية، في جلسة استماع شاقة استمرت أربعة أيام.

وبصفتها امرأة سمراء التحق والداها بمدارس منفصلة عرقياً، بحكم القانون، و«متأكدة تماماً» من أن أسلافها ينحدرون من العبيد، فإن تأكيد جاكسون سيغير مجرى التاريخ. ومنذ تأسيس المحكمة، كان 108 من القضاة، البالغ عددهم 115، من الرجال البيض. وجلست خمس نساء، فقط، على مقاعد البدلاء، واثنتان، فقط، من أصل إفريقي، وهما ثورغود مارشال والقاضية الحالية كلارنس توماس. وأصبحت التعيينات في المحكمة العليا، التي طالما كانت علامة بارزة لأي إدارة، مشحونة ومستقطبة بشكل متزايد. ولكن بعض مراقبي شؤون المحكمة العليا جادلوا بأن تأكيد جاكسون، العام الماضي، من خلال تصويت مجلس الشيوخ - من الحزبين - على عضويتها محكمة الاستئناف الفيدرالية كان في صالحها. وسيكون لتعيين جاكسون صدى كبير في بلد يواجه انقسامات عميقة بشأن العرق والعدالة الجنائية. وستصبح أول قاضية في المحكمة العليا تتمتع بخبرة كمدافع عام، محامية تمثل المتهمين الجنائيين، الذين لا يستطيعون، في العادة، تحمّل نفقات تمثيلهم.

فرصة وحيدة

تبدو هذه فرصة الرئيس جو بايدن الأولى - وربّما الوحيدة - لترك بصمته في المحكمة والوفاء بوعده بترشيح امرأة سوداء. وأجرى الرئيس السابق دونالد ترامب ثلاثة تعيينات في المحكمة العليا، ما عزّز الانقسام 6-3 بين القضاة المحافظين والليبراليين.

وتأكيد جاكسون لن يزعج التركيبة الأيديولوجية للمحكمة، في الوقت الذي تتم فيه دراسة قضايا مثل الإجهاض وحقوق التصويت وما يسمى بـ«التمييز الإيجابي»؛ لكنها ستضمن أن الجناح الليبرالي لن يفقد المزيد من الأرض.

قدرات واعدة

تعتقد المحامية كينيث فينبرغ، التي عملت مع جاكسون، في أوائل العقد الأول من هذا القرن، أنها «ستكون مؤهلة بشكل كبير لخلافة القاضي براير»، متابعة «لدى كيتانجي جاكسون آراء حازمة، ولكنني أتذكر أنها كانت لطيفة للغاية».

وولدت جاكسون في واشنطن وترعرعت في ميامي، بولاية فلوريدا، وأظهرت قدرات واعدة مبكراً، وانضمت إلى «الحكومة الطلابية في مدرستها»، وفازت بجوائز وطنية مع فريقها، في إلقاء الخطابات والمناظرة.

واستذكر ريتشارد روزنتال، وهو زميل سابق في المدرسة ومحامي استئناف، اليوم الذي تم فيه الإعلان عن قبولها في جامعة هارفارد، في مدرستهم الثانوية العامة، والتي كانت تعاني نقص التمويل. وقال خلال الجلسات: «تفاعل الفصل بأكمله على الفور، وراح الجميع يصفقون، وهرع الزملاء إلى كتانجي لتهنئتها». وتابع روزنتال «لم يشعر أحد بالغيرة، ولم يكن أحد مستاءً، ولم يفاجأ أحد على الإطلاق».

بعد كلية الحقوق بجامعة هارفارد، بدأت جاكسون مسيرة مهنية راوحت بين الممارسة الخاصة، إلى لجنة إصدار الأحكام في الولايات المتحدة. وعملت كاتبة لثلاثة قضاة، بمن في ذلك براير، ثم ارتقت بثبات في الرتب، وأصبحت قاضية منذ نحو 10 سنوات، أولاً في محكمة المقاطعة، ثم في محكمة الاستئناف في واشنطن العاصمة، التي يُنظر إليها عادةً على أنها ثانية أهم المحاكم في أميركا.

خلفية مشرقة

أشاد أعضاء لجنة التثبيت، في الكونغرس، من الحزبين بخلفية جاكسون. ولكن هذا الأسبوع، استهدفت المعارضة سجلها القانوني، وركزت على كل من الأحكام الفردية، وعملها كمدافع عام مرتبط بخليج غوانتانامو، القاعدة العسكرية الأميركية في كوبا، التي أصبحت موطناً لسجن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وأخبرت جاكسون اللجنة أن محامي الدفاع العام لا يختارون العملاء، وأنهم «(يدافعون) عن القيمة الدستورية للتمثيل».

وتُعرف جلسات الاستماع للتأكيد بالتبادلات العدائية والمداخلات المستمرة. وتمت مقاطعتها من قبل السيناتور تيد كروز 15 مرة، خلال فترته التي استمرت 20 دقيقة. بالإضافة إلى سؤالها عما إذا كانت توافق على فكرة أن «الأطفال عنصريون»؛ لكنها ظلت ثابتة طوال الوقت.

وقالت جاكسون للجنة الكونغرس: «لقد كرست مسيرتي المهنية لضمان أن الكلمات المحفورة على واجهة مبنى المحكمة العليا «العدالة المتساوية أمام القانون، هي حقيقة وليست مجرد فكرة مثالية». وكان ترشيحها «فرصة تاريخية لإلهام الأجيال المقبلة، وضمان الحرية والعدالة للجميع».

• 108 من القضاة، البالغ عددهم 115، من الرجال البيض، وذلك منذ تأسيس المحكمة العليا.

تويتر