أندراوس ناصَر ثورة 1919 وشيّد معبراً نيلياً لإنقاذ باخرة الوفد

هدم قصر «مصري» استضاف سعد زغلول وتحدى الإنجليز

صورة

وضعت الجرافات، مساء أول من أمس، نهاية تجاذب استمر لسنوات حول إبقاء أو إزالة قصر توفيق أندراوس، أحد قادة ثورة 1919 ورفيق الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، الكائن على ضفاف النيل بمدينة الأقصر في صعيد مصر، حيث لاقت فكرة الهدم انتقادات واسعة من قبل أكاديميين ومثقفين وصحافيين، وقطاع من أهالي مدينة الأقصر، بينما أصرت جهات تنفيذية على هدمه باعتباره «آيلاً للسقوط» كما أن إزالته، بحسب رؤيتها، ضرورية للوصول إلى حفريات أثرية مهمة تحته.

يعود تاريخ إنشاء القصر إلى عام 1897، وكان يحتوي على عشرات القطع الأثرية التي تم نقلها إلى مخازن هيئة الآثار المصرية، وكان ملاصقاً لقصر آخر هو قصر يس أندراوس الذي تم هدمه عام 2009، بحسب روايات متابعين، وقد ارتبط قصر توفيق أندراوس في الوجدان المصري بتحدي صاحبه لسلطات الاحتلال الإنجليزي عام 1921، عبر سعيه لاستضافة سعد زغلول، الذي كان في جولة نيلية تمرّ بمدن القطر المصري، مستقلاً الباخرة «نوبيا»، حيث سعى الإنجليز للحيلولة دون نزوله هذه المدن بسبب خوفهم من دوره الثوري، فقام توفيق أندراوس، مستغلاً وضعه كقنصل لإيطاليا، بمد معبر خشبي من القصر إلى الباخرة، لينزل زغلول في الأقصر بعد أن فشل في نزول جرجا وأسيوط، بحسب الروايات التاريخية، كما تبرع أندراوس، طبقاً للروايات ذاتها، بعائد 700 فدان من أملاكه قام ببيعها لدعم ثورة 1919، بعد أن أبلغته أم المصريين، صفية زغلول، بنضوب خزائن الوفد، الذي كان يقود الثورة. وشغل القصر في السنوات الأخيرة بنات توفيق أندراوس، جميلة، ولودي، وصوفي، حيث تعرضت الأخيرتان لحادث قتل غامض وهما في السبعينات، وعزته روايات صحافية إلى محاولات من اللصوص لسرقة القصر، أو إجراء حفريات تحته.

معارضة واسعة

وواجهت فكرة هدم القصر معارضة واسعة، وظلت روايات التراجع عن الهدم تتواصل حتى صبيحة أول من أمس.

وقالت عميدة كلية الآثار في الأكاديمية العربية للعلوم لمحطة «سي.إن.إن» الأميركية، مونيكا حنا، إن «هدم القصر خسارة تاريخية للتراث، وإن البعض لا يعلم قيمته التاريخية»، وأضافت أن «عدم تسجيل المبنى كأثر أو تراث، مسؤولة عنه وزارة الآثار والمركز القومي للتنسيق الحضاري».

ونشر رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري السابق، سمير غريب، في صفحته على «فيس بوك»، أول من أمس، مستندين يوثقان رفض وزارة الثقافة عام 2009 هدم القصر، وقال غريب: «بمناسبة ما نُشر اليوم عن هدم قصر أندراوس الثاني في الأقصر، بعد أن هدموا القصر الأول عام 2009 (هما توأم)، أنشر هنا مستندين من كتاب العمران (دار رؤية)، الصفحة الأخيرة من اللجنة التي شكلها وزير الثقافة وقتها لبحث هدم القصر، والتي رفضت بالإجماع الهدم، وكان فيها ممثلون عن التنسيق الحضاري والآثار، برئاسة أستاذ التاريخ المعاصر ورئيس دار الكتب والوثائق وقتها، أ.د.صابر عرب، والصفحة الأخيرة من مذكرة د.صابر عرب، موقّعة بخط يده، يرفض فيها الهدم».

وقال المؤرخ الأثري والمرشد السياحي، بسام الشماع: «ما السبب وراء الهدم؟ وما الفائدة من ورائه؟ وكيف يكون الهدم في مصلحة الآثار التي حول القصر؟ وأي دراسات التي أدت إلى الوصول لتلك النتيجة؟ نحن نعيش اليوم يوماً حزيناً، يوماً نفقد فيه أثراً جديداً لن يعود موجوداً بعد الآن، وسيختفي معه جزء مهم من التاريخ الملموس لمدينة الأقصر».

وكانت حملة سابقة، بريادة القنصل الفخري الإيطالي في مصر والمؤرخ وعالم المصريات، فرنسيس أمين، قد أطلقت مبادرة لإنقاذ القصر، لكن جهودها لم تكلل بالنجاح.

وقال فرنسيس أمين في تصريح سابق لـ«الإمارات اليوم»، في بدايات تطور الأزمة، إن «المبادرة ضمت عدداً من المهتمين باسم قصر أندراوس، لإنشاء كيان باسم (مؤسسة أندراوس بشارة)، يتم فيها تجميع تراث مدينة الأقصر في القرنين الـ19 والـ20، وعرضه في القصر الذي سيصبح بمثابة متحف، وذلك مهم لاستكمال تاريخ الأقصر الفرعوني والقبطي والإسلامي، لكن الجهات التنفيذية، ومن بينها المحافظة ووزارة الثقافة، لم تتحرك بذريعة عدم وجود موازنة لتمويل هذا المشروع، كما أن الأزمة المالية العالمية حالت دون التقدم في مسألة الدعم الأوروبي له، بعد أن أصبح موضوعاً على أجندة التعاون المصري - الإيطالي».

الهدم قانوني

على صعيد مقابل، قال رئيس مدينة الأقصر طارق لطفي، في تصريحات إعلامية، إن قرار إزالة قصر أندراوس «سليم وقانوني 100%»، وتم اعتماده من قبل جميع أجهزة المحافظة، وأضاف لطفي أنه «تم تشكيل لجنة من هيئة الآثار، ومجلس مدينة الأقصر، ولجنة المباني الآيلة للسقوط، لتنفيذ قرار الإزالة الصادر عن لجنة المباني الآيلة للسقوط بمدينة الأقصر، وجرد محتويات القصر ومقتنياته»، وتابع لطفي: «إن أعمال الهدم جاءت تنفيذاً لقرار الإزالة، الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط، بعد المعاينة التي قامت بها للمبنى على الطبيعة، وثبوت أن المبنى غير سليم، وآيل للسقوط وفيه خطورة كبيرة».

ارتبط قصر توفيق أندراوس في الوجدان المصري بتحدي صاحبه لسلطات الاحتلال الانجليزي عام 1921، عبر سعيه لاستضافة سعد زغلول، الذي كان في جولة نيلية تمرّ بمدن القطر المصري مستقلاً الباخرة «نوبيا»، حيث سعى الإنجليز للحيلولة دون نزوله هذه المدن، فقام أندراوس، بمدّ معبر خشبي من القصر إلى الباخرة لينزل زغلول في الأقصر بعد أن فشل في نزول جرجا وأسيوط.

• عميدة كلية الآثار في الأكاديمية العربية للعلوم، مونيكا حنا: «هدم القصر خسارة تاريخية للتراث، والبعض لا يعلم قيمته التاريخية».

تويتر