القيادة تتجاهل شكواهن أو تتستر عليها دون معاقبة الجناة

مجندات لدى البحرية الأميركية ضحايا التحرش الجنسي

صورة

خدمت لورا استرادا أربع سنوات في البحرية الأميركية، ونالت وسام الشرف عند خروجها من الخدمة في 2001.

وعملت لورا جنباً إلى جنب مع الرجال وشاركت في مهمات مختلفة وكانت مهمتها الرئيسة شحن الذخيرة والتحقق من سلامة القذائف الموجهة. إلا أن تجربة المجندة في أقوى بحرية في العالم لم تكن سهلة بل كانت صعبة للغاية، تخللتها فترات إحباط شديد بسبب الاعتداءات والإهانة التي تعرضت لها من قبل زملائها الذكور.

صعوبة بالغة

تروي المجندة السابقة في البحرية الأميركية ميشيل جونسون، قصصاً مشابهة عن سوء معاملة زملائها الرجال. وانضمت ميشيل إلى البحرية في 2001، وعملت مساعداً لضابط المدفعية، وهي مهمة قتالية، وافقت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على عمل النساء بها في عام 1993. ووجدت جونسون صعوبة بالغة في التعامل مع العاملين تحت قيادتها، فقد قال لها أحدهم «لا يتعين علينا أن نصغي لك». وقاموا ذات يوم بتقييد يديها ووضعها داخل خزانة، وتضيف «بعد شهر أو اثنين أدركت أنهم يكرهونني». وكان الجنود البحارة لا يحترمون ميشيل ويقومون بأعمال مسيئة وهي موجودة معهم. وتقول «لم أكن أشعر بالأمان وأدركت أنه يتعين عليّ حماية نفسي، ولم أخبر بذلك أحداً لأن الجميع كان على علم»، إلا أنها اضطرت لتقديم شكوى بعد أن تعدى عليه اثنان من البحارة، ولم يتخطَ الأمر اللجنة التأديبية، وتؤكد أنه لا يوجد نساء في كتيبتها يمكن التحدث إليهن لذا لا جدوى من تقديم شكاوى.


حقوق منقوصة للمجندات

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/235793.jpg

يحق للجيش الأميركي أن يسرح العاملات فيه من دون منحهن أية حقوق. وأظهرت تحقيقات مستقلة أن مجندات عديدات في البحرية وغيرها من التخصصات العسكرية الأخرى، خرجن من الخدمة وهن يعانين اضطرابات ما بعد الصدمة، ودعا الكونغرس الجيش الأميركي لوقف هذه الممارسات. وتقول المتحدثة باسم وزارة الدفاع (البنتاغون)، سينثيا سميث، إنه من غير المألوف التسريح من الجيش في السنوات الأولى من الخدمة، ولا يحق للأشخاص المسرحين خلال الأعوام الأولى الحصول على التعويضات عن العجز، بسبب اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. وقالت تقارير مختلفة إن ضحايا التحرش الجنسي في البحرية الأميركية عادة ما يتعرضن للأذى النفسي خلال وبعد انتهاء خدمتهن، في حين لا تتم محاسبة الجناة.

ويقول الضابط السابق في البحرية، روبرت ألفريز، الذي يعمل في العلاج النفسي «إذا كانت هناك خمس حالات اغتصاب في أربعة أشهر فهذا أمر مزعج للغاية بالنسبة لقائد الوحدة»، لذا فإن القيادات لا تلجأ إلى الملاحقة القانونية، وفقاً للضابط السابق، وعوضاً عن ذلك، فإن سمعة الضحية تتعرض لتشويه كبير ويتضاعف الأذى. وتقول المحامية في معسكر «فورت كارسون» لتدريب البحارة، إريكا لو، إن قادة الوحدات يتعاملون مع حالات التحرش بحذر شديد ولا يولون لها الاهتمام المناسب. وتقول إن الوحدات العسكرية «ذكورية» ووجود المرأة فيها يترتب عليه تحديات كبيرة للمجندة بشكل خاص، فقد يصبح المعتدي في بعض الأماكن «بطلاً». ويحاول القائد في الوحدة أن يصل إلى تسوية أحياناً إذا كان الأمر خطراً ولا يهتم بالشكاوى التي يراها قليلة الأهمية.

