الشاب يشتهر بتضامنه منقطع النظير ورباطه الدائم في الأقصى

محمد العجلوني مصاب بـ «متلازمة داون» يتصدى لمخطط تهجير عائلات الشيخ جراح

صورة

من بين منازل حي الشيخ جراح المقدسي، المهددة بالاستيلاء والمصادرة لمصلحة المستوطنين، يهتف سكان الحي بصوت واحد «جاء محمد»، وإذ بشاب ممتلئ الجسد، قصير القامة، ذي لحية خفيفة الكثافة، يقف إلى جانبهم، ويقول بصوت قوي فيه بحة لا يكاد البعض يفهمه: «لا لترحيل أهالي الشيخ جراح، اللهم انصر القدس والأقصى».

محمد مرشد العجلوني، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو من مصابي «متلازمة داون»، اكتسب حب وشعبية سكان حي الشيخ جراح، وكل بلدات مدينة القدس الشريف، جراء وجوده في كل الأحياء المقدسية التي تتعرض لمخططات الهدم والتهجير، إلى جانب رباطه الدائم في باحات المسجد الأقصى المبارك، للصلاة فيه، والتصدي لهجمات المستوطنين وجنود الاحتلال، لحظة اقتحامه.

تضامن منقطع النظير

يومياً، ومع ساعات الصباح الباكر، يغادر الشاب محمد منزل عائلته الكائن في حي وادي الجوز، الواقع في الجزء الشرقي لمدينة القدس الشريف، ليوجد طوال ساعات النهار في حي الشيخ جراح، للتضامن مع سكانه المقدسيين، الذين يواجهون مخططاً لتهجيرهم من منازلهم، من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، للسيطرة على منازلهم.

نشاط الشاب محمد التضامني في حي الشيخ جراح المقدسي، ظهر بشكل جلي خلال شهر فبراير الماضي، حيث يوجد بشكل دائم طوال ساعات النهار أمام منزل عائلة الحاجة المقدسية فاطمة سالم، جراء مواجهتها قراراً إسرائيلياً لإخلاء منزلها الذي تمتلكه منذ مئات السنين، والسيطرة عليه لمصلحة المستوطنين.

«الإمارات اليوم» تواصلت مع رشيد العجلوني، والد الشاب محمد، مراراً، ولكنه رفض الحديث في جميع المحاولات، وقد علمنا أنه تلقى تهديداً من مخابرات الاحتلال الإسرائيلي، بعدم الحديث لوسائل الإعلام عن ابنه المصاب بـ«متلازمة داون».

انتقلنا إلى أهالي حي الشيخ جراح، الذين عهدوا تضامن محمد معهم، ومع قضيتهم العادلة، ووجوده الدائم بين أزقة الحي، للذود عنه أمام عاصفة الاستيلاء والاستيطان.

ويصف رئيس لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح، صالح ذياب، تضامن الشاب محمد مع أهالي الحي المقدسي، بالدور البطولي منقطع النظير، حيث لا يبرح المكان حتى غروب الشمس، وهو يقف أمام البيوت المهددة بالاستيلاء والمصادرة، ويساند أصحابها في محنتهم هذه.

ويقول ذياب: «تشعر وأنت تشاهد الحماسة تشع من عينيه، بأنه يدافع عن منزله، وليس عن بيوت الحي، حيث يقف إلى جانب السكان للتخفيف عنهم، والشد من أزرهم، متصدياً في الوقت ذاته لكل الاعتداءات التي يتعرض لها الأهالي من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي».

اعتداء وحشي

في يوم الإثنين 21 من شهر فبراير الماضي، وقبيل تأجيل قرار طرد عائلة سالم المقدسية من منزلها إلى الثاني من شهر أبريل المقبل، بيوم واحد، انهالت قوات الاحتلال بالضرب المبرح على الشاب العجلوني، بالعصي وأعقاب الأسلحة، رغم إصابته ووضعه الصحي الخاص، وذلك لثنية عن الوجود في الحي المقدسي، والتضامن مع سكانه.

بعد دقائق عدة من الاعتداء الوحشي عليه، نقلت طواقم الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الشاب محمد، لتلقي العلاج اللازم، بعد إصابته برضوض وكدمات في جميع أنحاء جسمه.

يروي رئيس لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح تفاصيل ما تعرض له محمد العجلوني من اعتداء وحشي على يد قوات الاحتلال، قائلاً: «بينما كان المقدسيون يوجدون في منزل عائلة السعو بجانب بيت الحاجة فاطمة سالم، للتضامن معها، وكان الشاب محمد يجلس بجانبنا، هاجمه وبشكل مفاجئ ضابط وأربعة جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي، دون مراعاة لخصوصية وضعه الصحي، أو الاكتراث لصرخات الخوف التي كان يرددها بلغته الخاصة».

الجنود أحاطوا بمحمد بأسلحتهم، ليعتدوا عليه بالضرب المبرح، واقتادوه بقوة من أجل اعتقاله، لكننا في حي الشيخ جراح اندفعنا على قلب رجل واحد لحماية الشاب العجلوني من الاعتداء الوحشي، وتمكنّا من إنقاذه بشق الأنفس، لينقل للعلاج في مستشفى المقاصد الخيري في المدينة المقدسة.

في اليوم التالي من اعتداء قوات الاحتلال على أحد مصابي «متلازمة داون»، عاد الشاب محمد إلى حي الشيخ جراح، ووقف وسط الشارع الرئيس الذي يفصل بين جزئيه الغربي «أرض النقاع»، والشرقي «كرم الجاعوني»، ليرفع إشارة النصر أمام عشرات الجنود الذين يوجدون في الحي لحماية المستوطنين.

دخل محمد الحي، واستقبله سكانه أمام منازلهم بالزغاريد، على مرأى المستوطنين وجنود الاحتلال، ليكرمه الأهالي على دوره التضامني البطولي، بحضور نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي، أبرزهم رئيس الحركة العربية للتغيير أحمد الطيبي.

مرابط في الأقصى

الشاب محمد العجلوني هو الأخ الثالث لستة أخوة، أخ صغير وخمس أخوات، درسن الهندسة المعمارية، والطب البشري والمخبري، فيما اعتنت به عائلته جيداً، وألحقته بمدرسة لأصحاب الهمم في مدينة القدس الشريف، إذ حرص والداه على تعليمه منذ الطفولة، وعلماه السباحة وركوب الخيل حتى أتقنهما.

ويرافق محمد منذ نعومة أظفاره والده إلى صلاة الفجر في المسجد الأقصى المبارك، حتى ارتبط بهذا المكان المقدس بشكل كبير، وأصبح وجهه مألوفاً لدى رواده.

ويعد الشاب محمد أحد أبرز المرابطين الذين لا يبرحون المسجد الأقصى وساحاته، في جميع الأوقات، خصوصاً عندما يتعرض الحرم القدسي لاعتداءات القوات الإسرائيلية، واقتحامات جماعات المستوطنين ويهود اليمين المتطرف.

• يعتبر محمد أحد أبرز المرابطين الذين لا يبرحون المسجد الأقصى وساحاته، في جميع الأوقات، خصوصاً عندما يتعرض الحرم القدسي لاقتحامات المستوطنين.

• الحماسة تشع من عيني محمد، ويشعر الجميع كما لو أنه يدافع عن منزله، وليس عن بيوت حي الشيخ جراح، دون خوف من قوات الاحتلال.

تويتر