يعاملونهم بأساليب غير إنسانية ويحتجزونهم لسنوات

المعالجون التقليديون في غانا يربطون مرضاهم بسلاسل إلى جذوع الأشجار

صورة

يلجأ الكثير من الأسر الغانية، التي يعاني أفرادها مشكلات تتعلق بالصحة العقلية أو إساءة استخدام المخدرات، إلى معالجين تقليديين يعاملون المرضى بأساليب غير إنسانية، حيث يربطونهم بالسلاسل إلى جذوع الأشجار أو إلى أوتاد في الأرض، ويتركونهم في العراء صيفاً وشتاءً. ففي غرب إفريقيا، كما هو الحال في بعض أنحاء العالم، يؤدي الخلط بين مفهوم الأرواح الشريرة والمرض العقلي إلى تفاقم معاناة المرضى.

صورة مأساوية

تحت شجرة كبيرة في قرية زوركو، شمال غانا، يجلس بابا أغونجا مقيد بالسلاسل، وعلى مسافة قريبة منه توجد اثنتان من الماعز مربوطتان بحبل الى الشجرة نفسها. أغونجا في العشرينات من عمره، مقيد بسلسلة صدئة حول كاحليه. ويجلس عارياً ويفترش قطعة قماش، ويضم بين كل حين وآخر ساقيه الرقيقتين الى صدره، جلده جاف وعيناه شاخصتان للبعيد. تقول والدته، أنيا أغوستا، إنه ظل هناك لثلاث سنوات مقيماً في المكان نفسه خلال فصل الشتاء والصيف والخريف، ليس بعيداً عن كوخ العائلة. قيّده والده هناك وظل في مكانه بعد أن توفي والده، وتزوجت شقيقتاه، وانتقلتا بعيداً، وصار لديهن أطفال.

تحاول والدته أن تشرح سبب مرضه: «لقد كان ولداً طيباً، سافر إلى الجنوب وكان بخير، وكان يصنع الأساور ويبيعها، عاد إلى المنزل ذات يوم مع أصدقائه ودخنوا الماريغوانا، لا أعرف إذا كانت هذه الأعشاب هي التي تسببت في مرضه، لكنه أصبح عدوانياً جداً»، وتضيف «كان لديه دواء وصار أفضل، لكن لم يتبقّ شيء من العقاقير». وتستدرك «حاول مهاجمتي بسكين، لهذا طلب والده سلاسل من الحداد، وهذا ما كان عليه الحال منذ ثلاث سنوات، المطر يزعجه لكنه يصبح أكثر هدوءاً في موسم الجفاف».

لا تتوافر علاجات للصحة العقلية والأمراض العصبية مثل ذهاب العقل والصرع في هذه المنطقة المترامية الأطراف. وتوجد في جميع أنحاء غانا حفنة من ممرضات الصحة العقلية المجتمعية وثلاثة مستشفيات و13 من الأطباء النفسيين، معظمهم في العاصمة أكرا. وفي بلد يصل عدد سكانه إلى 30 مليون نسمة، يدرك جميع المسؤولين بأن الأمراض العقلية والاكتئاب آخذة في الارتفاع.

يقول الممرض الشاب، ستيفن أسانتي: «بما أننا لا نحصل على الأدوية في جميع الأوقات فإن الخيار الوحيد أمام الأهالي هو السلسلة». ويعمل أسانتي ممرضاً في مجال الطب النفسي، ويكرس جهده خارج نطاق المستشفى التعليمي بمدينة تامالي شمال البلاد، حيث أنشأ مؤسسته الخيرية للدفاع عن الصحة العقلية، وأقنع المحطات الإذاعية المحلية بمنحه وقتاً للبث لتوعية الأهالي، ويستخدم الهاتف النقال لتوسيع نطاق الوعي بالمرض النفسي. ويضيف: «معظم الناس في الشمال لا يفهمون معنى المرض العقلي، ولا يدرون ما يجب عليهم فعله، وفي معظم الحالات يتركون المرضى، أو يأخذونهم إلى معسكرات العلاج الروحي التقليدي».