وتُترك مسائل التحرش غالباً رهن «تصرف القائد»، ما يتيح له حرية الاختيار إن كان الأمر يستحق الملاحقة القانونية أم لا. ويرى خبراء أن ترك مسائل مثل هذه لتصرف شخص معين قد يجعل المجندات في موقف ضعيف، لأن أغلب القادة من الرجال. ويطالب دعاة المساواة بين الجنسين بإعطاء المزيد من الحقوق للعاملات في الجيش الأميركي.

وقضت أغلب سنوات خدمتها تجوب المحيط الأطلسي على متن حاملة الطائرات في مهمات أغلبها لأغراض تدريبية.

 وفي نهاية المطاف وجدت المجندة السابقة نفسها تعاني مشكلات صحية بسبب حالات التحرش الجنسي المتكررة التي تعرضت لها أثناء الخدمة.

عندما انضمت لورا (41 عاماً)، إلى صفوف البحرية كان عدد المجندات قليلاً جداً، لذا فقد عملت بمفردها مع مجموعة من الضباط وضباط الصف الرجال. وتروي أن قائد وحدتها استقبلها بخشونة، قائلاً «لا عمل للنساء في غرفة المحركات»، على الرغم من أن لورا تدربت على ميكانيكا المحركات وانضمت للوحدة المتخصصة في ذلك.

وخلال أوقات العمل يتم التحرش بها بشكل مستمر وبطرق وأشكال مختلفة، وكان زملاؤها يراودونها عن نفسها علناً ويهينونها بشكل مستمر، وعندما احتجت إلى قيادة البارجة تم تجاهل الشكوى، ما زاد من سخرية زملائها منها.

عندما تتعرض امرأة للتحرش في البحرية أو أي سلك عسكري آخر في الولايات المتحدة، يتم رفع الشكوى إلى القائد، وتمر الشكوى على عدد من الضباط حسب رتبهم، وفي الغالب هم من الرجال. ففي 2010، مازال عدد النساء في جميع التخصصات العسكرية أقل من 15%. ويتم النظر في قضايا التحرش ضد النساء بطريقة مختلفة، وعادة ما يتم تجاهل هذه الحوادث.

ويمكن للضحية أن تقدم الشكوى من دون التعريف بهويتها، أو قد تلجأ لاستشاري في البحرية كي يتم معالجة المشكلة من دون الحاجة إلى تقديم شكوى. ولا ينتج عن ذلك أي عقوبة في حق الجاني وحالات التحرش تستمر على وتيرتها.

تقول لورا، إن المجندة في البحرية قد تضطر إلى الاستسلام لرغبات زملائها وتعيش أوقاتاً عصيبة تنجم عنها أضرار جسدية ونفسية تستمر سنوات طويلة. ويتعين على لورا أن تبقى دائماً في حالة تأهب لأنها معرضة للاعتداء في أي وقت، «وفي حال صدت أحد المتحرشين بها أو وبخته، فإن الأخير يغضب وقد يسمعها كلاماً سيئاً وبذيئاً»، كما تروي المجندة السابقة، وهي دائماً تنتظر الأسوأ. وبعد سنوات طويلة من نهاية خدمتها، تمكنت لورا من الكشف عن معاناتها والصدمات النفسية التي تعرضت لها في البحرية الأميركية.

عادت لورا إلى لوس أنجلوس في 2001 وبدأت حياة جديدة، إلا أنها لم تستوعب وضعها الصحي إلا بعد مرور فترة طويلة. تعلمت الصيانة الكهربائية ووجدت عملاً تقول إنها تحب القيام به. إلا أنها عانت من نوبات الاكتئاب الشديد وشعرت بالخوف من الرجال وأصبحت لا تثق بأي واحد منهم وعزلت نفسها لسنوات.

ولاحقاً، تزوجت بأحد البحارة الذين خدم معها وكان يعرف ما عانته لورا جيداً. ولم يستمر الزواج طويلاً وعادت لورا إلى العزلة مجدداً. ولم تتمكن من العناية بابنتها وتقهقرت حالتها الصحية إلى حد كبير.

