ترامب ليس استثناءً من القاعدة

علاقات حب وكراهية نشأت بين الصحــــافة الأميركية والبيت الأبيض منذ زمن

صورة

الأسبوع الماضي دخل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مشادة حادة مع مراسل «سي إن إن» في البيت الأبيض، جيم اكوستا، بعد أن وجّه إليه الأخير بعض الأسئلة التي يبدو أنها لم ترق للرئيس، وذهب البيت الأبيض إلى أبعد من ذلك بعد أن علّق ترخيصه الخاص بالدخول للبيت الأبيض. ويعرف الجميع العلاقة السيئة بين ترامب والصحافة منذ أن بدأ حملته الانتخابية.

كل رئيس أميركي له علاقة فريدة مع وسائل الإعلام، استخدمها بعضهم لمصلحته، بينما ميز الجفاء علاقة الصحافة مع رؤساء آخرين. ويعتقد البعض أن الأمر يستدعي تقليدياً من الصحافيين ضبط النفس في التعامل مع التقارير الصحافية الخاصة بأعلى منصب في البلاد، والابتعاد عن القيل والقال. إلا أن العديد من رجال الإعلام ظلوا يتجاوزون هذا الخط منذ الأيام الأولى لتأسيس الولايات المتحدة.

أسلوب غير مسبوق

قد يكون أسلوب ترامب غير مسبوق وجديد في أنه يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية و«تويتر»، على وجه الخصوص، لمهاجمة خصومه من الصحافيين وغيرهم. ولكن كان هناك رؤساء في الماضي يكذبون على الصحافة بابتسامة، أو بوضع أصابعهم على شفاههم كي يصمت الصحافيون، كما كان عليه الحال مع فرانكلين روزفلت، وجون كينيدي. وكان الرئيس الأميركي الثاني، جون آدامز، يشعر دوماً بالقلق من التأثير الأجنبي (الفرنسي) في الصحافة الأميركية، للحد الذي أقر فيه قانون «الفتنة» لعام 1798، الذي جعل نشر أي خبر ينتقد الحكومة غير قانوني. إلا أن الرئيس توماس جيفرسون، وضع حداً لهذا عندما أصبح رئيساً في عام 1800.

جيفرسون رمز للصحافة الحرة

كان جيفرسون مؤيداً للصحافة، ما لم تكن الصحافة تهتم بعثراته. وخلال فترة توليه منصب سفير الولايات المتحدة في فرنسا كتب: «إذا كان الأمر بيدي لكي أقرر ما إذا كان يجب أن يكون لدينا حكومة دون صحف، أو صحف دون حكومة، فلن أتردد للحظة في أن اختار الأخير». تلك هي العبارة التي كرّست جيفرسون بطلاً للصحافة الحرة. ومع ذلك، فإن هذا التقييم لا يتحدث عن القصة بأكملها، فخلال فترة رئاسته، انتقد ما اعتبره الطبيعة الحزبية للصحافة، وبدأ بثّ شكاواه في رسائل شخصية تفيد بأنه «لا يمكن الآن تصديق أي شيء نقرأه في الصحف، فالحقيقة نفسها تصبح موضع شك بعد أن نقرأها في هذه الوسيلة الملوثة». وفي الواقع، فإن الصحف في أوائل القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة تعكس في بعض الأحيان آراءً تمثل تحيزاً علنياً لسياسيين يوبخون آخرين من جانب شخصي. أثناء حملة جيفرسون ضد جون آدمز، استخدم الرجلان الصحافة لكيل الشتائم على بعضهما بعضاً، واتهمت الصحف المتحالفة مع جيفرسون الرئيس آدمز بكونه شخصاً مخنثاً ومنافقاً، في حين هاجم معسكر آدمز إرث جيفرسون العنصري، متهماً إياه بأنه «ابن محارب هندي مخلط»، بالإضافة إلى كونه ملحد، على الرغم من أن علاقة جيفرسون كانت جيدة مع الصحافة، وأنه لايزال من أشد المدافعين عن حرية الصحافة، والذي ظل يقول إن «الأمن الوحيد للجميع هو في حرية الصحافة».

كينيدي يبرر حجب المعلومات

مثله مثل العديد من الرؤساء الذين كانت لديهم وسائل إعلام مفضلة، كان كينيدي صديقاً لبعض الصحافيين، بينما يعادي آخرين. وعلى الرغم من أن رئاسته بدأت كحالة حب بينه وبين الصحافة (أو بالأحرى الصحافة التي تدعمه)، تدهور ذلك الوضع بمرور الوقت. واتضح ذلك بشكل خاص خلال الأزمة مع كوبا عام 1961 و1962. وشعر الصحافيون باستياء منه، حتى أصدقاؤه منهم، عندما منع الوصول إلى معلومات السياسة الخارجية. لم يكن هذا شيئاً جديداً بالنسبة للصحافة، التي كانت علاقتها أيضاً مضطربة مع سلفه، دوايت آيزنهاور، الذي حجب وسائل الإعلام من الوصول الى المعلومات، وجعل الكثيرين منهم يعتقدون أن البلاد تواجه أزمة حرية إعلام، وشعروا أن السرية الحكومية آخذة في التزايد، وظن الكثير منهم أن هذا الوضع سيتحسن مع كينيدي، لكن خاب أملهم.

