تدريس «نظرية العرق» يثير الانقسام في المجتمع الأميركي

تعتزم ولايات أميركية حظر تدريس ما يعرف بـ«نظرية العرق»، وتم اقتراح قوانين في المجالس التشريعية للولايات، في جميع أنحاء أميركا، كجزء من حرب ثقافية جديدة. ووفقاً للنظرية فإن العنصرية ليست مجرد تحيز شخصي، ولكنها آفة اجتماعية أوسع، وجزء لا يتجزأ من المؤسسات والسياسات الحكومية. ونوقشت لعقود في الأوساط الأكاديمية، وقفزت إلى الوعي الوطني، العام الماضي، بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، في مينابوليس. وآباء الطلاب الذين يحتجون على نظرية العرق، يعتبرونها أيديولوجية خبيثة ومثيرة للانقسام، تم تنبيههم إليها أثناء الوباء عندما تصادف حضورهم دروس أطفالهم أثناء الدراسة عن بُعد.

بطلة المعارضين

وفي ولاية فرجينيا، أصبحت أم تدعى تشي فان، بطلة للمعارضين عندما قارنتها بالعقائد التي كانت تعلمها عندما كانت طفلة في الصين في عهد ماو. وقالت وهي تهتف في اجتماع لمجلس مدرسة مقاطعة لودون: «أنتم تقومون الآن بتدريس وتدريب أطفالنا ليكونوا محاربين للعدالة الاجتماعية وكارهين لبلدنا وتاريخنا».

وأصدرت ست ولايات قوانين تحظر تدريس النظرية المثيرة للجدل، وتنظر 13 ولاية أخرى في تشريع مماثل. وفي مونتانا، تم حظر النظرية فعلياً من قبل المدعي العام للولاية، أوستن كنودسن، الذي أصدر بياناً يعلن أنه «تمييزي». وأثار هذا الدفع، الذي تقدمت به الهيئات التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون، قلق بعض الأساتذة، الذين يقولون إن القوانين يمكن أن تحظر مناقشات أقسام كبيرة من التاريخ والأدب الأميركي.

وقالت مدرسة اللغة الإنجليزية في ناشفيل، بريتاني باسشال: «هذا اعتداء على مهنة التدريس». وقال باسكال، وهو مواطن أميركي أسود، إن القانون الجديد الذي تم تمريره في ولاية تينيسي «يطلب مني تجاهل أجزاء من هويتي». ويحظر القانون على المُدرسين «الترويج» للفكرة القائلة إن «الفرد، بحكم العرق أو الجنس، يتمتع بامتياز بطبيعته؛ أو عنصرياً، أو قمعياً، سواء بوعي أو بغير وعي»، أو أنهم يتحملون مسؤولية الأفعال التي يرتكبها الآخرون من العرق نفسه، في الماضي.

كما أن القانون يحارب فكرة أن «نظام الجدارة عنصري بطبيعته أو متحيز جنسياً»، أو قد يكون مصمماً لاستبعاد الآخرين. وهذا موضوع ساخن في النقاش الأوسع حول النظرية، والذي غالباً ما يثير دعاة تكافؤ الفرص ضد أولئك الذين يسعون إلى إدراك أن بعض الطلاب محرومون. وكانت هناك خلافات في اجتماعات مجلس إدارة المؤسسات التعليمية حول الاختبارات وسياسات القبول الانتقائية في المدارس العامة. ويرى العديد من المحافظين أن المعركة ضد نظرية العرق، هي صرخة حقيقية، لكن ليس الجمهوريون هم الذين تبنّوها.

حجج قوية

عارض زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل (79 عاماً)، مشروع قانون يستهدف النظرية في الفصول الدراسية، في كنتاكي، حيث قال إنه لا يعتقد أن الحكومة ليست مخولة لإملاء ما يتم تدريسه في الواقع. وقدمت الأطراف المعنية حججاً قوية في المعركة حول تدريس النظرية في المدارس الخاصة، والتي تتمتع بحرية أكبر في إجراء تغييرات على مناهجها؛ ولكن يجب أن تقدم التبريرات المقنعة للآباء الأكثر ثراءً وتأثيراً.

وقالت مدرسة لغة إنجليزية في مدرسة خاصة في نيوجيرسي، الأسبوع الماضي، إنها استقالت لأن المدير بدأ في تقسيم الموظفين وفقاً لعرقهم. وأوضحت دانا ستانغايل «لقد طُلب مني أن أعتبر نفسي كامرأة بيضاء في المقام الأول، وأن ذلك هو أهم السمات المميزة لي». وشارك كل من ريتشارد ديلجادو وجان ستيفانسيك، وهما باحثان قانونيان في كلية الحقوق بجامعة ألاباما، في تأليف كتاب تمهيدي واسع الاستخدام حول نظرية العرق، نُشر أول مرة عام 2001.

وتنص النظرية على أن سيادة البيض والعنصرية التي تنبع منها، متأصلة بعمق في القوانين والمؤسسات، وليست مجرد تحيز شخصي. وترجع أصول النظرية إلى السبعينات، من القرن الماضي، مع توقف «التقدم السريع في الحقوق المدنية خلال الستينات، وفي كثير من النواحي، بدأ يتراجع». وجادل ديلجادو وعلماء آخرون مثل ديريك بيل، وهو أول أميركي من أصل إفريقي حصل على منصب في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، بأن هناك حاجة إلى نظريات جديدة لمكافحة «الأشكال غير الواضحة للعنصرية». وفي حين أن المناقشات التقليدية حول الحقوق المدنية تؤكد على التغيير التدريجي والتقدم التدريجي، «فإن نظرية العرق تشكك في أسس النظام الليبرالي»، كما جاء في الكتاب التمهيدي.

