شهدت عقوداً من القتال بين القوميين والموالين لبريطانيا

إيرلندا الموحدة.. مشروع أفشلته المصــالح السياسية والخلافات الدينية

صورة

قليل من الإيرلنديين كان يتحدث عن إعادة توحيد شطري الجزيرة في ربيع عام 2016. افترض معظمهم أن اتفاقية «الجمعة العظيمة» قد جمدت القضية في المستقبل المنظور. الأغلبية البروتستانتية، في الجزء الشمالي، المؤيدة لبريطانيا، والأقلية الكاثوليكية التي كانت تفضل تقليدياً لم الشمل مع جمهورية إيرلندا، كانتا تعيشان في سلام بعد عقود من العنف الطائفي. هل كانت هناك حاجة ملحة لمثل هذا التغيير الجذري؟

وقد حدث ما هو غير متوقع، إذ صوّتت المملكة المتحدة بفارق ضئيل لمغادرة الاتحاد الأوروبي. وفجأة صوّتت إيرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة، للبقاء في الاتحاد، لكنها مع ذلك ستخرج من الكتلة رغماً عن إرادتها. ستكون الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، مرة أخرى عائقاً ملموساً أمام الحركة والتبادل التجاري، بعد فترة طويلة من الحدود المفتوحة. انتشرت التحذيرات من العواقب الاقتصادية والأمنية والسياسية، التي ستنجم عن الفصل بين جانبي الجزيرة. وكان من أهم هذه المخاطر أن تكون الحدود مرة أخرى نقطة اشتعال للنزاع، واستئناف المشكلات التي أودت بحياة أكثر من 3500 شخص على مدار 30 عاماً.

في هذا الجو المحموم، حديثاً، لم تعد فكرة إعادة توحيد إيرلندا، وإبعاد إيرلندا الشمالية عن بريطانيا، هدفاً مرغوباً. وتشير استطلاعات الرأي والاتجاهات السكانية إلى أن هذا مجرد احتمال بعيد، لسبب واحد، أن التغيرات الديموغرافية طويلة الأجل تجعل من المرجح أن الكاثوليك الرومان في إيرلندا الشمالية، الذين يعتبر معظمهم قوميين إيرلنديين، سيصبحون قريباً أكبر مجموعة دينية في البرلمان، وقد وُجدت عام 1921، على وجه التحديد، لتكون مؤيدة لبريطانيا. ويبدو أن المعنويات تتغير بشكل يثير الاهتمام، ففي الشهر الماضي، وللمرة الأولى، وجد استطلاع أن أغلبية بسيطة في إيرلندا الشمالية تؤيد توحيد شطري الجزيرة، بهامش 51% مقابل 49% فقط، وتم إجراء الاستطلاع بشكل خاص من قبل شركة يملكها مايكل آشكروفت، وهو مسؤول كبير سابق في حزب المحافظين البريطاني.

تغير الموقف

بالنسبة للزعيم السابق للحزب الاتحادي الديمقراطي المتشدد، بيتر روبنسون، فقد أدى تفانيه في الحفاظ على مكان إيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة، في الماضي، إلى تأسيس مجموعة مسلحة شبه عسكرية؛ لكن يبدو أن موقفه قد تغير بتصريحه علناً، العام الماضي، بأنه سيكون من الحكمة للسياسيين أمثاله البدء في التخطيط للتصويت (من أجل الوحدة أو البقاء)، والاستعداد لاحترام النتيجة، قائلاً: «لا أتوقع أن يحترق منزلي، لكن ذلك قد يحدث». من الصعب المبالغة في تحديد هذا التحول الملحوظ، ومع ذلك، في الوقت نفسه، من الصعب التقليل من مدى سوء استعداد الجميع لحدوث ذلك بالفعل.

من الناحية العملية سيتم لم شمل شطري إيرلندا، لكن أي علم سيرفرف فوق المباني؟

هل سيكون بإمكان سكان إيرلندا الشمالية المطالبة بالجنسيتين البريطانية والإيرلندية في آن واحد؟ وهل ستكون إيرلندا دولة موحدة في ظل الهيكل الحالي، معاكساً لتقسيم بريطانيا للجزيرة قبل نحو قرن؟ أم هل ستكون دولة فيدرالية جديدة، مع احتفاظ الشمال ببرلمانه المنفصل والشرطة والإدارة، على أن تبقى لندن ضامنة لمصالح السكان الموالين للمملكة المتحدة، في إيرلندا الشمالية، مثلما فعلت دبلن مع القوميين الإيرلنديين الشماليين؟