وبرر كينيدي ذلك من خلال خطاب ألقاه في فندق والدورف أستوريا في نيويورك أمام جمعية ناشري الصحف الأميركية، وقال إنه لا يريد حرباً مع الصحافة، لكن «التحدي الراهن» الذي يواجه أميركا «يفرض على مجتمعنا مواجهة الخطر الوطني، حيث هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات العامة لكننا أيضاً في حاجة إلى سرية رسمية أكبر بكثير».

ومضى قائلاً: «ينبغي أن تسأل كل صحيفة نفسها الآن، في ما يتعلق بكل قصة: هل هي أخبار؟ كل ما أقترحه هو أن تضيف السؤال: هل هو في مصلحة الأمن القومي؟ وآمل أن كل مجموعة في أميركا (النقابات ورجال الأعمال والمسؤولون العموميون على كل مستوى) أن يسألوا أنفسهم السؤال نفسه، ويخضعون أفعالهم لهذا الاختبار الدقيق ذاته».

نيكسون يمنع مراسلاً من دخول البيت الأبيض

رئيس آخر كانت علاقاته شائكة مع الصحافة، وهو ريتشارد نيكسون، الذي وصف الصحافة بأنها «النخبة»، لكنه في الوقت ذاته هدد بإقالة سكرتيره الصحافي إذا سمح لمراسل «واشنطن بوست» بالدخول الى البيت الأبيض، وكما فعل ترامب بطريقة أو بأخرى، أمر سكرتيره الصحافي قائلاً: «أريد أن يكون مفهوماً بشكل واضح من الآن فصاعداً، بأنه غير مسموح لمراسل من صحيفة واشنطن بوست التواجد في البيت الأبيض، هل هذا واضح؟».

كلينتون يعتبر الصحافة منصفة

خلال حملته الرئاسية ودخوله البيت الأبيض في ما بعد نشرت وسائل الإعلام تقارير عن تعاملات بيل كلينتون التجارية السابقة، واعتداءاته الجنسية المزعومة. ولكن عندما انتشرت الأخبار بأن الرئيس لم يكن على علاقة فقط بالمتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، بل إنه يخضع للتحقيق من قبل محامي مستقل بشأن ذلك هبت عاصفة إعلامية قوية، جعلت كلينتون ينفي بشدة هذه الاتهامات لشهور، قبل الاعتراف في نهاية المطاف في أغسطس من عام 1998 بعلاقته الجنسية بها.

تعرض سلوك كلينتون إلى تمحيص مرة أخرى خلال حملة زوجته، هيلاري كلينتون، الرئاسية لعام 2016، استغله منافسها ترامب للرد على مزاعم مماثلة بشأن معاملته الخاصة للنساء. ومع ذلك، عندما سئل بيل كلينتون عن معاملته من قبل الصحافة خلال حملته الانتخابية في التسعينات وخلال عام 2016، قال إنه يعتقد أن الصحافة «كانت أكثر إنصافاً» في عام 1992.

ما الذي جعل ريغان مختلفاً عن نظرائه الأميركيين؟

يقول نائب الرئيس التنفيذي لشركة إيه بي سي نيوز، ديفيد بورك، في حديث مع مؤلف كتاب «الصحافة ورئاسة ريغان» الذي صدر عام 1988، إن العلاقة الحميمية بين الرئيس رونالد ريغان والصحافة شيء له علاقة بشخصيته الودودة. إنه ليس شخصاً يؤلب الجمهور على الصحافة، أعتقد أن الصحافة لديها شعور مماثل تجاه ريغان بشكل عام، بأنه رجل محترم، ليس مدفوعاً بعدم الأمان، والفساد، والمؤامرات، وتكتيكات الغرفة الخلفية». ويقول الصحافي التلفزيوني توم بروكاو: «يعود الكثير من نجاحه لموظفي البيت الأبيض، الذين استطاعوا استخدام الصور التلفزيونية واستغلال الصحافة لتعزيز صورة إيجابية عنه». ومع ذلك، يقول بروكاو إن «نجاحه كان متجذراً أيضاً في نظرته الإيجابية، ليس فقط الى الولايات المتحدة، بل أيضاً الى نفسه. يعود الأمر جزئياً إلى إيمانه القوي بمن هو، إنه لا يحاول إعادة اختراع نفسه كل يوم، كما كان يفعل الرئيس جيمي كارتر».

• أسلوب ترامب قد يكون غير مسبوق وجديد في أنه يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية و«تويتر»، على وجه الخصوص، لمهاجمة خصومه من الصحافيين وغيرهم. ولكن كان هناك رؤساء في الماضي يكذبون على الصحافة بابتسامة، أو بوضع أصابعهم على شفاههم لكي يصمت الصحافيون، كما كان عليه الحال مع فرانكلين روزفلت، وجون كينيدي.

• العلاقة الحميمية بين الرئيس رونالد ريغان والصحافة شيء له علاقة بشخصيته الودودة، إنه ليس شخصاً يؤلب الجمهور على الصحافة، أعتقد أن الصحافة لديها شعور مماثل تجاه ريغان بشكل عام، بأنه رجل محترم، ليس مدفوعاً بعدم الأمان، والفساد، والمؤامرات، وتكتيكات الغرفة الخلفية.

تويتر