بعد اكتماله خلال عامين

سد النهضة يثير المخاوف من آثار كارثية على مصر والسودان

من المتوقع أن ينتهي بناء السد بعد عامين من الآن. أرشيفية

ينتاب كلاً من مصر والسودان القلق من الآثار السلبية التي قد تنتج عن سد الألفية الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق. ويعتقد الكثير من خبراء المياه أن التأثير في مصر سيكون أكبر، لأنها عكس السودان، ليست لها مصادر مياه بديلة، فهي تعتمد اعتماداً كلياً على النيل. وعلى الرغم من الاحتجاجات المصرية، تمضي إثيوبيا قدماً في إنشاء «سد النهضة»، الذي يعتبر واحداً من أكبر السدود في العالم، على نهر النيل الأزرق، الذي ينبع من الهضبة الاثيوبية، ويمر عبر الاراضي السودانية، ليلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم، حيث يشكلان نهر النيل الذي يجري شمالاً ليصب في البحر الابيض المتوسط بمصر. وبعد اكتماله ستغمر البحيرة، التي تتكون وراء السد، مساحة 1680 كلم مربعاً من الغابات شمال غرب إثيوبيا (وهي مساحة تقدر بما يصل إلى أربع مرات مساحة مدينة القاهرة)، وستتسبب البحيرة في تهجير 20 ألفاً من السكان المحليين، ومن المتوقع أن تبلغ كمية المياه المحجوزة داخل هذه البحيرة نحو 70 مليار متر مكعب من المياه - ما يعادل كامل التدفق السنوي لنهر النيل الأزرق عند الحدود السودانية، ويتوقع أن تصل سعة إنتاج السد من الكهرباء 6000 ميغاواط.

قصور في التخطيط

بعد أن بدأت في بناء السد، وافقت إثيوبيا على تشكيل لجنة دولية من الخبراء، تضم أعضاء من مصر والسودان، لاستعراض الآثار الاجتماعية والبيئية التي قد تتعرض لها دول المصب جراء إقامة السد. وقدمت اللجنة المكونة من 10 اعضاء تقريرها إلى الحكومات في يونيو 2013، وأشارت إلى العديد من الثغرات المهمة في وثائق المشروع، كما أشارت إلى أن الدراسة الهيدرولوجية لم تكن متعمقة بما فيه الكفاية، وليس بمستوى التفاصيل والتطور والموثوقية، التي ينبغي أن تليق بمشروع بمثل هذا الحجم والأهمية، له آثاره الإقليمية الكبيرة. ووفقاً لبعض التسريبات فإن لجنة الخبراء قد خلصت إلى أن «كمية الكهرباء المولدة من خزان اسوان ستنخفض بنسبة 6%، ولكن لن يكون هناك فقدان في كمية المياه، اذا ما امتلأ الخزان خلف البحيرة، خلال سنوات من الأمطار الغزيرة، وعلى العكس من ذلك سيؤثر على امداد المياه إلى مصر، ما قد يؤثر بالتالي في توليد الطاقة بخزان اسوان، خلال فترة امتلاء البحيرة»، ودعت اللجنة إلى دراسة إضافية مستفيضة عن تأثير السد على مصادر المياه.

ودعت مصر إلى تشكيل لجنة جديدة «محايدة» للفصل في الخلافات، حول الآثار التي قد تتعرض لها دول المصب. وفي يناير 2014، وبعد سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى بين الحكومات الثلاث، انهارت المحادثات.

مخاوف الأمن المائي

على الرغم من ادعاء إثيوبيا بأن مصر والسودان ستستفيدان من إنشاء السد، وانه لن تكون هناك أية آثار سيئة على إمدادات المياه لكلا الدولتين، فإن هذا السد من شأنه أن يمنح إثيوبيا مزيداً من السيطرة على تدفق النهر. ويتمثل القلق الأساسي من أن البحيرة الضخمة خلف الخزان ستحتاج من خمسة إلى سبعة أعوام لكي تمتلئ بالمياه، ما يخفض كمية المياه التي تصل إلى مصر بنسبة 12-25% خلال هذه الفترة. أحد خبراء المياه يعتقد أن نسبة الفاقد من مياه البحيرة بسبب التبخر قد تصل إلى ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه في العام، وهو ما يقدر بثلاثة أضعاف كمية الامطار السنوية التي تهطل في مصر، ومقدار ما يستهلكه نصف مليون شخص.