حماية الاتفاقية

تتم مناقشة مثل هذه الأسئلة بهدوء في العديد من المنتديات غير الرسمية والغرف الخلفية، ومع ذلك لا تشارك دبلن ولا لندن في هذه النقاشات. وبينما انشغلت الحكومة البريطانية بالخروج من الاتحاد الأوروبي، تقول إيرلندا إن أولويتها هي حماية اتفاقية «الجمعة العظيمة»، ولا ترى الحكومة الإيرلندية الخروج كأداة لتحقيق إيرلندا الموحدة، بل تنظر إلى المسائل على أنها قضايا منفصلة. حتى البرلمان في الجزء الشمالي، والمجلس التنفيذي، اللذان يتمتعان بمجموعة كبيرة من الصلاحيات، تم تعليق عملهما خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب مواجهة بين الحزب الديمقراطي الوطني والـ«شين فين» الحزب القومي الرئيس.

بقدر ما هو معروف، لم ينضم أي سياسي وحدوي، بعد، إلى أي من المحادثات الخاصة حول الوحدة الإيرلندية. وحتى أولئك الذين هم على استعداد للنظر في احتمال التوحيد، ظلوا متشككين بعمق، ليس فقط من الجدل حول الهوية والسيادة، ولكن أيضاً من الفوائد العملية.

الحالة الاقتصادية للوحدة الإيرلندية من أهم هذه النقاط الخلافية. في عام 2016 بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 53 ألفاً و300 يورو في جمهورية إيرلندا، التي أنعشتها السياحة وصناعة التكنولوجيا الفائقة والاستثمارات الأجنبية. وفي إيرلندا الشمالية، وهي المنطقة الأكثر فقراً في المملكة المتحدة، وتعتمد إلى حد كبير على إنفاق الحكومة البريطانية، كان الرقم 23 ألفاً و600 يورو.

مستوى المعيشة

لكن كما يلاحظ العضو في برلمان إيرلندا الشمالية، ستيف أيكن، فإن معظم التجارة تتم مع بقية أجزاء المملكة المتحدة، لذلك فإن إعادة التوحيد مع «الجنوب» سيكون له كلفة. وعلى الرغم من ارتفاع الدخل في جمهورية إيرلندا، يقول أيكن، وهو ناشط معتدل إلى درجة أنه عاش وعمل في دبلن: «على الرغم من ذلك فإن مستوى المعيشة في الجمهورية أسوأ، مع ارتفاع في الأسعار وانخفاض في الخدمات العامة»، ويضيف «قضية الرعاية الصحية، على سبيل المثال، يمكن لسكان الشمال الاستفادة من الخدمة الصحية في المملكة المتحدة، التي هي مجانية في ما يخص الرعاية، في حين أن الجمهورية لديها نظام مختلط بين القطاعين العام والخاص، وهو غير فعال وباهظ التكاليف».

في عام 1985، وقّعت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، على الاتفاقية الأنجلو - إيرلندية، التي أعطت دبلن دوراً في إدارة شؤون إيرلندا الشمالية. لقد تطلب الأمر تدخل حراسها الشخصيين لإنقاذ وزير خارجيتها، توم كينج، من غضب المعارضين للاتفاقية. واندلعت التظاهرات والإضرابات والعصيان المدني لأشهر عدة. بعد ثلاثة عقود، تجاهل رئيس الوزراء، بوريس جونسون، اعتراضات الحزب الديمقراطي الوحدوي، وتفاوض على صفقة خروج من الاتحاد الأوروبي، من شأنها أن تخلق حدوداً جمركية بين شطري الجزيرة. ويخشى العديد من الوحدويين من تغير وضع إيرلندا الشمالية في بريطانيا. حتى قبل الكشف عن الصفقة، كانت هناك صيحات منددة بالخيانة وتحذيرات من الاضطرابات والعنف، لكن الاضطراب العام واسع النطاق يبدو غير مرجح.

هجوم بقنبلة يستهدف تاتشر

في الساعات الأولى من يوم 12 أكتوبر عام 1984، تسببت قنبلة في تحطيم في واجهة فندق «برايتون غراند»، والهدف كان رئيسة الوزراء، آنذاك، مارغريت تاتشر، وأعضاء حكومتها. نجت تاتشر لكن لم يكن الجميع محظوظين. جاء معظم الضيوف إلى المدينة الساحلية الإنجليزية، لحضور المؤتمر السنوي لحزب المحافظين. توفي خمسة وأصيب 31، من بينهم وزير الدولة للتجارة والصناعة، نورمان تبيت، وزوجته الممرضة التي أصيبت بشلل دائم. واستعاد المهاجم، باتريك ماجي، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1986، حريته بعد 14 عاماً، كجزء من عملية السلام في إيرلندا الشمالية.