تداخل التقاليد

غانا بلد تتداخل فيه تقاليد العلاج الروحية والمادية مع أحد أنجح أنظمة التأمين للرعاية الصحية الشاملة في القارة الإفريقية. فقد تميزت البلاد ببرنامج تطعيم يتناسب بشكل جيد مع البلدان الأخرى الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وبذلت الحكومة جهوداً للبدء في معالجة النقص الهائل في المهارات الطبية المهنية، وهي فجوة يملأها في الوقت الراهن المعالجون الروحيون وأخصائيو العلاج بالأعشاب والدجالين.

في غرب إفريقيا، يؤدي الخوف من الأرواح الشريرة إلى تفاقم معاناة المرضى، لذلك فإن رؤية مرضى مقيدين بالأشجار أو بأوتاد في الأرض أمر شائع إلى حد أن هذا المرض يدعم ازدهار صناعة الحدادين، حيث يمكن العثور بسهولة على «صانع السلاسل» في كل قرية. ويؤكد أسانتي زيادة عدد الشباب الذين يعانون حالات نفسية، ويعتقد أن هناك ارتفاعاً كبيراً في معدلات تعاطي المخدرات والكحول. ويقول: «إن الحشيش الذي يزرع في غانا يعد الأقوى تأثيراً على العقل في العالم، إضافة الى تأثير سوء استخدام الشباب وبعض الشابات لعقاقير الترامادول أو الكوكايين».

قصة سارة

في قرية باغا، بالقرب من حدود غانا مع بوركينا فاسو، تتنافس الفرق الإسلامية والمسيحية لتوفير العلاج الروحي للمرضى من خلال الصلاة. وتعاني سارة تورماً خطراً في كاحلها بسبب ربطها بسلسلة دراجة هوائية، والتي غاصت داخل لحمها، وتقول: «كنت أصاب بالمرض بعد كل ولادة لواحد من أطفالي الثلاثة»، وتضيف: «هربت في البداية من هذا المكان عندما أحضروني للعلاج لأنني أردت رؤية طفلي، أخاف أن أبقى هنا في الليل». ويعتقد أسانتي أن سارة تعاني اكتئاب ما بعد الولادة، ويطلب من العاملين في المعسكر أن يطلقوا سراحها لأنها أم مرضعة. ويطلب منهم أيضاً أن يحضروا لها طلفها ولكن دون جدوى. ويشتد النقاش ويقرر أسانتي تركهم للمحاولة في اليوم التالي. يقول أسانتي: «احترام مسؤولي الصحة العقلية في غانا ضعيف للغاية، حتى إن بعض المهنيين الصحيين يطلقون علينا لقب ممرضي الجن، حتى في المستشفى، يناديني زملائي المحترفون في مختلف الإدارات باسم ممرض الجن». ويتابع «منذ أن بدأت برنامج الراديو، كانت الاستجابة جيدة، يأتي الأشخاص الذين استمعوا لبرنامجي إلى العيادة أو يجلبون أقاربهم للتقييم والعلاج».

أبان نيايا، معالج إسلامي يستخدم أساليب جده في العلاج، ويرفض اللجوء إلى السلاسل، لديه طابور من الناس في عيادته، يقول هناك أعشاب لتهدئة الناس، ليس صحيحاً أن يتم ربط المريض في السلسلة «أطلب من الناس أن يأخذوا أقاربهم معهم إلى منازلهم، فهم ليسوا شياطين».

نقص في الرعاية الطبية

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2٪ فقط من 2.75 مليون غاني يعانون اضطرابات عقلية يتلقون الرعاية في منشآت طبية، معظمها على الحزام الجنوبي الساحلي. وهذا من شأنه أن يجعل مئات الآلاف من المرضى يعانون عدم الحصول على العلاجات الخاضعة للرقابة الحكومية، ويلجأ الكثير منهم لطلب المساعدة من المعسكرات الروحية التي تعمل دون رقابة حكومية.