تجارب مؤلمة

تقول وزارة شؤون قدامى العسكريين، إن واحدة من كل خمس مجندات تعرضت للتحرش الجنسي في الجيش الأميركي، كما أن 4500 مجندة سابقة لا يجدن مأوى بعد انتهاء خدمتهن في الجيش، من بين 58 ألف مجند سابق من دون مأوى.

وتعتقد الأخصائية الاجتماعية والنفسية في مركز «داون تاون للنساء» في لوس أنجلوس، آمي تارك، أن العدد ربما يكون أكبر من البيانات الرسمية.

وتقول إن «التحرش الجنسي في الجيش تهديد شائع وأغلب النساء لا يفضلن مشاركة الأخريات تجاربهن المؤلمة». ويوفر المركز، الذي يتلقى الدعم المالي من الحكومة الفيدرالية، خدمات عدة لقدامى المجندات، بما في ذلك توفير السكن ورعاية الأطفال وتقديم الاستشارات والمساعدة في إيجاد عمل. ومع ذلك فالمئات منهن يقمن في مأوى مؤقت وأخريات اتخذن من سياراتهن منازل مؤقتة، وأما من لم يسعفهن الحظ «فيبتن في العراء»، بحسب الأخصائية.

وقضت لورا فترة طويلة وهي تستخدم الأريكة للنوم هي وابنتها، في غرفة استقبال شقيقتها في لوس أنجلوس، إلى أن حصلت الشهر الماضي على شقة صغيرة في ضاحية «ويست أدمز»، بمساعدة مركز «داون تاون للنساء».

وتقول المجندة السابقة إنها عانت خيبة الأمل خلال سنوات «الضياع» وتضيف «يبدو أن الأمر جيد إذ أستطيع الآن أن أعيد حياتي إلى مسارها الطبيعي». واستغرقت عملية العلاج النفسي نحو عام كامل بفضل الأخصائية في علاج ضحايا التحرش الجنسي، تيري ديفيس، التي عملت هي أيضاً في صفوف البحرية الأميركية.

وتروي لورا أنها كانت ستتوقف عن العلاج منذ الجلسة الأولى، عندما دخلت إلى غرفة الانتظار في العيادة ووجدت أن أغلب المراجعين من الرجال، وتقول «شعرت بأني عدت مجدداً إلى تلك البارجة وكل العيون كانت تنظر إليّ».

ونوضح أنها أثناء وجودها في غرفة الانتظار تذكرت مشاهد التحرش والاعتداء، التي مرت بها خلال خدمتها في البحرية. وبعد جلسات عدة مع أخصائيات ومجندات سابقات استطاعت لورا التغلب على مشكلاتها النفسية وتخلصت شيئاً فشيئاً من عقدها.


تزايد معدل الاعتداءات الجنسية

كشفت وزارة الدفاع الأميركية، عن ارتفاع الاعتداءات الجنسية في الجيش الأميركي بنسبة 50% وفقاً لإحصاءات هذا العام. وأشار مسح رأي لأشخاص من دون ذكر هويتهم في 2012 إلى مواجهة 26 ألف عنصر في الجيش لحالة اعتداء أو تحرش جنسي لم يرغب فيه الضحايا.

وتقول المسؤولة في وزارة الدفاع الأميركية، ميشال دومنغاز، إن «التحرش الجنسي يلحق الأذى بالقوات وجاهزيتها، وبغض النظر عن الأرقام، فإن ذلك يعد شيئاً مفزعاً»، إلا أن العقوبة لا تتطابق مع الجرم، فهي لا تتعدى خفض الراتب أو المنصب. وأشار تقرير الوزارة، إلى أن 80% من الحالات لا يتم الإعلان عنها، وتشير الإدارة الأميركية إلى أن الضحايا لا يقمن بالإبلاغ عن حالات الاغتصاب أو التحرش الجنسي، خوفاً من تكذيبهن أو بسبب الخجل والخوف.

ويرى مسؤولون عسكريون أنه على الرغم من التحسينات التي طرأت وتتيح للأفراد العاملين في الجيش الإبلاغ عن هذه التجاوزات، إلا أن ما بين 10 و20% فقط من الذين تعرضوا لمثل هذه الانتهاكات الجنسية، يتقدمون للإبلاغ عنها.

تويتر