سكان يروون فظاعة حرب الإبادة والتجويع

أصوات من تحت الركام تنتظر الموت في الغوطة الشرقية

صورة

خرج سكان الغوطة الشرقية لدمشق في احتجاجات سلمية ضد حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال «الربيع العربي» جنباً إلى جنب مع العديد من المناطق السورية الأخرى، إلا أن الحكومة ردت بقسوة وبطريقة وحشية على المطالب المشروعة، عندها لجأ السكان إلى السلاح لتضطر قوات النظام الى الانسحاب من المنطقة في أواخر عام 2012، لكنها فرضت طوقاً قوياً على هذه الضاحية، ما جعل دخول الطعام والدواء وخروج ودخول المواطنين أمراً عسيراً.

وفي أغسطس 2013، أدى هجوم بالأسلحة الكيماوية على هذا الجيب إلى مقتل أكثر من 1400 مدني. وفي السنوات التالية لذلك، شددت الحكومة الحصار، واستمرت في قصفها الجوي لهذه الضاحية.

في 18 فبراير صعّد نظام الأسد وحلفاؤه الروس من الهجمات بشكل مفاجئ، وشنوا حملة قصف، تعتبر الأعنف التي شهدتها هذه الحرب، التي أصبحت خليطاً معقداً من المصالح العالمية المتداخلة، حيث تقاتل تركيا القوات الكردية في الشمال، فيما تعمل إيران على بناء قواعد عسكرية في الجنوب، بينما يشتبك المرتزقة الروس مع القوات الأميركية في الشرق، وفي الوقت نفسه، يقصف الأسد من الجو من يقول إنهم متطرفون يسيطرون على أرض الغوطة الشرقية، التي تعتبر واحدة من آخر معاقل المسلحين في سورية.

وأسفرت هذه الحملة عن مقتل ما لا يقل عن 500 مدني وإصابة الآلاف منهم. وفشلت جميع محاولات الأمم المتحدة في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الوضع بأنه «جحيم على الأرض». ويقول عمال الإغاثة إن قوات النظام تستخدم أسلحة كيماوية في قصفها اليومي. ولكن يبدو أن خير دليل على فظاعة هذه الحرب ما أدلى به السكان من «تحت الأنقاض».

معاناة المسعفين أمام نقص الإمكانات

يقول (حمزة - 24 عاماً)، الذي يعمل مسعفاً: «لديك دقيقتان حداً أقصى لإنقاذ شخص ما، فعادة ما يقصف النظام المنطقة نفسها مرتين متتاليتين بهدف ضرب عمال الإنقاذ في الضربة الثانية، ومعظم مرافقنا الطبية أصبحت معطلة»، ويضيف أن «المتطلبات الضرورية تنفد من أيدينا، مثل مواد التخدير، ولم نعد قادرين على التعامل مع الجروح العميقة، لذلك نلجأ في نهاية المطاف الى بتر الأطراف بأكملها».

ويروي أنه «في سبتمبر الماضي، جاء طفل صغير يبلغ من العمر ثلاث سنوات إلى غرفة الطوارئ مع التفشي الحاد لمرض الهربس. كان بحاجة إلى دواء معين، لكنه لم يكن متوافراً لدينا، أرسلنا اسم الطفل إلى الصليب الأحمر، الذي طلب بدوره من الحكومة السماح بإجلائه فوراً من الغوطة. لم يكن هناك أي رد من قبل الحكومة. لن أنسى أبداً اليوم الذي توفي فيه هذا الطفل».


• النظام فرض حصاراً شديداً على الغوطة الشرقية.

(إياد - 27 عاماً) والد

«ظللنا تحت الأرض لمدة ستة أيام، نتشارك مأوى واحداً مع 70 شخصاً آخرين. تشعر بالرطوبة في عظامك، والروائح البشرية الرهيبة والعفن يملأ المكان، لدرجة أنك لا تستطيع حتى أن تميز رائحتك عن بقية الروائح الأخرى. في كل مرة نسمع فيها صوت الطائرات المقاتلة، نعتقد أن هذه ستكون آخر لحظة لنا على وجه هذه البسيطة. صوت الطائرات يخيفني لأنني أصبت في غارة جوية من قبل. ولكن ما يخيفني أكثر هو أنني قد أموت، وقد تموت زوجتي ويصبح ابننا البالغ من العمر ثلاث سنوات وحده، أو قد يُقتلا هو ووالدته، ولن أستطيع العيش دونهما. سمعنا أن هناك وقفاً لإطلاق النار وعدنا الى الديار لنجدها أصبحت كومة من التراب والزجاج المهشم. تمنيت فقط شيئين: شرب القهوة والاستحمام. أشعلنا ناراً لتسخين المياه، وكنت قد بدأت الاستحمام للتو عندما بدأ القصف مرة أخرى. لم يكن لدي حتى فرصة لغسل الصابون عن جسدي، قبل أن نركض مرة أخرى إلى الملجأ. رأيت أحد جيراني يحمل خبزاً وجبناً، ويحدق في مبنى قد تحول إلى ركام. قال لي: (أطفالي يعيشون هناك، لم يأكلوا طيلة ثلاثة أيام، وغادرت للتو للحصول على الطعام. لا أعرف إن كانوا أحياءً أم أمواتاً). لحسن الحظ، تم إنقاذ أطفاله في وقت لاحق. كل ما أرجوه هو أن يتوقف القصف، وأن أعيش في الغوطة مع جيراني، وأتجول في الشوارع التي نشأت فيها. هنا مستقرنا. يمكننا التعامل مع الدمار وإعادة البناء. نريد فقط البقاء على قيد الحياة».

