مشهد اعتقال الجنود لها وهي تحتضن صغيرها «يحيى» لن تفارق ذاكـرتها

لمى خاطر وطفلها.. غصّة فراق 13 شهراً خلف القضبان

صورة

خلال شهر يوليو عام 2018 الماضي، ظهر الطفل يحيى، ابن العامين، باكياً، بعد أن غادرت والدته لمى خاطر المنزل برفقة جنود إسرائيليين، حيث وقف لحظتها على باب المنزل ولسانه يعجز عن ترجمة مشاعره، فالجنود اعتقلوا والدته وهي تحتضنه، واقتادوها أمام عينيه بواسطة الجيب العسكري إلى مركز الاعتقال والتحقيق في مدينة الخليل.

الأسيرة لمى خاطر (43 عاماً)، وهي كاتبة وصحافية فلسطينية، بقيت رهن التحقيق والاعتقال منذ اليوم الأول لأسرها، وطفلها يحيى بات بلا حضن يضمه ويرعاه، ليعاقبها القضاء الإسرائيلي بالسجن لمدة 13 شهراً، معلناً بداية الفراق المرير، فلم يشاهد يحيى على مدار هذه الشهور والدته إلا دقائق معدودة خلال زيارات محدودة خلف القضبان، حيث لم يتمكن من زيارتها داخل السجن بشكل مستمر خلال فترة محكوميتها، بسبب الإجراءات الإسرائيلية، مكتفياً باحتضان صورتها التي لم تفارقه أبداً.

مرت سنة كاملة على فراق الطفل لأمه، فقد حرم من رعاية والدته، وهو في حاجة شديدة لحنانها في ذلك العمر، فكان دائم السؤال عنها، يخشى أن لا يتمكن من مشاهدتها واحتضانها مرة أخرى.

في يوم الجمعة 26 من شهر يوليو الماضي، وعند حاجز الجلمة الإسرائيلي العسكري قرب مدينة جنين كانت نهاية الغصة التي أصابت قلب الطفل يحيى، فما أن لمح وجه أمه لمى، بعد خروجها عبر حاجز سالم العسكري، حتى انفجر بالبكاء صارخاً «ماما رجعت»، وما إن اقتربت منه حتى رفعته من الأرض إلى أعلى، لتحتضنه وهي تطير شوقاً، في مشهد ترق له القلوب، وتذرف العيون.

في 24 من شهر يوليو عام 2018 اعتقلت السلطات الإسرائيلية الصحافية لمى خاطر، وهي أم لخمسة أبناء، أكبرهم أسامة المعتقل داخل السجون الإسرائيلية، وأوسطهم عزالدين (10 أعوام)، واصغرهم يحيى، البالغ من العمر ثلاثة أعوام، حيث دهم الجنود منزلها في مدينة الخليل، بذريعة ممارسة التحريض عبر كتابتها على مواقع التواصل الاجتماعي ضد إسرائيل، لتقاضيها محكمة «عوفر» العسكرية الإسرائيلية بالسجن 13 شهراً، وغرامة مالية قدرها 4000 شيكل.

مشاهد الفراق

«الإمارات اليوم» التقت لمى خاطر، في اليوم التالي للإفراج عنها داخل منزلها في مدينة الخليل، حيث كان يعج بالمهنئين، فيما التفت طفلتها يمان وشقيقها عزالدين حولها فرحين بحرية والدتهم، أما يحيى فلم يفارق حضنها، وكأنه يريد المزيد من الحنان والحب اللذين حرم منها على مدار 13 شهراً متواصلاً.

وتسرد خاطر ما أصابها هي وصغيرها يحيى، خلال عام منذ الاعتقال حتى الإفراج، حيث تقول وهي تحتضنه: «إن أكثر شيء مؤثر هو غيابي فجأة عن أطفالي، خصوصاً يحيى، الذي كان يبلغ من العمر عامين في ذلك الوقت، فعندما دهم الجنود المنزل، لم يدرك المشهد ولم يفهم ماذا يحدث معي، وعندما خرجت والجنود يلتفون من حولي سبقني إلى الباب ليخرج معي، ولكن عندما احتضنته، ولم أصحبه معي، بكى بكاء شديداً».

وتتابع قائلة: «حقيقة بالنسبة لأي أم أشد ما يزعجها هو البعد عن أطفالها الصغار، الذين يحتاجون لرعايتها الدائمة، وهذا كان أصعب إحساس شغل كامل تفكيري».

