الإجراءات الألمانية بدت كأنها نزهة في الحديقة

الصينيون تأقلموا مع تدابير «كوفيد-19» الصارمة

صورة

بينما تجد أوروبا نفسها في منتصف الموجة الثانية من فيروس «كورونا»، فإن الصين يبدو أنها قد تجاوزت الوباء، لكن الناس هناك يدفعون ثمناً باهظاً لعودتهم إلى الحياة الطبيعية، وحتى مع وقوع أوروبا في قبضة الموجة الثانية، وتشديد الحكومات القواعد على المواطنين بسبب الفيروس، عادت الحياة إلى طبيعتها في الصين إلى حد كبير، ولاتزال هناك قيود بالتأكيد، ليس أقلها عزلتنا عن العالم الخارجي.

لكن داخل البلاد، تم دمج الإجراءات الآن في الحياة اليومية، لدرجة أن الناس لم يعودوا يلاحظونها، واحتمالات الإصابة تقريباً مثل الفوز بمكافأة ضخمة في اليانصيب، ويعود هذا النجاح إلى النظام الصارم في الصين، وقد جاء بثمن باهظ، ولن ترغب الديمقراطيات الغربية في تطبيق الوصفة بهذا الشكل، لكنّ هناك اعتقاداً أن الأمر ينبع أيضاً من اختلاف في العقليات، وبالنسبة للكثيرين حول العالم كان 2020 عاماً حافلاً بالأحداث بشكل غير متوقع، وفي أواخر يناير، ومع تجميد الحياة العامة، بدت بكين كأنها مدينة أشباح، ويمكنك عبور الطرقات سيراً على الأقدام من دون الحاجة إلى الإسراع، وتفاقم هذا الجو المكتئب بالفعل بسبب الصور من مستشفيات ووهان، حيث كان المرضى يموتون وحدهم بشكل بائس في الممرات، لأن الأطباء لم يتمكنوا من مواكبة الضغط الهائل.

ولم يُسمح لسكان المدينة، البالغ عددهم 11 مليون نسمة، بمغادرة شققهم لأشهر عدة بموجب أوامر حكومية، وامتثل السكان للتعليمات، سواء كان ذلك في عرض للطاعة أو للتضامن، وفي ذلك الوقت كان كثيرون في الصين غاضبين على امرأة كندية كانت تمارس رياضة الجري من دون قناع في شوارع بكين الخالية، ورأى العديد من الصينيين في الأمر خطأ لا يُغتفر، وقد كانت هذه ضجة هستيرية بعض الشيء، لكن في الماضي ربما كانت توضح، قبل كل شيء، كيف سيطرت الصين على الخوف من هذا المرض الذي لايزال غامضاً.

محمل الجد

وكانت الصدمة الجماعية تلقي بظلالها، ولم يكن هناك شك في أن الرسالة التي نقلتها الحكومة إلى البلاد - بعد فوات الأوان لكن مع مزيد من القوة - قد ترسخت: خذ هذا الفيروس على محمل الجد، يمكن أن يقتلك.

عندما انحسر الوباء في الصين، في مارس، رأى الصحافي الألماني، جورج فاريون، المقيم في العاصمة الصينية، أنها فرصة لالتقاط الأنفاس، وسافر إلى برلين لقضاء إجازة، وعندما هبط في بلده الأم أصيب بالاكتئاب، لأن العزلة أثناء إغلاق بكين أثرت فيه بشدة، ولم تكن فكرة فعل الشيء نفسه مرة أخرى في برلين جيدة بالنسبة له.

ومقارنة بالصين، بدت تدابير «كوفيد-19» الألمانية كأنها نزهة في الحديقة، وعندما سأله أحدهم عن الفرق بين البلدين أجاب فاريون مازحاً: «كانت محال الآيس كريم والزهور مفتوحة»، بالطبع كانت هذه مجرد استعارة تعكس إحساسه بأن القادة في ألمانيا كانوا أكثر مراعاة للاحتياجات الإنسانية من القيادة الصينية، واتبعت ألمانيا نهجاً إنسانياً بل ديمقراطياً، وعلى الرغم من كل القيود لم تتوقف الحياة الاجتماعية تماماً في ألمانيا، «كان بإمكاني ببساطة التنزه على القناة في برلين لمقابلة الأصدقاء، الذين أصبح لديهم فجأة الكثير من وقت الفراغ، يقول الصحافي الألماني، وفوجئ فاريون بأن العديد من الأشخاص في ألمانيا وجدوا أن الإجراءات الموصى بها، مثل ارتداء القناع، أمر مفروغ منه، ويبدو أنهم يتعاملون مع مخاطر العدوى بسهولة، ومع ذلك كان سعيداً لأنه وجد أجواء خالية من الهموم.

وفي نهاية شهر مايو، تمكن من العودة إلى بكين في رحلة خاصة، وبعد الهبوط في تيانشين، نُقل الصحافي ومن معه إلى فندق، حيث سُمح لهم لمدة 14 يوماً فقط بفتح أبواب الغرفة لإحضار الوجبات التي تم إيداعها عند الباب (تم إغلاق النوافذ بمسامير).