(نيفين - 38 عاماً) مدرّسة

«تركتُ قراءة المجموعات الإخبارية التي تنشر قوائم حديثة بأسماء القتلى. لن يستطيع قلبي بعد الآن أن يتحمل قراءة هذه الأسماء، فقد رأيت اسمي (نجاح) و(لينا) ضمن قائمة القتلى. لم أستطع أن أستوعب أن هاتين الفتاتين كانتا ضمن طالباتي. سألتني الفتاة السمراء الحلوة، (أستاذتي، هل ستخبرين أمي عن درجاتي؟)، وكان ذلك قبل أن تقصف قذيفة كبيرة مبنى مدرستنا لتضطرنا الى تعليق الدراسة. ليس في أسرتي الممتدة شخص واحد يحمل السلاح، جميعنا مدنيون نسعى لخدمة مجتمعنا. إذا كان أحدنا مؤيداً للنظام، فإن النظام لن يحفل به أكثر من احتفائه بنا. دورنا لم يأتِ بعد».

(محمد - 27 عاماً) مصوّر

«أشعر بالقلق والخوف كثيراً. وأعتقد أن هذا الخوف هو غريزة نتميز بها نحن كبشر، والتي تحمينا في بعض الأحيان، وتبقينا على قيد الحياة. كثيراً ما أخشى أن أكون تحت الأنقاض. هذا هو السبب في أنني دائماً أترك بيتي، إن أمكن، خلال القصف، وأذهب إلى المستشفى مع الكاميرا. في السادس من فبراير، بعد أيام من مقتل بعض أقاربي في قصف جوي، نما الى علمي أن هناك أناساً عالقين تحت الأنقاض. كنت قد قررت عدم التقاط صور في الأيام التي قتل فيها أفراد عائلتي. أخبرني صديقي أن أسرة أحد أصدقائنا مدفونة تحت الأنقاض. ذهبت بكاميرتي إلى حيث كان عناصر (الخوذ البيض) يبحثون عن الضحايا، ورأيت صديقي يبكي فقد أصيب بانهيار عصبي. حدث القصف في الساعة 11 صباحاً، وعثروا على أول جثة، وهي لابن صديقي، في الساعة السادسة مساء. في كثير من الأحيان عندما أنظر للصور أسأل نفسي السؤال الأكثر إيلاماً: (لماذا أصيب هذا الرجل، وليس أنا؟)، أذهب لأبعاد عميقة داخل أفكاري. ربما كان قد أسعفني الحظ وغادرت إلى بلد آخر قبل بدء الحصار، لأواصل دراستي وأصبح مهندساً معمارياً. إنها فكرة رائعة. ولكن بعد دقائق قليلة استيقظ من هذه الهواجس وأقول في نفسي: (أنا بحاجة إلى أن أكون واقعياً، حتى في أحلامي، ربما إذا ركبت قارباً للهجرة إلى أوروبا قد يغرق القارب في منتصف الطريق). حاولت النوم، لكنني لم أستطع، وضعت رأسي على الوسادة، وتساءلت عما إذا وجدوا بقية الأشخاص المفقودين تحت الأنقاض، حولت وجهي تجاه السقف، ثم فكرت (ماذا لو كان سقف غرفتي هو آخر صورة أراها في حياتي؟). كنت مستلقياً على سريري، أفكر في كل الأخبار التي قد أسمعها عندما أستيقظ. كانت تلك أطول ليلة في حياتي. وقبل أن أغلق عيني، سمعت انفجاراً ضخماً. ذهبت إلى المستشفى، وعلمت أن العديد من الجرحى من الأطفال. ذهبت إلى هناك فقط لأنني كنت بحاجة إلى سبب لمغادرة بيتي، والهرب من السقف الذي أشعر بأنه كان يحدّق في وجهي. صرت أعتقد أن كل سقف فوق رأسي هو أداة للقتل».

(تقي - 30 عاماً) عامل إغاثة

«تطوعتُ في مجموعة تدعى (فريق ملهم التطوعي). أتتني ذات يوم امرأة، كانت خجولة لدرجة أنها لم ترفع عينيها عن الأرض لتنظر إليّ. قالت لي إن زوجها مصاب ولم يذق طعاماً منذ يومين. وكان ابنها جائعاً لدرجة أنها ضبطته وهو يتناول برازه خلسة. حملت بعض الطعام إلى منزلهم، وصدمت عندما وجدته خالياً تقريباً. فقد كانوا يستخدمون معظم أثاثهم كحطب. عدت إليهم الليلة التالية لمعرفة ما إذا كانوا لايزالون على قيد الحياة خلال هذا القصف الأخير. كان الحي قد تعرض للدمار بأكمله. ليس لديّ أي فكرة ما إذا كانوا أحياءً أم أمواتاً».

تويتر