وتشير خاطر إلى أن مشهد فراق صغيرها يحيى سيطر على عقلها طيلة فترة التحقيق معها، التي استمرت على مدار 34 يوماً، مضيفة «كنت دائمة التفكير في يحيى، كيف يقضي يومه وأنا بعيدة عنه، وهو في حاجة شديدة لرعايتي وحناني، فلحظة اعتقالي كان عمره سنتين».

ولم تتمكن لمى خاطر من رؤية طفلها يحيى إلا بعد انقضاء فترة التحقيق معها، ومرور شهر آخر حتى حصل على تصريح للالتقاء بها خلف القضبان.

وتبين أن إدارة السجون كانت تسمح لصغيرها يحيى وطفليها يمان وعزالدين بزيارتها مرة واحدة كل شهر، لافتة إلى أنهم حرموا من ذلك لثلاثة أشهر بسبب ما يسمى الوضع الأمني للأسيرات، وهو إجراء إسرائيلي ضدهن.

وتقول الأسيرة المحررة: «إن مدة الزيارة كانت 45 دقيقة، وتتم من خلف الزجاج، ولكن الوقت الذي كان يسمح لي باحتضان يحيى كونه صغيراً في العمر فقط سبع دقائق».

وتضيف «عندما يأتي يحيى للزيارة داخل السجن كان حزيناً، ولا يتفاعل معي أبداً، فهو لم يكن يدرك المشهد الذي يراه، ولم يشعر بالأمان معي داخل السجن ووسط عشرات الجنود».

لحظة اللقاء

وتشير خاطر إلى أن صغيرها يحيى كان أول من حضر لاستقبالها على حاجز الجلمة العسكري، حيث أحضر لها باقة زهور، وانتظر منذ ساعات الصباح، لينعم مرة أخرى بحنان أمه الأسيرة.

وتقول الصحافية الفلسطينية، واصفة مشهد التقاء طفلها بعد عام من الأسر: «منذ أن وصلت حاجز الجلمة وشاهدت يحيى، كانت تبدو عليه مشاعر التعجب، لأنه لم يدرك بعد ماذا يعني الاعتقال، وما إن اقتربت منه حتى صرخ باكياً (ماما)، فحضنته شوقاً وبكيت، لأنه هو من ترك أثراً في نفسي طيلة فترة الأسر».

وتضيف «خارج الحاجز تواجد عدد من الصحافيين، فطلب مني يحيى قائلاً ببراءة متناهية (أريد أن أتصور معك)، وداخل السيارة أثناء طريق العودة إلى المنزل احتضنني بحرارة، فيما طلب الهاتف المحمول من والده ليلتقط صوراً لي، وحتى هذه اللحظة لم يفارق حضني منذ الإفراج عني».

وتتابع خاطر حديثها «لم أتخيل أن صغيري يحيى كبر بصورة سريعة، وأصبح يتحدث ويفهم كل شيء من حوله، وفي الوقت ذاته هو يحاول أن يدرك سبب فراقي وما حدث معي، ولكن أهم أمر بالنسبة لي الآن أن أعوضه عن كل لحظة لم أكن بجانبه فيها».


مرحلة صعبة

خاطر تعرضت لتحقيق قاسٍ في سجن عسقلان، بدعوى التحريض ضد إسرائيل في مقالاتها التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول الأسيرة المحررة: «إن مرحلة التحقيق أصعب شيء مررت به، فعلى مدار 34 يوماً بواقع 19 ساعة يومياً كانت تستمر عملية التحقيق والاستجواب، والتي كانت تتم وأنا مقيدة بسلاسل حديدية على الكرسي، وأذهب مرة واحدة إلى الحمام لمدة خمس دقائق، وفي مرات عدة تم تهديدي بالمنع من الذهاب إلى الحمام».

وتضيف «كنت أحرم من النوم، بفعل ساعات التحقيق المتواصلة، كما كنت أمنع من الصلاة، وبعد إصرار مني سمح لي بالصلاة، ولكن وأنا جالسة على كرسي التحقيق».

وتوضح أن تقييدها بشكل دائم خلال فترة التحقيق، أصابها بأوجاع كثيرة، لافتة إلى أنه لم يسمح لها بالكشف الطبي والعلاج.

ويبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات داخل سجن الدامون، الذي بات هو الوحيد المخصص لهن، 36 أسيرة، منهن 15 أسيرة أمهات.

خاطر تعرضت لتحقيق قاسٍ في سجن عسقلان، بدعوى التحريض ضد إسرائيل في مقالاتها التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تويتر