بعد أيام من اختبائها

تفاصيل هروب الحاكمة الأفغانية المستهدفة من قبل «طالبان»

«سليمة» مع أفراد قواتها. من المصدر

الحاكمة السابقة لمنطقة تشاركينت، سليمة مزاري، تم إنقاذها بعملية سرية، بعد أيام من اختبائها داخل البلاد، إثر استيلاء «طالبان» على السلطة في البلاد. كانت هذه المرأة، البالغة من العمر 39 عاماً، واحدة من ثلاث حاكمات مقاطعات فقط في أفغانستان، وزعيمة ميليشيا موالية للحكومة السابقة، وتتمتع بسمعة دولية كمقاتلة شجاعة، وهي الآن موجودة بمكان سرى في الولايات المتحدة.

كانت مزاري في مكتب حاكم ولاية بلخ، محمد فرهاد عظيمي، عندما انتشرت أنباء عن سقوط بلخ في أيدي «طالبان»، وسرعان ما تلقت مكالمات هاتفية من قادة الميليشيات في منطقتها تشاركينت، فأمرت رجالها بالتوقف عن القتال.

وقبلت، في ما بعد، اقتراح عظيمي بالهروب إلى مدينة حيراتان، التي تشترك في الحدود مع أوزبكستان، مصطحبة معها زوجها وحراسها، وانضم إليها العديد من القادة البارزين، بمن فيهم نائب الرئيس السابق وأمير الحرب، عبدالرشيد دوستم، وحاكم بلخ السابق وقائد المجاهدين، عطا محمد نور. وعندما وصلت إلى حيراتان وجدت عدداً من كبار مسؤولي الحكومة السابقة محتشدين على الجانب الأفغاني، ولم يسمح لمزاري بالعبور إلى الجانب الأوزبكستاني، وتم السماح لعدد قليل من هؤلاء المسؤولين.

ولكونها على قائمة «طالبان» للشخصيات المستهدفة، ارتدت مزاري البرقع ولجأت إلى منزل أحد الأقارب، وبعد الاختباء هناك لمدة يومين قررت الذهاب إلى كابول، وكانت على دراية جيدة بنقاط تفتيش «طالبان» التي ستعبرها في طريقها، لكنها خاطرت مع زوجها وأقاربها ونجحت في دخول كابول.

بعد وصولهم إلى كابول، بدأوا الانتقال المستمر من منزل إلى منزل لضمان عدم إمكانية تعقبهم، وبما أنها شخصية رفيعة المستوى لم تستطع الذهاب مباشرة إلى السفارة الأميركية أو المطار، لذلك أرسلت وثائقها إلى الأصدقاء الذين لديهم صلات بالحكومات الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وهولندا.

كان الصحافي الأفغاني بمجلة «تايم»، زكريا، أحد الأشخاص الذين أرسلت لهم مزاري وثائقها، كانت مزاري قد تعرفت إليه، في يوليو، عندما كان يكتب موضوعاً عن النساء الأفغانيات، وأعطاها رقمه. في 20 أغسطس، أرسل زكريا، الذي استطاع السفر جواً إلى باريس في وقت سابق من ذلك الأسبوع، رسالة نصية إلى مزاري، بحثاً عن تأكيد ما إذا كانت على قيد الحياة أم لا، وكتب لها: «أنا قلق، أرجو إخباري أين أنت».

أخبرته أنها مختبئة، ولم يتبقّ لها سوى القليل من الخيارات، وأرسلت إليه صوراً من هويات جميع أفراد عائلتها وطلبت المساعدة، نقل زكريا هذه المعلومات على الفور إلى زميله الصحافي روبين في صحيفة «تايم»، وأخبره: «لقد علمت للتو أن سليمة مزاري في كابول».

كان صديق روبين، المصور الصحافي الكندي مات ريتشيل، يعمل بالفعل على مساعدة الزملاء والأصدقاء على الخروج من أفغانستان، وكان ريتشيل على اتصال ببعض المسؤولين الأميركيين الذين يعرفون جيداً قضية مزاري، وأطلق ريتشل مناشدات عدة لجهات اتصال في وزارتَي الخارجية والدفاع، على أمل أن تنجح إحداها.

يقول ريتشيل: «أعددنا جميع وثائقها برسالة تغطية توضح أن سليمة مزاري على قيد الحياة، وأن حياتها معرّضة للخطر، ومن المحتمل أن تتعرض للقتل إذا تم العثور عليها، وهي مختبئة في منزل آمن»، ويسترسل: «في النهاية، تمكنت إحدى صديقاتي في وزارة الخارجية، من إرسال معلوماتها إلى فرقة العمل المشتركة بين الوكالات وشخصية رفيعة المستوى في مكتب وزير الخارجية الأميركي، ردّ هذا الشخص في غضون ساعات مؤكداً المساعدة».

في 23 أغسطس، تلقت مزاري رسالة على رقم أفغاني يزعم أنه من خلية عمليات الإنقاذ الأميركية، وفي نوبة من الإثارة، بعد أيام من الاختباء والخوف، شاركته معلومات عائلتها وموقعها المباشر، بما فيها صورتها كما طلب المرسل.

لكن عندما أبلغت زكريا بما حدث، شك في أن هناك جهة ما اخترقت الاتصالات لأن التعليمات الخاصة بعملية الإنقاذ كان من المفترض أن تكون باللغة الدارية (إحدى اللهجات الأفغانية للغة الفارسية)، واشتبه في تدخل عملاء المخابرات الباكستانية.

اتصل ريتشيل بالرقم لكنه لم يجد رداً، ثم اتصل مرة أخرى ورد عليه رائد بالجيش الأميركي، واستطاع ريتشيل أن يسمع أصواتاً أميركية عدة في الخلفية، ويقول ريتشيل: «سألني من أنا، قدمت نفسي كصحافي ونقطة اتصال سليمة، وأخبرته بأن رقمه تواصل مع سليمة، التي أعطته كل معلوماتها وموقعها»، وسرعان ما أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن عملية الإنقاذ حقيقية.

كانت الاستراتيجية هي إنقاذ مزاري وعائلتها بوساطة مروحية، وإحضارهم إلى مطار حامد كرزاي الدولي، في الساعة الساعة مساء يوم 24 أغسطس تلقت مكالمة تطلب منها الوصول إلى نقطة الالتقاء، وفي الوقت المحدد بدأت السير مع 13 من أفراد أسرتها، بينهم أطفال. ثم بعثت برسالة إلى زكريا الساعة 7:22 مساء وأبلغته أنها وصلت إلى مطار كابول، وفي اليوم التالي استقلت هي وأفراد أسرتها طائرة عسكرية أميركية، وهي الآن بمكان مجهول في الولايات المتحدة.

هذه المرأة، البالغة من العمر 39 عاماً، واحدة من ثلاث حاكمات مقاطعات فقط في أفغانستان، وزعيمة ميليشيا موالية للحكومة السابقة، وتتمتع بسمعة دولية كمقاتلة شجاعة.

كانت مزاري في مكتب حاكم ولاية بلخ، محمد فرهاد عظيمي، عندما انتشرت أنباء عن سقوط بلخ في أيدي «طالبان».

تويتر