بحجة إعادة تأهيلهم وتطهير عقولهم من الإرهاب

الصين تحتجز أقليات مسلمة داخل معسكرات في مناطق جبلية نائـــية

صورة

تحتجز الصين نحو مليون مسلم وتجبرهم على تعلّم لغة الماندرين، وهي اللغة الصينية الرسمية، وعلى ترديد الأغاني الشيوعية. وتدّعي الجهات الرسمية أن القصد مما تطلق عليه بـ«إعادة التأهيل» يتمحور في «هدف واحد، وهو تخليص عقول الناس من أفكار التطرف الديني والإرهاب العنيف، ومعالجة الأمراض الأيديولوجية». ويقبع في هذه المعتقلات أقليات اثنية، مثل الأويغور، والكازاخ، والأقليات المسلمة الأخرى، وفقاً لمسح أجرته الأمم المتحدة. وفي خضم مكافحة ما تطلق عليه بكين الإرهاب، شيّدت مئات معسكرات إعادة التأهيل.

قصة ساوتباي

تقول سايراجول ساوتباي، وهي مواطنة صينية من أصل كازاخستاني، إنها عبرت من منطقة شينغيانغ الصينية إلى كازاخستان دون أوراق رسمية، بعد أن أجبرت على العيش في معسكر يضم نحو 2500 شخص من أصول كازاخية محتجزين من أجل إعادة تأهيلهم. وتضيف أنهم «في الصين، يطلقون عليه المعسكر السياسي، لكنه في الحقيقة عبارة عن سجن في الجبال». وأجرت صحيفة «واشنطن بوست» مقابلة مع 20 شخصاً آخرين في كازاخستان، على دراية بما تتعرض له العرقية الكازاخية في الصين، بما في ذلك ثلاثة معتقلين سابقين وأكثر من 12 شخصاً، قدّموا روايات مماثلة عن هذه المعسكرات، مع تفاصيل إضافية.

ومع الأخذ ببياناتهم، فإنهم يقدّمون أدلة جديدة على الاحتجاز خارج نطاق القانون، والتلقين القسري في شينغيانغ، حيث كشفوا كيف أن الحكومة، التي تستهدف في الغالب المسلمين من أصل أويغوري، تحتجز أيضاً أعضاء جماعات أخرى، معظمهم من المسلمين، بمن في ذلك الكازاخستانيون.

الأشخاص الذين وصلوا إلى كازاخستان من الصين تحدثوا عن قرى تعج بنقاط التفتيش والكاميرات الأمنية، التي لا حصر لها، وماسحات الضوء، حيث يمكن استجواب من يُشتبه في أن لهم روابط أجنبية، ويتم احتجازهم دون تهمة وإرسالهم إلى «مراكز إعادة التأهيل» إلى أجل غير مسمى. وفي هذه المعسكرات، تقضي الأقليات المسلمة أيامها في ترديد أغاني دعائية، مثل «من دون الحزب الشيوعي، لن تكون هناك أي صين جديدة»، ويقضون لياليهم في زنزانات مكتظة. وذكر رجل أطلق سراحه من أحد هذه المعسكرات أنه تعرض للإيهام بالغرق.

تاريخ مشحون بالأسى

نشأت ساوتباي في شمال غرب شينغيانغ بين قوميات الأويغور والقيرغيز وبعض أقليات الهان الصينية، وفقاً لما رواه زوجها، عوالي إسلام. ويقول إنهم تلقّوا تعليمهم باللغتين الكازاخية والصينية، لكن في العقد الماضي، أدى تحول حكومي نحو تعليم اللغة الصينية إلى إهمال أطفالهم اللغة الكازاخية تماماً، ما أزعج الزوجين. وتحولت العلاقة المشحونة بين الحزب الشيوعي والأقليات المسلمة إلى الأسوأ عندما ضرب العنف أورومتشي، عاصمة الإقليم. وبعد الهجمات التي نظمها الأويغور في السنوات التالية على السلطات، أعلنت الحكومة ما سمّته بـ«حرب الشعب» على الإرهاب، وأطلقت إجراءات أمنية أكثر صرامة. ويتحدث إسلام عما كان يجري في مسقط رأسهم قائلاً: «يتم تفتيشك عندما تعبر فقط من شارع إلى شارع آخر».

ساوتباي، التي كانت لها وظيفة حكومية في مجال التعليم، صادر مسؤولون محليون جواز سفرها. وفي السنوات الأخيرة، تمت مصادرة جوازات سفر بعض الأقليات ذوي أصول مختلفة في الصين، أو منعهم من الحصول على جوازات سفر جديدة.

وفي عام 2016، طلب المسؤولون جوازات سفر زوج وأطفال ساوتباي، وعندها قرروا أن الوقت قد حان للمغادرة إلى كازاخستان. وقالت لزوجها عن ذلك: «بما أنني امرأة وعضو في الحزب الشيوعي فإنني لن أتعرض لأي أذى، وأن الأمور ستستقر ويمكنني أن أنضم إليكم في كازاخستان».