الحالة الخضراء

كان هذا الإجراء يهدف إلى رصد الإصابات الواردة مع الوافدين الجدد إلى البلاد، وقد عاد فاريون إلى بكين في منتصف يونيو، وازدادت المراقبة منذ انتشار الوباء، وكان هناك شيء واحد لم يتغير منذ غيابه: الجميع يرتدون قناعاً في السوبرماركت، وفي سيارات الأجرة، ومترو الأنفاق، ولا أحد يشكو من ذلك، والأمر مجرد جزء من الحياة الآن مثل ارتداء الأحذية قبل مغادرة المنزل، ويحدد تطبيق فيروس «كورونا» كيف يمكنك التنقل بالأماكن العامة في الصين، وعلى عكس النسخة الألمانية، فهو ليس طوعياً والهوية معروفة.

وإذا كانت الحالة خضراء، فكل شيء على ما يرام، لكن إذا كانت حمراء فأنت مطالب بالدخول مباشرة إلى الحجر الصحي، وقبل أن تشغل مقعداً في مطعم أو دار سينما، عليك مسح رمز «كيو أر»، هناك حدود للزوار للمتاحف والأماكن الأخرى ذات الأهمية، وتحتاج إلى التسجيل مسبقاً فيها، وعندما يسأل الناس في ألمانيا عما إذا كان «كورونا» قد اختفى بالفعل من الصين، يفضل الصحافي الألماني أن يسرد مثالاً مضاداً: ماذا يحدث في ألمانيا عند اكتشاف مجموعة صغيرة؟ وفي الصين تم اكتشاف عشرات الإصابات في الآونة الأخيرة، في مدينة تشينغداو الساحلية، وأغلقت السلطات أحياء بأكملها وتم اختبار تسعة ملايين نسمة.


حالة تأهب مستمرة

ظلت الصين في حالة تأهب قصوى حتى مع عودتها إلى وضعها الطبيعي، وقادرة على الاستجابة بسرعة لأي تفشٍّ جديد، وتتبّع وتعقب أي شخص تُحتمل إصابته، من خلال رموز الاستجابة السريعة (كيو آر)، والتطبيقات، وأنظمة المراقبة الموجودة في كل مكان. وقد بُذلت جهود مماثلة في كوريا الجنوبية، وهونغ كونغ، وأجزاء أخرى من آسيا.

وبالمقارنة، لايزال البحث عن الإصابات في كثير من أنحاء أوروبا أمراً مزعجاً، والقدرة على إجراء اختبارات جماعية، مفقودة في العديد من البلدان، وعند إجراء الاختبار غالباً ما يتم تبديد فائدة النتائج، لأن البنية التحتية لتتبع بؤر التفشي وحجر الأشخاص، لاتزال غير متوافرة.


نقطة انطلاق

قامت الحكومة في بكين بتعقب فتاة صينية كانت تزور والديها في تشينغداو، خلال هذه الحالة الطارئة المصغرة بعد عودتها، وعثروا عليها لأنها اضطرت إلى إبراز بطاقة هويتها عند شراء تذكرة القطار إلى تشينغداو، كما هي الحال عادة في الصين، ولم تسمح لها لجنة الحي بمغادرة شقتها، حتى جاء اختبار «كوفيد-19» بنتيجة سلبية.

وقد أعطى الوباء الدولة الصينية نقطة انطلاق لإكمال المراقبة، وهي فكرة ليست ممتعة على الإطلاق، ومع ذلك هناك حقيقة واضحة بأن الصينيين نجحوا في السيطرة على الفيروس، ويمكن الآن السفر داخل البلاد، من دون عوائق إلى حد كبير، وهي حقيقة سمحت للصينيين بالقيام بـ637 مليون رحلة كسائحين، خلال عطلات الخريف. ومراكز الرعاية النهارية والمدارس مفتوحة، وعندما يريد الناس الاحتفال فإنهم لا يختبئون في الأقبية، بل يذهبون إلى النوادي.

وسمحت الإجراءات للحكومات الإقليمية بإغلاق مناطق معينة، وإجراء اختبارات جماعية عند الضرورة، وشوهد هذا أخيراً في مدينة تشينغداو، شمال شرق الصين، حيث تم اختبار ملايين الأشخاص في غضون أسبوع، بعد الإبلاغ عن 12 حالة تنتقل محلياً.

تعامل السلطات

بالنسبة للكثيرين في أوروبا فإن نهج الصين تجاه فيروس «كورونا» - بإغلاق أوّلي لمدة 76 يوماً، لمدينة ووهان بوسط الصين، حيث تم اكتشاف حالات الإصابة بالفيروس للمرة الأولى في أواخر العام الماضي - كان شديد القسوة، لكن أجزاء أخرى من البلاد لم تشهد مثل هذه القيود الصارمة، حتى خلال المراحل الأولى من الوباء، عندما تم فرض عمليات إغلاق مماثلة في مدن في جميع أنحاء الصين.

ونجاح الصين في السيطرة على الفيروس التاجي ليس نتيجة إجراءات المكافحة المبكرة تلك، على الرغم من استخدامها بشكل فعال، لكن كان نتيجة كيفية تعامل السلطات مع الأمور، بعد السماح للناس بالتحرك مرة أخرى. وعلى وجه الخصوص، فإن قدرة الصين - على تتبع الحالات وتعقبها في جميع أنحاء البلاد كلما كانت هناك مجموعة جديدة من الإصابات - مكنت الحكومة من الاستجابة بسرعة والسيطرة على التفشي، وقد تضمن ذلك نظام «كود صحي» متطور مصنف بالألوان لتتبع حركات الناس، ويلزم وجود فاتورة صحية خضراء واضحة ورمز «كيو آر»، للدخول إلى العديد من الشركات، ما يضمن اعتماد الجميع تقريباً لهذا الإجراء، ما يجعل التتبع في حالة تفشي المرض أسهل.

تويتر