ويعتقد عدد من الخبراء أن السد لن ينتج قدراً كبيراً من الطاقة، كما تدّعي الحكومة الإثيوبية، ويؤكدون انه لكي ينتج السد طاقة اكثر، ينبغي أن يكون أصغر حجماً لتحقيق الكفاءة اللازمة، والتقليل من الكلفة غير المبررة. ويقول أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة سان دييغو (كاليفورنيا)، اسفاو بيني، إن حجم السد يزيد عما هو مطلوب بنسبة 300%، وفي هذه الحالة فإن أكثر من نصف توربينات توليد الكهرباء نادراً ما يتم استخدامها. واستنتج بيني أن الطاقة الكهربائية التي يستطيع سد النهضة انتاجها، بناءً على معدل تدفق النهر السنوي وارتفاع الخزان، هي في الواقع 2000 ميغاواط، وليس 6000 ميغاواط، ويعتقد بيني أن السد سياسي أكثر من كونه اقتصادياً.

 

سيناريوهات متشائمة

تعتقد بعض المصادر أن إصرار الجانب الإثيوبي على المضي قدماً في بناء مشروع السد بالمواصفات الحالية، سيقود حتماً إلى نتائج خطيرة تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر. وتؤكد بعض المعلومات والدراسات المتوافرة، عدم قدرة السد على تحمّل ضغط المياه الضخمة المحتجزة في البحيرة الخلفية، والتي تصل إلى نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، وحيث إنه مشيد من الأسمنت، فقد ينهار في أي وقت، وستحدث كارثة من شأنها أن تؤدي إلى غرق اجزاء من شمال السودان وجنوب مصر، وتتشرد ملايين الأسر جراء ذلك بعد ان تفقد موارد عيشها ومساكنها. وتشير هذه المصادر إلى أن انهيار السد لن يمثل خطراً على إثيوبيا؛ لأنه يقام على أطراف حدودها مع السودان، ولكن أضراره ستلحق بالسودان ومصر، فمن المتوقع أن تغرق الخرطوم بكاملها، بينما ستغرق مساحات شاسعة من أسوان إلى الجيزة.

 

كلفة باهظة

يرى خبير المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، أن مصر ستتكلف سنويّاً نحو 50 مليار جنيه لتحلية مياه البحر، لتعويض النقص الذي سيسببه سد النهضة في حصة مصر من مياه النيل، خصوصاً أن تحلية المتر الواحد من مياه البحر تكلف خمسة جنيهات، ما يعني أن مصر ستتحمل 50 مليار جنيه سنويّاً، أي ما يعادل 12% من ميزانيتها، لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد، ناهيك عما تعانيه مصر حالياً من أزمة اقتصادية شديدة.

أسئلة تحتاج إلى إجابة

بالإضافة إلى المخاوف الإقليمية، هناك الكثير من علامات الاستفهام حول المشروع، والتي تتمثل في مقدار الوقت الذي سيستغرقه ملء البحيرة الخلفية، وما تأثيرات ذلك على الأمن المائي لدول المصب؟ وما تأثير الطمي على الخزان؟ والتأثير المتوقع على التنوع البيولوجي في منطقة الخزان ودول المصب؟ وما مدى تأثير ذلك على السدود المقترحة على النيل الأزرق، والتوسع في استغلال الأراضي في دول المصب؟ وهل هناك اعتبارات للنشاط الزلزالي في المنطقة؟، واحتمال اكتساح المياه للسد، ومدى موثوقية معايير سلامة السدود في إثيوبيا.

قلق مصري مبرّر

تخشى مصر من الإفرازات السلبية لسد النهضة، الذي من المتوقع أن يكتمل انشاؤه عام 2017، حيث يتوقع خبراء مياه مصريون أن تخسر مصر ما بين 20 إلى 30% من حصتها من مياه النيل، ونحو ثلث الكهرباء المولدة من السد العالي في أسوان. ويؤكد المحلل الاستراتيجي المصري، أحمد عبدالحليم، أن «مصر تنظر إلى هذا الأمر باعتباره مسألة أمن قومي»، ويضيف «بينما ترى إثيوبيا أن السد الجديد هو مصدر فخر قومي لها، وعنصر مهم لمستقبلها الاقتصادي».

وتقول مصر إن لها الحق في ما لا يقل عن ثلثي مياه النيل، ولها الحق ايضاً في الاعتراض على أي مشروعات مائية في المنبع، مشيرة إلى معاهدتين وقعتهما مع بريطانيا في القرن الماضي، عندما كانت تستعمر دول حوض النيل في ذلك الوقت.

تويتر