أخبرت ساوتباي زوجها، أوائل عام 2017، أنهم سينقلونها إلى ما وصفوه لها بأنه «مركز تعليمي». وفي ذلك الربيع، أدركت أنه في الواقع معسكر اعتقال يضم آلافاً من القومية الكازاخية. وأضافت أن «إعادة التعليم كان عن كل شيء عن الحزب»، حيث يحتجز الحراس كل شخص داخل غرفة، ويجعلونه يردد أغاني الحزب الشيوعي. في النهاية، هربت ساوتباي إلى كازاخستان، وقالت لزوجها: «لقد جئت إلى هنا لأرى أطفالي، الآن أستطيع أن أموت بسلام».

قصص عن أشخاص مفقودين

تقول كورمانجان سيلام (37 عاماً)، إن والدها، مادينام سيلام، كان في عداد المفقودين لأشهر عدة. ولد في شينغيانغ عام 1948 وعمل في الحكومة لمدة 40 سنة، قبل أن يذهب للإقامة في كازاخستان. في الربيع الماضي، تم استدعاؤه إلى مسقط رأسه بشأن بعض الأوراق ذات الصلة بتقاعده، لكنها لم تسمع عنه منذ ذلك الحين. وأخبرتها والدتها، عبر الهاتف، بأن والدها تم أخذه من أجل إعادة تعليمه. وتقول كورمانجان: «أخبرتني ألّا أتصل بشأنه، وألّا أبحث عنه».

سابيلا تعقش تقول إن ابنها زينيشان باغدال، البالغ من العمر 50 عاماً، الذي يعمل في مجال الترفيه، تم اقتياده من منزله في أورومتشي منذ أكثر من عام. وتضيف: «قالوا إنهم عثروا على شيء ما على هاتفه وأخذوه بعيداً». وحاولت معرفة متى وكيف تم الحكم عليه، لكنها أدركت أنه لم توجه إليه أي تهمة ولم يخضع لمحاكمة. وتضيف: «لو تمت محاكمته، لوجدت ورقة تدل على أنه حوكم، ولا أعرف حتى ما إذا كان على قيد الحياة أم لا».

وُلد عقيقت كاليولا (34 عاماً) في شينغيانغ، وعمل موسيقياً في بكين وشنغهاي، ثم انتقل إلى كازاخستان، حيث تزوج. وجاء والداه وإخوانه إلى كازاخستان في يونيو 2017 للاحتفال بعيد ميلاد طفله الأول، على حد قوله. يقول: «الآن جميعهم اختفوا في الصين، ولم يعد الأقارب هناك يعرفون عنهم شيئاً».

نشأ أمانزهان سييتولي وتربى في الصين، لكنه أصبح مواطناً يحمل شهادة مواطنة مزدوجة صينية - كازاخستانية، يسافر ذهاباً وإياباً خارج البلاد. وطار إلى بكين في فبراير في رحلة عمل، لكنه أوقف في المطار، وتم استجوابه بشأن صلاته في كازاخستان. يقول: «كانوا يسألون عن كل شيء أقوم به في كازاخستان: كم عدد الأقارب في الصين؟ ماذا يعملون؟ هل لديهم منازل؟ كم تكلف تلك المنازل؟ هل أملك سيارة؟ ما كلفتها؟» ويقول إنه بعد أن حاول الفرار، أجبرته السلطات على السفر إلى شينغيانغ، وقادته الشرطة إلى مسقط رأسه، ظاهرياً للاطلاع على أوراقه الرسمية القديمة، وقال إنه قضى أياماً في مركز الشرطة المحلي قبل نقله، دون محاكمة، إلى مركز احتجاز أطلق عليه المسؤولون مركزاً للتعليم. من هناك، تم نقله إلى معسكر آخر، على حد قوله. ويروي أنه في كل يوم، يُضطر السجناء إلى الجلوس لساعات ويغنّون «الحزب الشيوعي جيد. الحزب الشيوعي جيد».

 

كازاخستان تستجيب أخيراً

اضطرّت كازاخستان إلى السير على حبل مشدود، بعد أن درج أحد أهم شركائها التجاريين، وهو الصين، على احتجاز مواطنيها، وأكدت وزارة الخارجية الكازاخستانية أنها أثارت الموضوع في مايو مع الجانب الصيني، ودعته إلى إطلاق سراح كازاخستانيين يحملون جنسية مزدوجة. وفي الأول من أغسطس، بعد أسابيع من تنظيم ناشطين حملات في هذا الصدد، تم الإفراج عن ساوتباي من الحجز، لكن لم يتم ترحيلها على الفور، وعلقت المحكمة عقوبة السجن بحقها لمدة ستة أشهر بسبب «الظروف الاستثنائية» في قضيتها. لكن معركتها لم تنتهِ بعد، حيث قد تطالب الصين باستعادتها من كازاخستان في ما بعد.

- الأشخاص الذين

وصلوا إلى كازاخستان

من الصين تحدّثوا عن

قرى تعجّ بنقاط

التفتيش والكاميرات

الأمنية، التي لا

حصر لها، وماسحات

الضوء، حيث يمكن

استجواب من يُشتبه

في أن لهم روابط

أجنبية، ويتم

احتجازهم دون

تهمة وإرسالهم

إلى «مراكز إعادة

التأهيل» لأجلٍ

غير مسمّى.

- اضطرّت كازاخستان

إلى السير على حبل

مشدود، بعد أن درج

أحد أهم شركائها

التجاريين، وهو الصين،

على احتجاز

مواطنيها.

تويتر