بعد قرون من استحواذ البِيض على الأراضي الزراعية للسكان الأصليين

سياسيون يحضّون شعب جنوب إفــــريقيا على الاستيقاظ للمطالبة بأرضه

صورة

كان من المفترض أن تصبح ملكية الأراضي حقيقة بالنسبة لمئات الآلاف من السود في جنوب إفريقيا، في الوقت الراهن، لكن لاتزال البلاد تكافح، بعد مرور 24 سنة على أول انتخابات حرة في البلاد، من أجل تصحيح المظالم الفادحة للاستعمار والفصل العنصري، ونظام حكم الأقلية البيضاء. ووصل المستعمرون الأوروبيون إلى الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية في القرن الـ17، وعلى مدى الـ200 سنة التالية طرد المستعمر الأفارقة من أراضيهم ليستولي عليها. وقد سمحت سياسة صدرت في عام 1913 للحكومة التي يديرها البيض، بمزيد من تجريد الممتلكات المملوكة للسود. واستمرت تلك السياسات في ظل نظام الفصل العنصري، الذي بدأ عام 1948، وانتهى بالتصويت متعدد الأعراق في 27 أبريل 1994.

لكن الحقيقة الصارخة أن عدم المساواة مازال قائماً، إذ يمتلك السود في جنوب إفريقيا، الذين يشكلون 80% من السكان، 4% فقط من الأراضي الزراعية في البلاد، وفقاً لبيانات الحكومة، وتمتلك الأقلية البيضاء في البلاد 72% من تلك الأراضي.

مهندسو تحول جنوب إفريقيا إلى الديمقراطية في التسعينات، تصوروا نتيجة مختلفة إلى حد بعيد عن هذا الواقع: ينص دستور ما بعد الفصل العنصري على أن الحكومة يجب أن تساعد المواطنين في الحصول على الأراضي بشكل أفضل. ويريد الآن المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي يتولى السلطة منذ عام 1994، تحويل 30 % من الأراضي الزراعية في البلاد من ملكية بيضاء إلى سوداء. وبالإضافة إلى شرائه أراضي من مالكين بيض وإعادة توزيعها على السود، ينظم المؤتمر الإفريقي برامج لمساعدة السود على المطالبة بالأرض، وإرساء حقوق أولئك الذين تكون حيازة أرضهم غير مؤمّنة.

لكن من الصعب إزاحة إرث نظام الفصل العنصري، ويعتقد كثيرون أن نظام إصلاح الأراضي عبارة عن كارثة. وحتى الآن تم تحويل 9% فقط من الأراضي الزراعية التجارية إلى مالكين سود من خلال المطالبات وإعادة التوزيع. ويقدّر الوقت اللازم لتسوية المطالبات القائمة والمتراكمة في الوقت الراهن، بـ35 سنة، أما المطالبات الجديدة فربما تنتظر لأكثر من قرن من الزمان.

• تعتبر جنوب إفريقيا الآن أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم، وفقاً للبنك الدولي. وتفاقم عدم المساواة في ظل الديمقراطية، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر الوطني، وتعتبر أزمة المساكن في المدن الكبرى، مثل كيب تاون وجوهانسبورغ قاسية للغاية.

• شبح مصادرة الأراضي أعاد أيضاً المخاوف القديمة لدى بعض الأطراف من المجتمع الأبيض في جنوب إفريقيا، الذين يشعرون بأن هذه السياسة يمكن أن تؤجّج من الهجمات العنيفة عليهم.

إن وتيرة التغيير البطيئة في هذا الخصوص، جعلت قضية الأرض إحدى أكثر القضايا استقطاباً بجنوب إفريقيا في الوقت الراهن. ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية العام المقبل، استغلت المجموعة المعارضة، التي تسمي نفسها «مقاتلو الحرية الاقتصادية»، والتي يترأسها السياسي الشاب المثير للجدل، جوليوس ماليما، استغلت الإحباط الشعبي بسبب فشل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في معالجة المشكلة. ويحضّ هذا الحزب الصغير الحكومة على الاستيلاء على ممتلكات البيض من دون أن يدفع لهم في المقابل، كما فعل الرئيس الزيمبابوي السابق، روبرت موغابي. ويحذر منتقدو سياسة موغابي من فترة الانهيار الاقتصادي التي أعقبت ذلك: تراجع إنتاج الأغذية جزئياً بسبب نقص المعدات والتدريب، وارتفاع معدلات البطالة، حيث غادر البلاد الآلاف من أصحاب العمل الزيمبابويين، البيض الذين تم نزع أراضيهم.

وكان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي هبطت شعبيته في ظل ولاية الرئيس السابق، جاكوب زوما، المثير للجدل، قد أعلن، في ديسمبر الماضي، أنه سيستخدم سياسة «مصادرة الأراضي من دون تعويض»، لتسريع الإصلاح، ووعد الحزب بالقيام بذلك من دون الإضرار بالاقتصاد والأمن الغذائي والوظائف. ويقول الرئيس، سيريل رامافوزا، الذي حلّ محل زوما هذا العام، مراراً وتكراراً بأن الاستيلاء على الأراضي من السكان الأصليين هو «الخطيئة الأصلية» لجنوب إفريقيا، وأن عودتها إلى أصحابها الشرعيين سيفتح إمكانات البلاد الاقتصادية.