«بيزك نيدز غانا» واحدة من المؤسسات الخيرية التي تعمل في معالجة المرضى العقليين بالطرق الحديثة، وتستورد الأدوية، إلا أن ما يتم استيراده لا يعدو أن يكون قطرة لعلاج أعداد من المرضى تزداد باستمرار، ويقول أحد مسؤولي هذه المؤسسة: «تقريباً جميع الحالات النفسية في غانا لا تستطيع شراء الأدوية، حتى لو كانت متوافرة، وأن بعض المرضى يحصلون على الأدوية، لكنهم يعودون إلى المستشفى وليس هناك الكثير منها، وهذه مشكلة حرجة لأنها يمكن أن تجعلهم لا يعانون فقط من الانتكاس، بل يصبحون أكثر سوءاً، وليس من الجيد محاولة معالجة الثقافة والمعتقدات إذا لم تتوافر الإرادة السياسية والموارد».

ويعتقد أن معسكرات الصلاة يمكن أن تكون مفيدة لأنها تمثل وجهاً إنسانياً، لكن يجب إيقاف المعاملة اللاإنسانية في استخدام السلاسل والعنف كذريعة للعلاج، ومن خلال الأدوية، يمكن التعامل مع المرضى دون قيود أو تركهم في الظروف الجوية القاسية.

مراكز خاصة

الزيادة المطّردة في حالات الانتحار، هي السبب وراء ظهور مركز «إدومو وو ووهو» للأعشاب والعلاج الروحي، حيث يساعد كينغ وشقيقه هربرت والدتهما إيرين دازي في تشغيله، وهي معالجة تعلمت هذه المهنة من والدتها. وتظهر لافتة أمام المركز كتب عليها «نعالج جميع الأمراض». وتحرص دازي على عدم التحدث الى الصحافيين إلا إذا دفعوا لها، ويبرر هربرت ذلك بأن المركز يحتاج الى مزيد من الأموال لاستكمال بنائه، والذي توقف بعد انهيار المصرف الذي يقترضون منه.

تم بناء المركز بغرف للعلاج وغرف انتظار ومكان للطهي تفوح منها روائح عشبية قوية. وفي غرفة مظلمة، كبيرة، ذات سقف منخفض، جلس نحو 20 رجلاً على الأرض، الكثير منهم يرتدون ملابسهم الداخلية في جو شديد الحرارة، وجميعهم مقيدون بالأصفاد.

يقول كينغ إن الأمر يحتاج في كثير من الأحيان إلى ستة رجال لتقييد المريض، لكن من الضروري الحفاظ على سلامة المرضى ومنعهم من الهرب أو القتال. ويضيف: «نحن بحاجة إلى سياج هنا حتى نتمكن من فك قيودهم». تحدثت إحدى المريضات واسمها جاكلين كير بافور(22 عاماً)، وكانت تؤذي نفسها: «أوصي بهذا المكان، عندما يضعوني في السلاسل فإن المبرر لذلك هو التأكد من عدم هروبي»، وتسترسل «ظللت في السلاسل لثلاثة أسابيع ولكني شعرت بالتعافي، أشعر أن هذا المكان آمن، شعرت أنني بحالة جيدة، ونصحتني والدتي بالتواصل مع الأصدقاء».


- في غرب إفريقيا، يؤدي الخوف من الأرواح الشريرة إلى تفاقم معاناة المرضى، لذلك فإن رؤية مرضى مقيّدين بالأشجار أو بأوتاد في الأرض أمر شائع إلى حد أن هذا المرض يدعم ازدهار صناعة الحدادين، حيث يمكن العثور بسهولة على «صانع السلاسل» في كل قرية.

- لا تتوافر علاجات للصحة العقلية والأمراض العصبية، مثل ذهاب العقل والصرع، في هذه المنطقة المترامية الأطراف. وتوجد في جميع أنحاء غانا حفنة من ممرضات الصحة العقلية المجتمعية وثلاثة مستشفيات و13 من الأطباء النفسيين، معظمهم في العاصمة أكرا.

تويتر