عدم اليقين

أظهر استطلاع جديد أن ما يزيد قليلاً على النصف في إيرلندا الشمالية سيصوت لمصلحة الوحدة الإيرلندية، إذا كان هناك استفتاء على الحدود بين الشطرين في المستقبل. وأظهرت النتائج، أن 54% من الذين شملهم الاستطلاع سيصوتون للبقاء في المملكة المتحدة، بينما قال 46% إنهم سيختارون المغادرة والانضمام إلى جمهورية إيرلندا.

وفي تحليلهم للنتائج، قال الخبراء إن هذا في الواقع رابط إحصائي، وهو يقع ضمن هامش الخطأ، وقد تعكس هذه النتيجة أيضاً عدم اليقين والقلق المحيطين بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مسألة الحدود الإيرلندية وتأثيرها المحتمل في الحياة بالمقاطعة، التي يمكن أن تنحسر عند تسوية النتيجة.

سواء كان الأمر كذلك أو لا، فإن النتيجة تؤكد ما يمكن أن يكون على المحك في البحث عن حل عملي في الجزيرة الإيرلندية. ومنذ انتخابات عام 2010، أجريت استطلاعات الرأي العامة المستقلة، المتعلقة بالآراء السياسية في بريطانيا، وتمت مقابلة 1542 من البالغين في إيرلندا الشمالية عبر الإنترنت، بين 30 أغسطس والثاني من سبتمبر، لإجراء آخر استطلاع للرأي حول الوحدة الإيرلندية.

وقال واحد من 20 من المستطلعة آراؤهم إنهم سيختارون لم شمل الشطرين، وقال 6% آخرون إنهم لا يعرفون لأي خيار سيصوتون. وكانت النساء (13%) أكثر عرضة من الرجال (3%) ليقولوا إنهم غير متأكدين من كيفية تصويتهم. كانت الفئة العمرية التي تزيد على 65 عاماً، هي الفئة الوحيدة التي تتمتع بأغلبية واضحة للبقاء في المملكة المتحدة.

أغلب الذين شملهم الاستطلاع (59%) يعتقدون أنه إذا كان هناك استفتاء غداً، فستختار إيرلندا الشمالية أن تظل جزءاً من المملكة المتحدة، واعتقد معظمهم (54%) أن التصويت سيؤدي إلى استعادة الوحدة، إذ يعتقد ثلاثة فقط من كل 10 أشخاص أن الناخبين سيختارون البقاء في المملكة المتحدة.

«الجمعة العظيمة»

في العاشر من أبريل 1998، تم توقيع ما عرف باتفاقية «الجمعة العظيمة»، أو «اتفاقية بلفاست»، وساعد هذا الاتفاق على إنهاء فترة من الصراع في المنطقة مليئة بالمتاعب. كانت فترة اتسمت بالكثير من العنف بين القوميين والموالين للتاج البريطاني. قتل الكثير من الناس في القتال. لكن من أين جاء هذا القتال في المقام الأول؟ وكيف أدى إلى اتفاق الجمعة العظيمة؟

يعود الصراع في إيرلندا الشمالية إلى الوقت الذي انفصلت فيه عن بقية إيرلندا في أوائل العشرينات من القرن الماضي. حكمت بريطانيا العظمى إيرلندا لمئات السنين، لكنها انفصلت عن الحكم البريطاني تاركة إيرلندا الشمالية لتبقى جزءاً من المملكة المتحدة، وجمهورية إيرلندا كدولة منفصلة. عندما انفصل الجزء الشمالي كانت الحكومة هناك في الأساس موالية للتاج البريطاني. وكان عدد الكاثوليك أقل من البروتستانت في إيرلندا الشمالية.

خلال الستينات، تحول التوتر بين الجانبين إلى عنف، ما أدى إلى فترة عرفت باسم فترة المتاعب. وبدءاً من سبعينات إلى تسعينات القرن الماضي، كان هناك قتال شرس بين الجماعات المسلحة من كلا الجانبين، وقُتل الكثير من الناس في أعمال العنف. من أجل التعامل مع النزاع تم إرسال القوات البريطانية إلى المنطقة، لكنها دخلت في نزاع مع الجماعات المسلحة القومية، وأكبرها الجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي نفذ تفجيرات كثيرة في بريطانيا وإيرلندا الشمالية.


- عام 2016، بلغ

نصيب الفرد من

إجمالي الناتج المحلي

53 ألفاً و300 يورو

في جمهورية إيرلندا.

وفي إيرلندا

الشمالية، وهي

المنطقة الأكثر فقراً

في المملكة

المتحدة، وتعتمد

إلى حد كبير على

إنفاق الحكومة

البريطانية، كان

الرقم 23 ألفاً

و600 يورو.

تويتر