في فبراير، صوّت البرلمان بأغلبية ساحقة لمصلحة قرار بمتابعة سياسة نزع الملكية، وعيّن لجنة للتحقيق في ما إذا كان الدستور بحاجة إلى التعديل أم لا. ومن المقرر أن تقوم اللجنة بالإبلاغ عن النتائج التي توصلت إليها في وقت لاحق من هذا العام، قبل انتخابات عام 2019.

لاشك في أن حجم الأراضي التي استولت عليها الدولة قد أفزع ملاك الأراضي البيض، وزاد من فزعهم ظاهرة جديدة هي «التغول على الأراضي» في جميع أنحاء البلاد، حيث صار السود يستولون على ملكية أراضي غير مستخدمة مملوكة للغير، ليعيشوا هناك. وتقول الرئيسة السابقة لاتحاد الترانسفال الزراعي في إقليم كيب الشرقي، لويز روسو: «بمجرد أن تكون هذه الأراضي حرة للجميع، كيف يمكننا أن نوقف ملايين الناس من هذه الفوضى؟»، وتضيف «هذا جنون، بدأ الناس بالفعل في الحديث عن حرب أهلية».

لقد حاول حزب المؤتمر الوطني الإفريقي القضاء على المخاوف من انهيار اقتصاد البلاد، مثلما حدث في زيمبابوي. وأكد أنه سيستهدف أولاً الأراضي غير المستخدمة، لكن قادة الحزب الآخرين نكصوا أيضاً عن تعهدهم الأصلي. وأكد رامافوزا، أخيراً، في البرلمان أنه «بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن قضية الأرض في جنوب إفريقيا ستذهب تحت السجادة، أقول لهم: استيقظ يا صديقي، شعبنا يريد الأرض».

مجتمع غير متكافئ

تعتبر جنوب إفريقيا الآن أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم، وفقاً للبنك الدولي. وتفاقم عدم المساواة في ظل الديمقراطية، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر الوطني. وتعتبر أزمة المساكن في المدن الكبرى، مثل كيب تاون وجوهانسبورغ، قاسية للغاية، حيث ينتظر الكثير من الناس السكن الحكومي ويعيشون في مستوطنات غير رسمية تفتقر إلى المياه والكهرباء، وتعاني المدارس العامة والعيادات الصحية من نقص في الموظفين، وتتفاقم البطالة.

وأدى فشل المؤتمر الوطني الإفريقي في الوفاء بالوعود التي قطعها خلال النضال من أجل الحرية، في عهد زعيمه نيلسون مانديلا - بما في ذلك المساواة وحقوق العمل والأراضي والإسكان - أدى إلى دخول الحزب في أزمة سياسية، واستغل حزب مقاتلو الحرية الاقتصادية، التقدم البطيء للحكومة في مجال إصلاح الأراضي، وجعل هذه القضية أحد أهدافه الرئيسة. ويقول ماليما بخطاب له في أبريل: «نقول لشعب جنوب إفريقيا احتل الأرض، نحن لا نفعل شيئاً غير قانوني»، ويمضي قائلاً «هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي أن تفعلوه، لأنها أرضكم».

على الرغم من أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ظل يؤيد دائماً إصلاح الأراضي، إلا أن خطاب ماليما المتشدد - إلى جانب تدني شعبية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بين الناخبين - دفع الحزب إلى تبني سياسة نزع الملكية المثيرة للجدل من دون تعويض. ونتيجة لذلك ينتظر ملاك الأراضي البيض في المدن الزراعية ما سيحدث بعد ذلك. وتوقف بعضهم في منطقة الكاب الشرقية عن الاستثمار في البنية التحتية حول مزارعهم، مثل الطرق والأسوار والسدود، كما تقول روسو: «لا أحد يدري ما سيحدث بعد ذلك».

شبح مصادرة الأراضي أعاد أيضاً المخاوف القديمة لدى بعض الأطراف من المجتمع الأبيض في جنوب إفريقيا، الذين يشعرون بأن هذه السياسة يمكن أن تؤجج من الهجمات العنيفة عليهم. وفي مارس اقترح وزير الشؤون الداخلية الأسترالي، بيتر دوتون، أن توفر بلاده ملجأ للمزارعين البيض الذين قد يفرون من جنوب إفريقيا بسبب التهديدات. وبعد شهر من ذلك، نفت الحكومة الأسترالية مثل هذه الفكرة قائلة إنها لا أساس لها من الصحة، وفي مايو ذهب أعضاء من «أفريكفوريم»، وهي مجموعة جنوب إفريقية تمثل بعض الأفريكانيين، إلى الولايات المتحدة للضغط على صانعي السياسة، للتفاعل مع هجمات المزارع والتحذير من مخاطر خطة الحكومة لنزع الملكية من دون تعويض. ويقول نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة، إرنست رويتس، خلال ظهور له على قناة «فوكس نيوز»: «الوضع خطير للغاية في جنوب إفريقيا»، ويضيف «كلما تحدثنا ضد هذه السياسة، كانت هناك ردة فعل خطرة».

تويتر