تشويه الأحداث

أشعلت نظرية العرق جدلاً حول المساواة في المعاملة والعواقب. وفي مجال التعليم، أدى ذلك إلى جدل حول ما إذا كانت اختبارات القبول لمدارس النخبة الثانوية العامة تعارض مبدأ المساواة من خلال التمييز الفعال ضد الطلاب المحرومين. ويقول منتقدو النظرية إنها تلحق الضرر بالتلاميذ السود، لأنها تنص على وجوب إخضاعهم لمعايير أدنى.

وقبل أسبوعين، صوّت مجلس التعليم بولاية فلوريدا بالإجماع على حظر تدريس الأفكار المتعلقة بنظرية العرق. وجاء في بيان للمجلس أنه «يجب أن تكون التعليمات حول الموضوعات المطلوبة واقعية وموضوعية ولا تقمع أو تشوه الأحداث التاريخية المهمة، مثل الهولوكوست، ولا تحدد التاريخ الأميركي على أنه شيء آخر غير إنشاء أمة جديدة تستند، إلى حد كبير، إلى المبادئ العالمية المنصوص عليها في إعلان الاستقلال».

وبالإضافة إلى ذلك، شدد بيان المجلس على أنه يجب على المُدرسين «العمل على تسهيل مناقشات الطلاب، وعدم مشاركة آرائهم الشخصية، أو محاولة تلقين أو إقناع الطلاب بوجهة نظر معينة».

تعبيرات مُلطفة

خلال ندوة علمية، هذا الشهر، استخدم عضو في مجلس إدارة كلية ولاية يوتا قائمة طويلة من الكلمات، التي قال إنها تعبيرات ملطفة لنظرية العرق، بما في ذلك «العدالة الاجتماعية» و«الاستجابة الثقافية» و«التأمل الذاتي النقدي». وعزت مؤسسة «هيرتيج فاونديشن»، وهي مؤسسة فكرية ذات ميول يمينية، أخيراً، مجموعة من الأحداث إلى نظرية العرق، بما في ذلك تدمير الممتلكات والعنف أثناء احتجاجات «حياة السود مهمة»، عام 2020، والجهود المبذولة لإقالة أستاذ بجامعة «ييل»، والجدل حول أزياء الهالوين، وتصريح ممثلتين بيضاوين أنهما لن تلعبا دور شخصيات ملونة.

وساد الاعتقاد أن نظرية العرق تجعل العرق هو العدسة الأساسية التي يرى الناس من خلالها العالم، ويعيد تصور الولايات المتحدة على أنها منقسمة من قبل الفصائل التي تحرض على بعضها بعضاً. واعترف كريستوفر روفو، وهو أحد المعارضين البارزين لنظرية العرق، في مارس، باستخدام المصطلح عن قصد لوصف مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالعرق، واستحضار ارتباط سلبي.

ظلم عنصري

تعود الكتابات التي اندمجت في نظرية العرق إلى سبعينات القرن الماضي، عندما أعرب الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ديريك بيل، عن إحباطه مما اعتبره قيوداً على حركة الحقوق المدنية. وأكد هو وعلماء قانونيون آخرون، أن قوانين الحقوق المدنية وانتصارات المحاكم لم تنجح في الواقع في القضاء على الظلم العنصري.

وقالت مؤلفة كتاب «نظرية العرق: مقدمة تمهيدية»، كيارا بريدجز، إن خطاب الحقوق المدنية التقليدي يؤكد أن العنصرية «ستنتهي عندما يتوقف الناس عن التفكير في العرق». وقالت إن العلماء المعارضين رفضوا هذا الاستنتاج واعتقدوا أن الوعي العرقي ضروري للتغلب على التقسيم الطبقي العرقي. وظهرت نظرية العرق كمجال منظم في عام 1989، عندما اجتمع الأكاديميون في ورشة العمل الأولى حول نظرية العرق.

إن طريقة التفكير هذه «تجبرنا على مواجهة أكثر القضايا إثارة للانفجار في الحضارة الأميركية: المركزية التاريخية وتواطؤ القانون في دعم التفوق الأبيض»، كما كتب، في عام 1995، بعض العلماء المؤسسين في «نظرية العرق»، والذين ألفوا الكتابات الرئيسة التي شكلت الحركة. وتقول نظرية العرق إن العرق هو بناء اجتماعي تدعمه النظم القانونية، وأن العنصرية أمر عادي وشائع.

حواجز منهجية

منذ مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة، العام الماضي، قامت المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة بإصلاح مناهجها الدراسية لمعالجة العنصرية النظامية، والسعي لجعل الفصول الدراسية أكثر إنصافاً.

ومن بين الجهود الأخرى، تقوم المقاطعات بتدريب المعلمين على مناهضة التحيز، مع التركيز على تجارب الفئات المهمشة في دروس التاريخ. ويقول النقاد إن المعلمين يحاولون «إعادة كتابة التاريخ»، ويجب ألّا يفكروا في العرق عند التفاعل مع الطلاب. بينما يقول المؤيدون للنظرية إن مناقشة العرق يخلق مدارس أكثر شمولاً، ويساعد الطلاب على التغلب على الحواجز المنهجية التي تحد من تحصيلهم.

• «نظرية العرق» تنص على أن سيادة البيض والعنصرية التي تنبع منها، متأصلة بعمق في القوانين والمؤسسات، وليست مجرد تحيز شخصي.

الأكثر مشاركة