ميليشيات طائفية امتهنت أعمال القتل والانتقام

الصراع الديني يمزق إفريقيا الوسطى

صورة

تستطيع عائشة عمر أن تسمع صرخات الغوغائية في الخارج، وهي مختبئة مع نحو 100 من اللاجئين الآخرين في شاحنة، ضمن قافلة تأخذ طريقها عبر مدينة بانغي عاصمة إفريقيا الوسطى، في المرحلة الأولى من رحلة تمتد نحو 400 ميل نحو السلامة. وعندما تتوقف الشاحنة عند نقطة التفتيش، كانت تصدر صرخات الجموع الذين ينتظرون بالقول «إنهم هم. إنهم المسلمون. سنقتلهم جميعاً»، وظهر رجل يرتدي بنطالاً واسعاً وقميص «تي شيرت» على باب الشاحنة، وكان يحمل في يديه قنبلة يدوية، وعندها حضنت عائشة ابنتيها بدويا (8 سنوات)، ومريم، (21 شهراً)، بذراعيها وبدأت تدعو ربها.

القتل مستمر في وجود قوات السلام

عندما وصل خمسة من رجال الأعمال المسلمين إلى مطار بانغي عاصمة إفريقيا الوسطى، حيث يوجد مخيم للنازحين المسلمين، لركوب الطائرة إلى تشاد، كانت جميع مقاعد الطائرة محجوزة، وسمح لاثنين فقط بركوب الطائرة. ورجت عائلات الثلاثة المتبقين أن يظلوا في المخيم لكنهم أكدوا أن لديهم منزلاً آمناً، ولكن ما إن خرجوا من بوابة المطار حتى كان الغوغائيون المسحلون بالعصي والسكاكين بانتظارهم، حيث قتلوا اثنين على الفور، في حين عثر موظفو الصليب الأحمر على جثة الثالث الذي حاول الهرب، على بعد نحو ميلين عن المطار وكانت أطرافه الأربعة مقطعة، على الرغم من أن قوات حفظ السلام أمضت نحو أسبوع في تفكيك الحواجز الموجودة على الطريق، ومصادرة الأسلحة من الجماعات التي تسرق السيارات المارة، وتبتز الركاب وتبحث عن المسلمين، لكن عندما كانت قوات حفظ السلام تغادر مكانها تعود حواجز الطريق إلى مكانها، والتي كان يقوم بها مجموعات من الرجال الذين يرتدون ملابس مدنية وعسكرية، ويحمل بعضهم بنادق قديمة أو سيوفاً معلقة على أكتافهم، وكانوا يراقبون الشاحنات المارة من المنطقة.

وحتى العام الماضي، كان يعيش نحو 100 ألف مسلم في مدينة بانغي عاصمة إحدى أكثر دول إفريقيا فقراً وتخلفاً، لكن في هذه الأيام يعتقد أنه يوجد في المدينة أقل من 1000 مسلم.

وثمة بلدات خارج مدينة بانغي بكاملها تم إفراغها من سكانها المسلمين، الذين كانوا يشكلون سابقاً 15% من السكان، ومنذ أجيال عدة كانوا يختلطون بجيرانهم الوثنيين والمسيحيين. وتم إحراق المنازل لدى طرفي الصراع. وتم تقطيع أوصال العديد من الأشخاص، في حين جرى ربط بعض الأشخاص مع بعضهم بعضاً وإلقاؤهم من فوق الجسر أو إحراقهم داخل منازلهم.

وتعيش عائلة عائشة حياة ترحال منذ فبراير الماضي، عندما تعرضت بلدتها الواقعة قرب بانغي وغالبيتها من المسلمين للهجوم، وعند سماع صوت إطلاق النار هربوا جميعاً إلى الجامع المركزي، حيث كان المئات منهم قد لجأوا إليه. وعند هربهم من منازلهم قام المحاربون المناهضون للمسلمين بنهب وحرق منازلهم. وتقول عائشة وهي أرملة ضعيفة الجسم «يبدو المكان الذي كنا نعيش فيه كأنه مدينة أشباح». وتضيف «لكني ولدت هنا وترعرعت هنا في هذا المكان، لكن لأننا مسلمون يريدوننا أن نغادر».

وغرقت إفريقيا الوسطى في حالة من الفوضى منذ عام تقريباً. واتهم ائتلاف من المجموعات المتمردة المؤلفة من المسلمين القادمين من الشمال الشرقي ودولة تشاد والسودان الحكومة بأنها تراجعت عن اتفاق يقضي بتقاسم السلطة. وعلى الرغم من عدم امتلاكها أجندة سياسية واضحة، فقد تمكنت هذه الجماعات المدججة بالسلاح والمعروفة باسم «سيليكا» بالاستيلاء على السلطة، وظل مقاتلوها يروعون السكان لأشهر.

وعلى الرغم من أن جميع السكان عانوا من ترويع هذه المجموعات، إلا أن السكان المسحيين والوثنيين شعروا بأنهم مهددون، فبدأوا بالمقاومة عبر مجموعة ميليشيا أطلق عليها قوات «انتي بلاكا» أو «انتي ماشيت»، التي تم إنشاؤها في وقت سابق من أجل مقاتلة اللصوص وقطاع الطرق.

ونتيجة شعور الدول الإفريقية المجاورة بالقلق على أمنها قامت بالضغط على زعيم مجموعات «سيليكا» ورئيس الحكومة المؤقتة مايكل جوتوديا للتنحي عن المنصب، وأذعن لذلك في يناير الماضي، وبدأ الجنود الذين تم إرسالهم من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي بنزع أسلحة أتباع جوتوديا، وبدأ المسلمون المدنيون الذين يعتقد بأنهم كانوا يدعمون «سيليكا» يصبحون أهدافاً للانتقام. وانتشر فيلم فيديو قصير يظهر أفراداً من الغوغائيين الذين يطاردون المسلمين وهم يشعلون النار بأحد السكان المسلمين ومن ثم يقطعون أطرافه ويبدأون بأكله.

وبالنظر إلى أنهم كانوا ينشدون النجاة بأي وسيلة، غادرت عائشة وطفلتاها ووالدها وشقيقها المسجد إلى مخيم لاجئين مؤقت قريب من مطار بانغي، حيث كان الآلاف من المسلمين متجمعين في هنغار بين الطائرات والمروحيات الصدئة. وتقول عائشة كان العيش في ذلك المكان حيث الأعداء بانتظارهم خارج بوابات المخيم كمن يعيش في سجن. وتضيف «إذا خرج المرء إلى خارج المخيم فإنهم سيقتلونه على الفور».

وعندما غادرت عائلة عائشة المخيم في الصباح الباكر حذرها أفراد قوة حفظ السلام من أن المكان ليس آمناً بعد، وأرادت عائشة العودة، لكن شقيقها أصر على أنه بإمكانهم المضي، إذ إن المخيم كان يفرغ من سكانه سريعاً، واستقلت العائلة تاكسي، لكن سرعان ما ظهرت لهم المشكلات، اذ إن سائقي الشاحنات كانوا يأخذون 20 دولاراً مقابل نقل كل شخص، وهو ما لا تستطيع تحمله العائلة المؤلفة من خمسة أشخاص، وبعد مفاوضات شاقة تمكن شقيق عائشة من إيجاد شخص مستعد لنقلهم بنصف السعر، وتسلقت العائلة السيارة، وهو الأمر الصعب بالنسبة لوالد عائشة البالغ من العمر 68 عاماً، إذ سيعود إلى الدولة التي ولد فيها ولم يرجع إليها منذ نصف قرن، وسارت الشاحنات في قافلة مؤلفة من 50 شاحنة متجهة نحو الكاميرون ترافقهم مجموعة من قوات حفظ السلام من بوروندي ويتبعهم اثنان من صحافيي صحيفة «التايمز» بسيارة دفع رباعي مستأجرة.

وكانت قوات حفظ السلام قد أمضت نحو أسبوع في تفكيك الحواجز الموجودة على الطريق، ومصادرة الأسلحة من الجماعات التي تسرق سيارات المارة، وتبتز الركاب وتبحث عن المسلمين، لكن عندما كانت تلك القوات تغادر مكانها تعود حواجز الطريق إلى مكانها.

وكانت القوافل السابقة قد عانت من هجمات بالبنادق والقنابل اليدوية، وعندما سقط أحد الركاب من الشاحنة تم سحله، ولم تنقض ساعة على سير هذه القافلة حتى واجهت نقطة تفتيش في الجانب الشمالي من بانغي، وكان الشبان الغاضبون يصرخون بغضب ويطلبون المال من السائقين ويهددون بقتل جميع الركاب، وصرخ رجل يرتدي قميص (تي شيرت) أسود قائلاً «إذا كان هناك مسلمون في الشاحنات سنقوم بقطع رؤوسهم جميعاً».

وحاول رجل يرتدي ملابس جيش إفريقيا الوسطى تقديم المساعدة وصرخ بالأشخاص الذين اقتربوا من الشاحنات كي يبتعدوا ويدعوا القافلة تمر، لكن على ما يبدو لم تكن قوات حفظ السلام قد لاحظت أن بعض الشبان الذين كانوا يقتربون من مؤخرة الشاحنات كانوا يحملون قنابل يدوية مخفية، إضافة إلى قضبان حديدية، واتجه أحدهم نحو الشاحنة التي توجد فيها عائشة، وفي الحال جمع الركاب مبلغاً من المال وعندما ظهر الرجل دفعوا المبلغ له، فما كان منه إلا أن أخذ المال ومضى.

تويتر